تعود الأحداث لعام مضى، حينما لقيت الشابة الإيرانية “مهسا أميني” حتفها على يد شرطة الأخلاق أثناء احتجازها في مركز الإعتقال. تلت الحادثة مظاهرات شبابية حاشدة أفضت إلى مقتل مايربو على 500 من المتظاهرين وإيداع عشرات الألوف من الشباب والشابات خلف أسوار السجون.
حادثة مقتل الشابة شرّعت الأبواب على مسألة “فرض الحجاب” قسراً وتعنتاً من قِبل السلطة الدينية. فالحجاب بالنسبة لهذه السلطة بمثابة توجه لإثبات هوية رمزية سياسية أكثر منه إدعاءً لتطبيق شرعية دينية.
إيران وأفغانستان، هما الجمهوريتان الأصوليتان الوحيدتان اللتان تفرضان بالجبر والإرهاب ارتداء الحجاب، متذرعتان باجتهادات لا تمت للواقع وللمنطق بصلة. فالقرآن الكريم لم ترد فيه آية، لا صراحةً ولا تلميحاً أو ضمناً بالمعنى، عن شعر المرأة، لا من قريب ولا من بعيد. إضافةً إلى أن “مسألة الحجاب” لا تندرج ضمن مسائل العقيدة الأساسية، ولا ضمن أصول الدين أو فروعه، ولم يخصص لها مورد أو باب من أبواب الفقه. ولم يرد السفور ضمن موارد الجزاء في تطبيق الحدود وإجراء العقوبات بالإسلام، أو حتى التعزير، ولا تعد من الكبائر أو الصغائر، ولم يرد في كتب الصحاح المشتملة على عشرات الألوف من الأحاديث ولو بحديث يتيم أن الرسول الكريم أو خلفاءه عاقبوا إحدى النساء لأنها لم ترتدِ الحجاب.
كما افتقرت كتب التفسير على كثرتها إلى تفسير جامع مانع يجلي الغموض ويقطع الخلاف حول مفهوم الحجاب وماهيته وضوابطه.
مع ملاحظة أنه لا توجد هناك معاملات أو حالات لا تتم إلا باشتراط زي الحجاب، كالزواج مثلاً، حيث لم تمنع الشريعة أو تقيد من الزواج بالسافرات. أما أداء الصلاة أو تلبية مناسك الحج فيشترط فيهما على المرأة تغطية الرأس خلال أداء العبادة، ليس باعتبار أن شعر النساء “عورة” –كما يدعي البعض– إنما إجلالاً لمقام العبودية فقط. كما أن تغطية شعر رأس النساء لا تستند إلى أي معيار أخلاقي، ولم تدرج ضمن أخلاقيات المجتمع أو الفرد بأي من الفلسفات أو الأديان.
قد يحتج البعض بنص الآيات 53 و54 من سورة الأحزاب، لكنها كما يذكر في كتب أسباب النزول والتفسير وردت اختصاصاً بـ”أمهات المؤمنين”، زوجات الرسول، وحصراً عليهن بفرض الساتر والإستئذان منهن إجلالاً لمقامهن. كما يذكر المفسرون عموماً أن الآيات السابقة نزلت في السنة الخامسة للهجرة، أي بعد مرور 16 عاماً من بداية الدعوة للإسلام، وأنها نزلت بعد وقوع حادثة معينة…، وبالتالي فحكمها حكم إرشادي توجيهي سلوكي، وليس تعبدي أو أخلاقي.
في عهد الرسول وخلفائه كانت المرأة الحرة تحتجب والجارية تبرز (أي تكشف شعرها). وكم من الجواري تعرضن للضرب تعسفاً لتشبههن بالحرائر إذا ما غطين رؤوسهن، كما أبيح لهن الصلاة مكشوفات الرأس. والمتفق عليه عند كافة الفقهاء أن الجواري غير مشمولات بحكم الحجاب.
وبحسب “القانون الآشوري” ألزمت الحرائر بلبس الحجاب ومنعت الجواري منه، وهذا ما جرى عليه فَهْمُ المتأخرين من الفقهاء في تطبيق الآيات.
*كاتب وباحث كويتي
““مسألة الحجاب” لا تندرج ضمن مسائل العقيدة الأساسية، ولا ضمن أصول الدين أو فروعه، ولم يخصص لها مورد أو باب من أبواب الفقه. ولم يرد السفور ضمن موارد الجزاء في تطبيق الحدود وإجراء العقوبات بالإسلام، أو حتى التعزير، ولا تعد من الكبائر أو الصغائر”. هذه ملاحظة مهمة جداً. فكل ما يمارسه نظام الملات ونظام طالبان وغيرهما يندرج ضمن “علوم الإستبداد والسيطرة على الشعوب”، وليس ضمن أصول أي دين من الأديان. قبل سنوات، دعت جمعية سلفية “غير متطرفة” صديقي الراحل جمال البنا لإلقاء محاضرة في شمال باريس. في آخر المحاضرة، سألته فتاة محجبة عن رأيه بالحجاب فأجاب (وهو شقيق حسن البنا): “ضعي… قراءة المزيد ..