هناك مستفيد غريب واحد من الهجوم الذي تعرضت له قنصلية الولايات المتحدة في بنغازي في 11 أيلول/سبتمبر والذي أودى بحياة أربعة مواطنين أمريكيين: إنها حكومة «الإخوان المسلمين» الجديدة في مصر. فذلك الهجوم الذي وقع في ليبيا وما أعقبه من جدل غطى بشكل تام تقريباً على الحصار الذي كان مفروضاً على السفارة الأمريكية في القاهرة في اليوم نفسه، وكذلك على التعامل غير المسؤول للرئيس المصري محمد مرسي مع ذلك الموقف بالغ الخطورة. فلم تتخذ أي خطوة إلا بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأمريكي أوباما مع الرئيس مرسي بعد يومين من بدء الاحتجاجات وإعرابه عن استيائه مما جعل مرسي يشجب ذلك الاعتداء ويتعهد بحماية السفارة.
إن الاستجابة الأولى لـ«الإخوان» للاعتداء – الثناء عليه والتحضير للقيام باحتجاجات خاصة بأتباع «الجماعة» – لم يكن مفاجئاً. فسعي إدارة أوباما لبناء شراكة ودية مع الحزب الممثل لـ«الإخوان» جعل ذلك الحزب يظن أن بإمكانه الإفلات من أي أمر يتورط فيه. فظهور «الجماعة» في ثوب الحزب الحاكم الجديد لمصر قد غير مسار الجدل السياسي الدائر في الولايات المتحدة حول التعامل مع الإسلاميين تغييراً جوهرياً. وبالنظر إلى المكانة المركزية لمصر ثقافياً واستراتيجياً في العالم العربي، فلم يعد السؤال عن تعامل واشنطن مع الإسلاميين من عدمه بل عن كيفية التعامل. وكانت إجابات البيت الأبيض غير مرضية بالمرة.
فبدلاً من أن تضع الإدارة الأمريكية شروطاً على الحزمة الأمريكية السخية للمساعدات الاقتصادية والعسكرية، فقد بدت في الغالب مؤمنة بفكرة أن الولايات المتحدة يمكنها من خلال توطيد الشراكة أن تبني علاقات أكثر ثراءً ووداً مع «الجماعة» وتقنعها بأن تهذب من آرائها العدائية المتعصبة.
وعلى سبيل المثال في أوائل أيلول/سبتمبر، رتب البيت الأبيض زيارة وفد من رجال الأعمال الأميركيين إلى مصر لمقابلة كبار رجال الأعمال من «الإخوان». لكن مع الأسف، فقد تزامن ثناء الوفد، في مؤتمر صحفي بالقاهرة، على مناخ الاستقرار التجاري في مصر، مع قيام مجموعات غاضبة بطول العاصمة وعرضها بتطويق سفارة الولايات المتحدة ولم يقم «الإخوان» عندئذ بدور المهدئ للأجواء إلا على استحياء.
وعلى الرغم من كل ذلك يستمر بذل الجهد للتعاون مع «الإخوان» وفق ما يملونه هم وليس ما نمليه نحن. وقد صدر تقرير جديد لمؤسسة “راند” البحثية عن ” جماعة«الإخوان المسلمين»، وشبابها، ومقتضيات الشراكة مع الولايات المتحدة” يدعو واشنطن إلى التعاطي مع الوجوه الشابة لـ «الإخوان المسلمين» الذين قد يصبحون قادة «الجماعة» – ومصر – يوماً ما.
وجاء في ذلك التقرير ما نصه “إن التعاطي يتيح للطرفين الفرصة كي يبددا النقاط المُساء فهمها بينهما”. فالتعاطي مع”الشباب الواعد في «الجماعة» ممن لم يألفوا التعاون مع الغرب” سوف تجعل علاقة الولايات المتحدة بـ«الإخوان» أكثر ديمومة على المدى الطويل.
ويوصي التقرير القيام بمجموعة متنوعة من الطرق التي يمكن لصناع السياسية الأمريكية من خلالها استخدام التعاطي لتشجيع «الإخوان» على التعاون بشكل أكبر؛ منها انتقاء متحدثين أمريكيين في المحافل الطلابية «الإخوانية» ودعوة القادة الشباب في جماعة «الإخوان» للتحدث في الجامعات الأمريكية، وإتاحة فرصة الدراسة في الولايات المتحدة لشباب «الإخوان».
ويؤكد تقرير مؤسسة “راند” أنه “بمرور الوقت يمكن أن يكون لهذه التبادلات البشرية أثر بالغ في العلاقات الأمريكية المصرية يفوق الأثر الذي ينتج من الاجتماعات الرسمية بين كبار الساسة.” أي أنه كلما تعرّف «الإخوان» بصورة أكثر على الولايات المتحدة، كلما تعلموا كيف سيكونون معجبين بها.
ومع ذلك، فهذه الدعوة إلى مشاركة شباب «الإخوان المسلمين» تتجاهل حقائق هامة، خذ منها: أن «الإخوان» كيان أيديولوجي عميق يحمل نظرة عداء تاريخي تجاه الغرب، وإنهم يسعون لإنشاء دولة إسلامية في مصر، وطالما عارضوا معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل ويكنون في صدورهم آراء متطرفة تجاه الأقليات الدينية. وعلاوة على ذلك، إن العملية المعقدة التي يصبح من خلالها المرء “أخا مسلماً” صُممت لاستبعاد من قد يميل نحو الاعتدال الأيديولوجي.
فبعد تجنيدهم – عادة في المساجد أو الجامعات – يمر الشباب المرشحون للانضمام إلى جماعة «الإخوان» بعملية ترقية داخلية صارمة تمتد من خمسة إلى ثمانية أعوام. وأثناء هذه الفترة تجرى اختبارات متكررة لطلائع «الإخوان المسلمين» من ناحية إتمامهم المنهج التعليمي «الإخواني» ويوضع التزامهم بالمبادئ الثيوقراطية «الإخوانية» تحت المنظار وكذلك يُراقَب استعدادهم لتلقي الأوامر التي تصدر من القيادة العليا لجماعة «الإخوان». ومن لا يحوز منهم على ثقة الأعضاء الأقدم يُستَبعد من «الجماعة». وفي الواقع، لقد أورد تقرير “راند” في سياقات عدة أن مشاركة الشباب «الإخواني» في «الجماعة» “مبنية على مبدأ السمع والطاعة”.
ولهذا فإن الشباب «الإخواني» ليس شباباً منفتحاً على الأغلب بحيث يمكن أن يعاد تشكيل نظرته للعالم من خلال تبادلات حميمة مع صناع السياسة الأمريكيين. إنهم قوم تقودهم أهدافهم، وعمق أيديولوجياتهم، عاقدون عزائمهم على أن يجودوا بخمسة أو ثمانية أعوام من زهرة أعمارهم يكونون فيها محض جنود صغار يخدمون تلك الأجندة «الإخوانية».
ونظام «الجماعة» الهرمي الصارم يمثل عقبة أخرى تمنع نجاح صناع السياسة الأمريكية من التعاطي بنجاح مع الشباب المندرجين تحت هذا النظام – وهذا يتمثل تحديداً في القيادة العليا لـ «الجماعة». فتقرير “راند” يعترف بأن قادة «الإخوان» منعوا أحد الأعضاء الشباب من المشاركة في مؤتمر في مركز أبحاث أمريكي وأن شباب «الإخوان» حذو نفس الحذو ورفضوا مقابلة مسؤولين أمريكيين دون الحصول على إذن صريح. ويحاول تقرير “راند” الالتفاف على هذه الحقيقة المفزعة مورداً نصحاً بأن “الاتصالات المباشرة مع قادة [«الإخوان»] يمكن أن تسهم في بناء القدر المطلوب من الثقة ويمكن أن تبدد تخوفات القيادة بشأن المحاولات الأمريكية التي تهدف إلى دمج الشباب [«الإخوان»] في تخطيط المجتمع المدني.”
إلا إنه ومع هذا القدر من التفاؤل الذي بثته مؤسسة “راند”، فليس منطقياً أن يصدق المرء أن جماعة ترسو دعائمها على هذا القدر من المركزية المتشددة سوف تفرط ولو بالقليل من سيطرتها على أعضائها الذين يمكن أن يكونوا محلاً للتفاعل مع مسؤولي الولايات المتحدة. بل إنه عندما بعث «الإخوان» أول وفد شبابي لهم إلى واشنطن في شهر نيسان/أبريل فإنهم قد انتقوا مسوقين لهم من أكثر الملتزمين تنظيمياً كي يطلوا على الجمهور الغربي دون أيما تنازل عن الأيديولوجية.
ونادراً ما يلاحظ مؤيدو التعاطي أن السمات التنظيمية المنغلقة لـ«الإخوان» تشكل مشاكل حقيقية وربما لا يمكن حلها. بل إنهم يرون أن أكبر عقبة في الأمر هي الرأي العام الأمريكي – أو إحساس عدم الثقة المترسخ لدى الأمريكيين تجاه الإسلاميين. وبناء على ما تقدم توصي مؤسسة “راند” بأنه يلزم أن يكون “التعاطي معزولاً عن الهجمات السياسية المحلية من خلال قيام عدد أكبر من أعضاء الكونغرس” بمقابلة قادة «الإخوان».
ومع ذلك، ينبغي ألا يكون التركيز منصباً على تغيير الكيفية التي يفهم بها المواطنون الأمريكيون وساستهم المنتخبون لـ جماعة «الإخوان»، بل على تغيير الطريقة التي يتعامل بها «الإخوان» أنفسهم. فالدرس الذي يتعين على مؤيدي التعاطي في إدارة أوباما وغيرها من المستويات هو أن الجماعات المنغلقة الثيوقراطية لا ترتدي زي الاعتدال حين تُستَقبل بالأحضان بدون شروط . بل إنها ترتدي زي الاعتدال حينما تتعرّض لضغوط شديدة فلا تجد غير الاعتدال خياراً.