أقيم في جامعة تل أبيب، منذ عدة سنوات مركز خاص اسمه مركز تامي شتا ينمتس لدراسات السلام. ويتابع هذا المركز التغيرات، بشكل مستمر، في مزاج الشعب الإسرائيلي تجاه قضية السلام، وأيضاً تجاه التغيرات والتحولات الاجتماعية والسياسية في إسرائيل.
وينشر هذا المركز، سنوياً، تقريراً شاملاً، ثمرة استطلاع واسع للرأي، حول الموقف من العملية السلمية وآفاق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وإسرائيل والعالم العربي عموماً. وتهتم الأحزاب والمراكز الأكاديمية والصحافة والرأي العام، عادة، بهذا التقرير وتراه مؤشراً موضوعياً أكاديمياً لمهب الريح السياسية في إسرائيل.
وقد نشرت جريدة “هآرتس” (الإثنين 6/8/2007) هذا التقرير الذي أعده البروفسور إفرايم ياعار والبروفسورة تامار هيرمان.
ولعل أهم وأخطر ما في هذا التقرير الاستنتاج بأن أكثرية الرأي العام في إسرائيل، ترى ” أن المشاكل الداخلية ومشاكل أزمة الحكم في الدولة أكثر خطورة وحدّة من قضايا الأمن وأخطار الحرب مع حزب الله والفلسطينيين. وقد تمسك بهذا الرأي ضعفا الذين رأوا أن خطر الحرب مع العرب هو الأكثر خطورة.
ويقول المحللون إن هذا يعني أمرين: أزمة الحكم الداخلية عميقة ومتفاقمة ومقلقة، بينما خطر الحرب يجيء في المكان الثاني.
ومن المذهل والمثير للاستغراب أن هناك نسبة عالية تريد “السلام” ومستعدة للانسحاب “من مناطق” وليس من كل المناطق، فإن نسبة عالية جداً ترفض إطلاق سراح القائد الفلسطيني مروان البرغوثي وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين عموماً، قبل اتفاقات السلام “النهائية”.
والمثير أيضاً أن أكثرية ساحقة تعتقد بأن الجيش الإسرائيلي قام ويقوم، بشكل منهجي، بتصحيح الأخطاء التي اقترفها خلال حرب لبنان الثانية بينما تعتقد أكثرية واضحة أن الحكومة لا تقوم بشكل ناجح وكافٍ بإصلاح ما عليها هي إصلاحه في الجبهة المدنية الداخلية. كما أعربت نسبة عالية عن القلق من تزايد نسبة “المتهربين” من الخدمة العسكرية، وبينما كان هذا مثار رفض قاطع وإدانة أخلاقية في السابق، فإنه يبدو “عادياً” الآن.
وحول الانسحاب من المناطق الفلسطينية المحتلة، في إطار سلام (وربما قبل تحقيقه وسعياً لتحقيقه) تتضح الصورة التالية في المجتمع الإسرائيلي.
*42 بالمائة يؤيدون انسحاباً “واسعاً” مع الإبقاء على مناطق المستوطنات الصهيونية الكبيرة تابعة لإسرائيل في كل الحالات (مثل مستوطنات غوش عتسيون قرب بيت لحم، ومعاليه أدوميم (الخان الأحمر) ومستوطنة أريئيل).
* 53 بالمائة قالوا إنهم يعارضون الانسحاب .
وعندما حلل التقرير مواقف الأحزاب اليهودية من “الانسحاب”، جاءت النتائج التالية: 92 بالمائة من حركة ميرتس اليسارية يؤيدون انسحاباً واسعاً، 76 بالمائة من “العمل”، 65 بالمائة من “قديما” (حزب أولمرت)، 29 بالمائة من حزب “إسرائيل بيتنا” 22 بالمائة من الليكود، 19 بالمائة من “المفدال” (القومي الديني)، و6 بالمائة فقط من” شاس” أما في حزب “يهدوت هتوراة” فلا يؤيد أحد أي انسحاب من المناطق المحتلة.
وربما يفسر ما ذكر أعلاه اكتشافاً آخر للتحقيق حيث أن 63 بالمائة لا يعتقدون أن بالإمكان عقد السلام مع السلطة الوطنية الفلسطينية أو أنها قادرة على تنفيذ السلام “في المستقبل المنظور”. أما الأقلية المؤمنة بإمكانية السلام فإن 68 بالمائة منها مستعدون للانسحاب “بعيد المدى” ثمناً لتحقيق السلام .
ولكن بالمقابل،فإن 53 بالمائة يفضلون حلاً سلمياً منطقياً باشتراك مصر والأردن والسعودية ودول عربية أخرى (المبادرة السلمية العربية)فهذا أفضل وأضمن من سلام مع الفلسطينيين، فقط.
وبينما “ثقة” الناس بالحكومة لم تتسع ولم تتعمق، وليس هناك شعور بأن الحكومة قادرة أن تستعيد الهيبة والثقة، فإن نسبة عالية (52 بالمائة) تعتقد بأن الجيش بقيادته الجديدة يقوم بالاصلاحات الجذرية المطلوبة، في أعقاب الحرب ويعتقدون بأن الجيش “استوعب العبر والدروس المطلوبة من الأخطاء التي جرت خلال الحرب”.
أما حول الحرب نفسها، وهل كان يجب أن تبادر الحكومة إليها فإننا نجد النتائج التالية:
*55 بالمائة يعتقدون أن المبادرة للحرب رداً على خطف الجنود، كانت “صحيحة”، و”عادلة”، ولكن تسيير الحرب كان “خاطئاً”. بالمقابل يعتقد 39 بالمائة، أن الخروج للحرب كان خاطئاً من أساسه كما أن تسييرها كان مغلوطاً. وهناك 2 بالمائة فقط، يعتقدون أن الخروج للحرب كان صحيحاً، كما أن تسيير الحرب كان صحيحاً.
ويعتقد 42 بالمائة أن إسرائيل خرجت من الحرب “أقوى”، بينما 27 بالمائة يعتقدون أن مكانة إسرائيل قد ضعفت، نتيجة للحرب.
أما فيما يتعلق بحزب الله، فالآراء في إسرائيل، طبقاً للبحث، هي كالتالي: 44 بالمائة يعتقدون أن حزب الله قد “تقوى”، و28 بالمائة يعتقدون بأنه بقي على حاله، لم يضعف ولم يقوَ، و18.5بالمائة يعتقدون أنه قد ضعفت قوته ومكانته.
إن الاستطلاعات الدورية، بطبيعتها ، هي مثل حالة الطقس، فهناك تطورات دراماتيكية وأحياناً غير دراماتيكية تغير مزاج الناس ومواقفهم، وهناك “انتصارات”، أو “انتصارات” وهمية ترفع المعنويات وتنشر الهيستيريا القومية وتغير الأمزجة تغييراً جذرياً.
ومع هذا، فإن المحللين السياسيين في إسرائيل رأوا في هذا التقرير قضية أساسية: بينما الجيش انكب على استخلاص النتائج والدروس من الحرب، فإن الحكومة تبدو “ضعيفة” و”عاجزة عن رفع مستوى شعبيتها في الرأي العام”. وهناك استطلاعات تدل بوضوح كامل أن المنافسة في الانتخابات المقبلة هي بين ” الليكود” برئاسة بنيامين نتنياهو والعمل برئاسة إهود براك، بينما قديما برئاسة أولمرت تتقهقر شعبيتها وهي تزحف ببطء، بعيداً وراء الليكود والعمل.
من ناحية ثانية ليس هناك أي تطور فلسطيني أو عربي عام من شأنه أن “يضغط” على الرأي العام الإسرائيلي في اتجاه تغيير سلبي أو ايجابي، فانقلاب “حماس” في قطاع غزة عزز عدم أخذ الفلسطينيين بالحساب جدياً، كما أن حماس، بنهجها الديني الأصولي المغازل لايران والقاعدة وحزب الله، بعزل الفلسطينيين عالمياً، ويقلل من تعاطف المجتمع الدولي مع إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل.
ومن ناحية ثانية، فقد العالم العربي أية “قوة ضاغطة” على إسرائيل، بل أن العالم العربي الرسمي يبدو.
ضعيفاً ولاهثاً أمام إسرائيل التي تتصرف تصرفاً “إمبراطورياً” في المنطقة.
salim_jubran@yahoo.com
الناصرة