عندما نقرأ الأخبار بشأن السبايا اللواتي يقعن في أيدي عصابات ما يُسمّى ”الدولة الإسلامية“، وعندما نسمع ونشاهد كيف تُباع تلك الفتيات من السبايا في سوق النخاسة، نجد أنفسنا مضطرين إلى العودة إلى أصل هذه السلوكيات.
لا جديد في الأمر، فكلّ ما يقوم به هؤلاء متأسّس على تقاليد موروثة من هذا التراث الذي لا يني يعيث بأهله خرابًا، ولا يني يفتك بذهنية المتعلّقين به كابرًا عن كابر، وجيلاً وراء جيل، بدءًا من الانطلاقة الأولى في جزيرة العرب.
إنّ كتب التراث تعجّ بالأخبار التي تروي قصصًا من هذا القبيل. أحيانًا تكون المرويات أخبارًا تسرد أحداثًا تاريخية، وأحيانًا تكون المرويات على شاكلة نتف من الطرائف. غير أنّنا إذا ما تخطّينا حدّ الطرفة فيما يروي لنا السّلف فإنّنا نقف على حقيقة تلك المأساة في الحكاية.
ولمجرّد التمثيل والتنويه فحسب على ما نرمي إليه في هذه العجالة، نورد هنا هذا الخبر، كما دوّنه لنا السلف:
”ذكر الشيخين أبي علي الحسن وأبي الحسن علي ابني عبد العزيز بن الحسن الظاهري، أخبراني قالا: حدثنا أبو أحمد طالب المقرئ قال: كانت لأبي الحسن بن العلاف الشاعر جارية أرمنية، وكان يحبها، وكانت مناقرة. فكثر ذلك منها، فباعها. ثم لم يصبر عنها، فزاد على الثمن مئة درهم واستردّها. فزادت في نقاره، فباعها. فبقيت أياما، ثم لم يصبر عنها. فرجع إلى السوق واشتراها وزاد في ثمنها مئة درهم، وباع دفاتره وثيابه. فضحك النخّاس منه ونسبوه إلى ضعف رأيه. فأخذ الجارية وانصرف.
فقلنا له ونحن في بعض الطريق: هذا قبيح بمثلك، والناس والنخّاس يكبرون هذا منك. فأنشدنا على البديهة:
رَدَدْنا خِمارًا مرّةً بعدَ مرّةٍ
من السُّوقِ وَاخْتَرْنا خِمارًا على الثَّمَنْ
وَكُنّا أَلِفْناها وَلَمْ تَكُ مَأْلفًا
وَقَدْ يُؤْلَفُ الشّيءُ الذي ليسَ باِلحَسَنْ
كَما تُؤْلَفُ الأرضُ التي لَمْ يَكُنْ بِها
هَواءٌ ولا ماءٌ سِوَى أنّها وَطَنْ“
نقلاً عن: كتاب: ذكر شيوخ الشريف أبي الفضل الهاشمي
أنظر أيضًا كتاب: جزء بانتخاب أبي طاهر السلفي
*
وبعد،
فها هي الجارية الأرمنية، التي هي بلا شكّ إحدى السّبايا المسيحيات في هذا التاريخ الإسلامي القديم، تباع وتشترى في سوق النخاسة. وها هو خبرها يُدوّن ويُحفظ لنا عبر السنين كنوع من الطرائف في تراث المسلمين.
إذن، فلا جديد في أخبار هذه الدولة الإسلامية الآن التي تشيع أخبارها وأخبار سباياها. فهي في هذه السلوكيات تسير على هدي من سبقهم إلى هذه التقاليد كما وتحذو ذلك السلف الطالح حذو القذّة بالقذّة.
ولهذا اقتضى التنويه. والعقل ولي التوفيق!
*