في خطوة أثارت العديد من التساؤلات، اقرّ مجلس الشورى الايراني، الذي تنتهي ولايته نهاية شهر أيار الجاري، مشروع قانون يسمح للحكومة بمنح الجنسية الايرانية “لزوجة وأبناء ووالدي المقاتلين غير الايرانيين الذين قضوا خلال الحرب الايرانية العراقية (1980 – 1988) أو أقرباء القتلى ممن كلفوا بمهام عسكرية أو خاصة من قبل ايران في اي دولة اخرى، وذلك خلال مدة اقصاها عام واحد عقب تقديم طلب الجنسية”. وكانت الحكومة الحالية رفضت هذا القانون خلال مناقشات في البرلمان قبل ثلاثة اشهر، لكنها ستكون ملزمة بتطبيقه حال المصادقة النهائية عليه من قبل مجلس صيانة الدستور.
بعد نحو 28 عاما على نهاية الحرب العراقية – الايرانية، يصعب ان يكون ضحايا هذه الحرب من غير الايرانيين من الذين قاتلوا في صفوف الحرس الثوري ضد الجيش العراقي، هم المستهدف حصرا في صدور مثل هذا القانون لا سيما ان القانون اشار بوضوح الى الحاضر والمستقبل كما ورد في نص القانون: “… والذين كلفوا بمهمات عسكرية او خاصة خارج ايران بعد الحرب العراقية الايرانية“. بل يمكن القول ان صدور مثل هذا القانون في الوقت الراهن يحمل ابعادا تتصل بالمرحلة المقبلة، وينطوي على ابعاد سياسية وعسكرية خصوصا ان القوة الايرانية المقاتلة في سورية او في العراق تعتمد على مقاتلين من جنسيات غير ايرانية.
يبرز من هذه الالوية “لواء الفاطميين” الذي يستند إلى مقاتلين افغان من اللاجئين في ايران، الى “لواء الزينبيين” الذي يتشكل من مقاتلين باكستانيين جزء منهم مقيم في ايران وج آخر قدم طوعا الى ايران وانضم الى اللواء الذي تشرف عليه قيادات من الحرس الثوري، الى “لواء ابو الفضل العباس” الذي يتشكل من مقاتلين عراقيين وبإشراف الحرس الثوري. كل هذه الالوية، التي تشير تقارير الى ان عديدها يبلغ نحو 25 الفا في سورية، تظهر كم أن القيادة الايرانية تعتمد على مقاتلين غير ايرانيين بالدرجة الاولى ويمكن ان يضاف الى هؤلاء مقاتلو حزب الله.
لا شك ان الاعتماد على المقاتلين غير الايرانيين، في القتال خارج ايران، لا يعني ان الحرس الثوري غير موجود، بل إنه موجود عبر مستشارين وقيادات عسكرية،ولواء القبعات الخضر دخل ببعض الفرق الى سورية لسد النقص الذي خلفته خسائر حزب الله، فيما غالبية الجنود والمقاتلين هم اما افغان وإما عراقيون وإما باكستانيون وإما لبنانيون. ولعل ذلك يطرح تساؤلا حول ان ايران، التي يبلغ عدد سكانها اكثر من سبعين مليونا، تبدو حريصة على عدم التفريط بالجنود الايرانيين في معارك خارج الحدود، ما دامت هناك امكانية لاستخدام اللاجئين الافغان المعدمين في هذه المعارك. ففي ايران هناك مليون لاجىء معترف بهم، واكثر من مليوني لاجىء غير شرعي بدأوا باللجوء الى ايران منذ الغزو السوفياتي لافغانستان العام 1980. وهؤلاء يعيشون في ظروف صعبة ويتعرضون لتمييز ويعانون من نقص في التعليم ويقيم جزء منهم في مخيمات اللجوء على حدود ايران مع افغانستان. فيما ينتشر اكثر من 70 في المئة في ضواحي المدن الايرانية ضمن مناطق تعاني من نقص فادح في شروط الحياة الانسانية. ولعل ظاهرة تورط الآلاف منهم في تجارة المخدرات تقدم دلالة واضحة على ظروف العيش التي تحاصرهم.
هذا رغم ان القواسم المشتركة بين الايرانيين والافغان عديدة، خصوصا ان جزءاً كبيرًا منهم يتقن الفارسية في الاصل وهم في غالبيتهم من الشيعة الهازارا. لكن الظروف الاقتصادية الاقتصادية المزرية للجالية الافغانية اغرت القيادات الايرانية باستغلالها من اجل استقطاب عشرات الآلاف منهم للقتال في سورية. هذا اضافة الى الشكوى الافغانية من العنصرية الممارسة ضدهم في ايران رغم التضحيات التي قدموها لايران، وتنامي حالات الاحتجاج، وآخرها ما حصل قبل نحو شهر من جريمة هزت المجتمع الايراني وتحولت الى قضية رأي عام عندما تعرضت فتاة افغانية بعمر الثماني سنوات في ضواحي طهران لاغتصاب وقتل من قبل رجل ايراني في الاربعين من العمر.
القانون الايراني ربما يستجيب الآن لمظلومية الكثيرين ممن اعتقدوا ان ايران دولة اسلامية لا تميز بين المسلمين، فيما هم يعانون من تمييز وفقر وسوء معاملة، ومنهم من قاتل في صفوف القوات الايرانية خلال الحرب العراقية الايرانية. وتعتمد ايران اليوم على اولادهم واحفادهم للقتال خارج حدودها.
القانون الايراني الذي لم يصبح نافذا بعد، رسالة الى الجاليات غير الايرانية، داخل ايران وخارجها، بأن تبدأ الاستعداد لمزيد من الانخراط في القتال دفاعا عن المشروع الايراني في المنطقة العربية، في مقابل حصولهم على اعتراف بهم وبحقوقهم في ايران، وصولا الى الجنسية، بعد استشهادهم. الاغراء الذي تقدمه ايران يشير الى ان الحرس الثوري يستعد لارسال المزيد من الميليشيات للقتال في سورية والعراق، ودائما بغاية الدفاع عن المراقد المقدسة وعن الاسلام المحمدي الأصيل…