لم يضع وليد جنبلاط حجرا على ضريح “الممانعة” العربية في كلمته الاحد الفائت في راشيا، بل هو ذكّر من لم يشارك في الدفن، بأن زمنها ولى، ونعيها تأكد باعتراف دمشق قبل اسبوعين بالدولة الفلسطينية في حدود 1967.
ذلك لا يعني أن الممانعة كانت موجودة خارج اللغو السياسي العربي، والمماحكات القومية. فالممانعة، كالشهود الزور: تسمية أعجبت مطلقها بلا سبب منطقي أو قانوني أو عملاني. فكيف تكون ممانعة فيما يؤيد الممانع في القمة العربية في الكويت مشروع السلام العربي الذي كان أيده في نسخته الاولى في بيروت عام 2002؟ وكيف تكون الممانعة، فيما الممانع يفاوض على إحياء وديعة رابين، اي تفاصيل ترسيم حدود انسحاب الاحتلال الاسرائيلي، وفترة الوصاية والتطبيع؟
منذ مؤتمر مدريد قي تشرين الثاني 1991 إلى الوساطة التركية في أيار 2008، كانت الوقائع تنعي الممانعة، والخطب تنفخ في روحها الميتة، حتى جاء الاعتراف السوري بالدولة الفلسطينية، اقرارا بأمر واقع،كما كان إعلان الملك حسين فك ارتباط الضفة الغربية بالأردن: ترك القضية الفلسطينية للفلسطينيين ونصرتهم في نضالهم، أيا تكن أشكاله.
للمصادفة، تنافر كلام جنبلاط مع نظرية في علم السياسة اطلقها “الجنرال” في اليوم نفسه تربط “مستقبل لبنان بقوة الممانعة للسياسة الاسرائيلية”. كأنما صاحبها يذهب إلى الحج والناس عائدة!
لكنه محق في ما يذهب إليه، طالما ينطلق من “سماد” افكار حلفاء يرون في المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري “قديسين”، ويريدون من اللبنانيين أن يسلموا ببراءتهم، بلا نقاش، سندا إلى أن الحزب الراعي فرض لقيادته وآله موقعا اخلاقيا وروحيا فوق مصاف الآخرين، واحتكر ميزان الدينونة. فهو من يقرر تسمية الهزيمة “انتصاراً”، وتدمير الجنوب وتهجير ابنائه “صموداً”.
هو الميزان نفسه الذي يقر بخروقات تجسسية في صفوف الحزب، حين يريد، ويصر على صعوبة الاختراق حين يريد، ويلغي طاولة الحوار حين يرتئي ، ويهلل لها حين يستنسب!
لم يغترب “الجنرال” عن هذا الميزان: فصلاحيات رئيس الجمهورية منقوصة حين تكون الحكومة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة أو الرئيس سعد الحريري، فيما هي تفيض بالقدرات في ظل حكومة “حزب الله”، ولو سُلب منها تعيين مسؤول جهاز امني. وحقوق الطائفة مصانة في موقع المديرية العامة للأمن العام، ومهدرة في موقع مدعي عام التمييز.
كلام جنبلاط على الممانعة يعكس، في رأي متابعين، تشجيعاً لأحد اتجاهين في النظام السوري، يرى ضرورة الاقدام على الواقعية السياسية بدءا من مصالحة الرأي العام السوري بإطلاق اصلاحات جدية، ولو بدا انها تأخرت أكثر مما يحتمل.
فهل الاتجاه الآخر، رافع شعار “الممانعة” في وجه الاصلاحات الداخلية في سوريا، هو ما يريد الجنرال ربط مستقبل لبنان به؟
rachedfayed@annahar.com.lb
بيروت