ثمانية قتلى سقطوا في مخيم المية ومية، إثر هجوم مباغت قامت به جماعة انصار الله التي يقودها جمال سليمان، على مقر كتائب العودة بزعامة احمد رشيد. ربما ليست المرة الاولى التي يقتل لاجىء فلسطيني في المخيم، سواء كان منتسبًا لجماعة منظمة او لا ينتمي الاّ إلى هوية اللجوء. لكنها المرة الاولى منذ سنوات التي يقتل هذا العدد في أقل من ساعة، والمرة الاولى التي يظهر القاتل بوضوح، لا يخفي هويته، ولا يبرر فعلته بل يوجه عبر هذه المقتلة رسالة الى كل من يعنيهم الامر في المخيم بالقول: نستطيع ان نقتل بوضوح من دون ان نُسأل او نُلاحق او حتى ان يتم التحقيق معنا سواء من داخل المخيم او خارجه.
الجريمة قذرة لا بسبب اعداد القتلى، بل لأن احدا من المخيم لم يطالب بلجنة تحقيق تسأل: لماذا قتل هؤلاء؟ لماذا لم تتقدم أي جهة داخل المخيم بأي مساءلة للمرتكبين؟ ولماذا لم يظهر اي تحرك جدي من قبل الاجهزة الامنية والعسكرية اللبنانية، او السلطة القضائية في مواجهة مقتل ثمانية فلسطينيين في مخيم المية ومية؟ هل كان كافياً اتهام هؤلاء المقتولين او زعيمهم بصلة ما بالقيادي السابق والمنشق في حركة فتح محمد دحلان، لتصبح الجريمة وكأنها لم تقع؟ واذا صحّ ان القتيل احمد رشيد وشقيقه ومجموعته المحدودة هم فعلا يتبعون دحلان (وهذا ما تنفيه مصادر في مخيم عين الحلوة) فهل هذا يبرر الجريمة؟
الثابت في الوقائع، كما يرويها بعض الموثوقين من ابناء المخيم، ان لا اشتباكات وقعت واستتبعت هذه المقتلة، بل ما جرى الاثنين هو هجوم مباغت ومنسق على مكتب احمد رشيد ومجموعته، من قبل جماعة انصار الله.
اقتصرت الضحايا على عناصر هذه المجموعة من دون ان يتعرض اي عنصر من “انصار الله” لاي اصابة، ما يرجح رواية الهجوم المباغت والمنسق وليس مقولة الاشتباكات، تلك التي راجت عبر وسائل الاعلام، وفي بيان الفصائل الفلسطينية، الذي صدر امس من دون ان تظهر هذه الفصائل اي اشارة إلى ضرورة اجراء تحقيق وتحديد المسؤولية عن سقوط هذا العدد من القتلى.
المريب هو صمت حركة فتح، خصوصا ان القتلى، وان كانوا لا يتلقون رواتب من التنظيم كما يرجح، إلا أنهم من عناصر الحركة وبالتالي فإن المسؤولية التنظيمية، حتى لا نقول الانسانية او الاخلاقية، كانت تفترض نوعا من موقف يعكس موقع حركة فتح ومرجعيتها التنظيمية والفلسطينية في التعامل مع حدث بهذا المستوى من القتل الصريح.
الجريمة قذرة، والقذارة في طريقة التعامل مع هذه الجريمة. من المؤسف القول انه يجري التعامل مع هؤلاء القتلى على انهم ليسو من ابناء العشائر او عائلات المخيم، لذلك قتلوا في وضح النهار، والقاتل يعلم ان هؤلاء الفلسطينيين المقيمين منذ سنوات بعيدة تسبق احداث الثورة السورية، لا جذور عائلية لهم في المخيم بل هم من عائلات كانت لجأت الى سورية في العام 1948 والعام 1967.. ويعلم ابناء المخيم ان الحصانة العشائرية قادرة ان تحمي مجرماً، وغيابها عن البعض يجعله عرضة للتعدي والقتل كما حصل مع احمد رشيد وشقيقه والستة من القتلى.
من هذه الدائرة نفذ “انصار الله” لتصفية هذه المجموعة بشكل صريح وبلا قفازات او اقنعة، بل لم يخف على ابناء المخيم ان الصمت المريب لحركة فتح وبقية الفصائل عن هذه الجريمة يعكس تهيبا وتسليما بدور انصار الله المحوري في مخيم المية ومية ثم مخيم عين الحلوة لاحقاً. كما ان سكوت الاجهزة الامنية والعسكرية او عدم اظهارها اي رد فعل يوازيان حجم هذه المقتلة، يرجحان وجود تغطية لهذه الجريمة من خارج المخيم.
من الثابت ان تنظيم انصار الله هو التنظيم الفلسطيني المحلي الوثيق الصلة بحزب الله، ويتلقى رعاية امنية وعسكرية ودعما ماليا علنيا منه، وذلك ما يوفر له امتيازات سياسية وامنية خارج المخيم، ويضفي على تحركه العسكري في المخيم ابعادا تتجاوز الحسابات الفلسطينية الداخلية.
تنظيم أنصار الله سيطر على مخيم المية ومية. وما ارتكبه من مقتلة وسط حال من الصمت والخوف، يؤسس لمرحلة جديدة سيكون فيها زعيم انصار الله جمال سليمان مرجعية اولى مقررة في المخيم بتسليم من حركة فتح وبدعم من حزب الله.
alialamine@albaladonline.com
البلد