تونس على عتبة أزمة دستورية جديدة

0

اثر انهاء التونسيين مهمة الانتخابات التشريعية على أتم وجه، وتلقيهم شهادات الاستحسان المحلية والدولية بمختلف الألوان واللغات، تأتي الانتخابات الرئاسية لتطرح اشكالا دستوريا لم يكن من المتوقع أن يكون بهذه الحدة.

لقد خلقت مسألة تكليف رئيس الدولة للائتلاف الانتخابي الفائز في الانتخابات التشريعية التونسية بتشكيل حكومة والتشاور معه حول اختيار وزير الخارجية والدفاع شبه أزمة دستورية بسبب تمسك الرئيس التونسي المؤقت والمعين من قبل المجلس التأسيسي، المنصف المرزوقي، بتكليف رئيس الحزب الفائز في الانتخابات، الباجي قايد السبسي، بتشكيل الحكومة في حين ان هذا الأخير يتمسك بأن يقوم بهذه المهمة الرئيس الجديد المنتخب بشكل حر ومباشر من قبل التونسيين.

يعود اشكال التكليف الرئاسي بتشكيل حكومة جدية حقيقة لسببين. أولهما، تقديم الانتخابات التشريعية على الرئاسية. وثانيهما الاحراج الذي يخلقه الفصل 89 من الدستور التونسي الذي ينص على “في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدّد مرة واحدة”.

بالنسبة للعرقلة التي يمثلها تقديم الانتخابات التشريعية على الرئاسية، فهي مرتبطة أساسا بالجهة الرئاسية المخولة بتكليف الائتلاف الانتخابي الفائز لتشكيل حكومة والتشاور حول منصبي وزارة الدفاع والخارجية، هل يكون الرئيس الحالي المؤقت محمد المنصف المرزوقي المعين من قبل المجلس التأسيسي لرئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية أو الرئيس الجديد المنتخب، وهذا الاشكال الدستوري ظهر على السطح حينما طالب المرزوقي رئيس حركة “نداء تونس” الفائزة في الانتخابات التشريعية بتشكيل حكومة، علما وان تشكيل الحكومة لا يقوم به الحزب الفائز بمفرده بل بالتشاور مع باقي الكتل النيابية وبعد تحصيل تحالف نيابي يصل لــ51 بالمائة، وهذه المشاورات تتطلب وقتا لا يمكن حصره في مدة الشهر التي من المفترض أن تنجز فيها هذه المهمة خصوصا بوجود جولة انتخابية ثانية للرئاسة، وبالتالي فان هذا التداخل الزمني بين المهمتين الانتخابية ومهمة تكوين الائتلاف وتشكيل الحكومة غير ممكن نظريا وتقنيا.

بالعودة للسبب الثاني الممثل في الاحراج الذي يخلقه الفصل 89 من الدستور التونسي والذي ينص على أن رئيس الجمهورية يكلف رئيس الحزب الفائز في الانتخابات بتشكيل حكومة في مدة شهر واحد، نجد ان الدستور التونسي الجديد لم يحدد إن كان الرئيس الحالي هو المعني بالأمر او الرئيس الجديد المنتخب تؤول له صلاحية الدعوة لتشكيل الحكومة الجديدة.

وقد قسّم هذا الفصل من الدستور، خبراء القانون الدستوري بين داعم للطرح الدستوري القائل بان التكليف بتشكيل الحكومة الجديدة يقوم به الرئيس المعين الحالي، وذلك أخذا بمباشرية النص الدستوري دون الأخذ بعين الاعتبار الاحراج الذي يطرحه تقديم الانتخابات التشرعية على الرئاسية خلال جلسات الحوار الوطني، لأنه لو قلب اللوجيستيك الانتخابي في صيغته الحالية لكان الرئيس الجديد هو المخول الوحيد بالتكليف الحكومي ولما حدث هذا الاشكال الذي بقي كالفخ في مسار الانتقال الديمقراطي.

أما عن الطرح المقابل فيرى أن تأويل نصوص الدستور تفترض أن يكون الرئيس الجديد المنتخب انتخابا حرا ومباشرا هو المعني بالدعوة لتشكيل الحكومة خصوصا وانه سيناقش معه خطط وزارتي الخارجية والدفاع وسيكونون جميعهم ضمن جهاز الحكم التنفيذي المتقاسم بين رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة.

ويعتمد هذا التوجه على التأويل القانوني والسياسي لأحكام الفصل 89 من الدستور والتي لم تحدد الهوية القانونية والانتخابية للرئيس المكلف بالدعوة لتشكيل الحكومة خصوصا في غياب تراتبية منطقية لأولوية الرئاسية على التشريعية في المسار الانتخابي.

هذه التاويلات أسندتها مقررات الحوار الوطني التي تركت تعيين الحكومة مؤجلة لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد. وقد هيئة الحوار الوطني اعلى هيئة سياسية مدنية في البلاد كانت ملاذا في السابق للاحزاب الوطنية للتحاور حول مستقبل البلاد والخروج من الأزمة السياسية التي كادت تعصف بالعملية الديمقراطية برمتها في حينها.

لقد قامت مجمل عملية الانتقال الديمقراطي في تونس على التوافقات الوطنية والحوار الوطني خصوصا في الفترة التي لم يتم فيها الانتهاء من الدستور. وهنالك من يعتبر ان الرئيس المؤقت الحالي المنصف المرزوقي لم يأتِ عن طريق الانتخاب الحر المباشر، وبانه يعتبر من بقايا هذه التركة الانتقالية ولا تطبق عليه بشكل دستوري رجعي أحكام دستورية وضعت لصياغة شكل الدولة التونسية الجديدة بشعارات الجمهورية الثانية.

في كل الحالات، وحسب سيرورة الاحداث التي جدت على تونس منذ اندلاع الثورة حتى الآن، وطريقة التعامل معها، فإن الذكاء التونسي قادر على تذليل أية عقابات اخرى سواء سياسية او قانونية او دستورية، خصوصا وان تونس لا تخلو من فقهاء القانون الدستوري، بالرغم من وجود بوادر عرقلة دستورية من بعض الأطراف السياسية الداخلية.

ومن المعلوم ان البرلمان القادم ستكون له صلاحيات تشريع القوانين وسيكون من أوكد اولوياته هو سد الثغرات الدستورية عبر المنظومة التشريعية المصاحبة والقوانين المكملة.

*صحافي تونسي مقيم في قطر

يرجو “الشفاف” من الأستاذ بدر السلام الطرابلسي الإتصال على metshaffaf@gmail.com.

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading