تونس – رشيد خشانة الحياة
اظهرت السلطات التونسية مزيدا من التشدد اخيرا في الملاحقات الأمنية والقضائية للجماعات الأصولية في الأشهر الأخيرة. وأفيد أن محكمة الدرجة الأولى في العاصمة تونس قررت أخيرا سجن أربعة من المشتبه بانتمائهم الى جماعة «التبليغ والدعوة» لمدة سنة واثنين آخرين لمدة سنة ونصف السنة، بعدما دانتهم بعقد اجتماعات من دون الحصول على إذن من السلطات. وهذه المرة الاولى التي يتعرض فيها أعضاء الجماعة التي تعلن نبذها للسياسة وتعمل تحت أنظار أجهزة الأمن منذ سنوات، للملاحقة والسجن.
وطبقا لمحاضر التحقيق اعتقل العناصر الستة لدى خروجهم من مسجد ساحة معقل الزعيم في وسط العاصمة وعقدهم «اجتماعا في الطريق العام للتداول في قضايا من شأنها النيل من النظام والأمن العام ما استوجب تدخل رجال الشرطة لاعتقالهم». ونفى المتهمون أن يكونوا تداولوا في مواضيع سياسية، مؤكدين أن حديثهم اقتصر على مسائل دينية.
وكانت محكمة أخرى في العاصمة قضت في فترة سابقة بسجن ثمانية عناصر من «حزب التحرير الإسلامي» لمدة أربع سنوات وأربعة شهور، بعدما دانتها بالانتماء الى تنظيم محظور، فيما قررت إخلاء سبيل خمسة آخرين لعدم وجود أدلة كافية على علاقتهم بالتنظيم. وأفاد محامو المتهمين أن المحكمة وجهت اليهم تهمتي الانتماء الى منظمة محظورة وعقد اجتماعات من دون الحصول على ترخيص. وهذه أول محاكمة لعناصر الحزب منذ التسعينات. وعلم ان بين المعتقلين عناصر سبق أن صدرت بحقها أحكام بالسجن في المحاكمات الماضية. ولوحظ أن هذه المحاكمة أتت بعد محاكمة مماثلة لأربعة عشر عنصرا من «حزب التحرير الإسلامي» في المغرب في كانون الأول (ديسمبر) الماضي كانت قضت محكمة في الدار البيضاء بسجنهم فترات راوحت بين ثلاث وأربع سنوات، إضافة إلى غرامات مالية، بتهمة «المس بالأمن الداخلي» والسعي إلى «إقامة نظام خلافة إسلامية».
ويقول قياديون في حركة «النهضة» المحظورة من الذين أخلت السلطات سبيلهم في السنوات الأخيرة، إنهم تعرضوا لمساءلات أمنية بسبب نشاطهم وتصريحاتهم الإعلامية. وفي مقدم هؤلاء الناطق الرسمي باسم الحركة علي العريض، فيما أخضع قيادي آخر هو حمادي الجبالي مع زوجته وحيدة الطرابلسي للتحقيق القضائي في وقت سابق بتهمة إرشاء حارس السجن الذي كان يقيم فيه قبل إطلاقه العام الماضي من السجن حيث أمضى خمسة عشر عاما لإدانته بتهمة التآمر على أمن الدولة و «الانتماء لتنظيم إرهابي».
وعكست هذه التطورات اتجاها نحو التشدد في التعاطي مع الحركات والتيارات الأصولية على اختلاف ألوانها، بعدما كانت السلطات تُميز بين الحركات السياسية والتيارات الدعاوية. وأتى هذا التشدد في أعقاب الاشتباكات مطلع العام بين قوات الأمن وعناصر من جماعة سلفية مسلحة تردد أنها على علاقة مع «تنظيم القاعدة بالمغرب العربي» الجزائرية التي كانت تسمى «الجماعة السلفية للدعوة والقتال». وعلى رغم استكمال مُحققين قضائيين استنطاق المشتبه بهم في تلك الأحداث، الذين تجاوز عددهم ثلاثين عنصرا منذ أواخر الشهر الماضي، لم تتسن معرفة تاريخ إحالتهم على المحاكم. وأفادت مصادر قضائية أنهم نقلوا إلى السجن المركزي في ضاحية مُرناق غرب العاصمة منذ نهاية الاستنطاقات. وما زالت المصادر الرسمية تلازم التكتم على هوية التنظيم الذي ينتمون إليه وارتباطاته الإقليمية والدولية والأهداف التي كانوا يخططون لضربها.
وفي هذا السياق لاحظ مراقبون أن الاحتفالات بالذكرى الحادية والخمسين لاستقلال تونس الثلثاء والأربعاء الماضيين لم تتزامن مع الإفراج عن سجناء إسلاميين، مع أن العادة جرت أن يُطلق عشرات السجناء في الأعياد الوطنية إما بموجب عفو رئاسي أو اعتمادا على آليات السراح المشروط التي تختزل المحكومية بعد التشاور بين وزارتي العدل والداخلية. وكان قياديون في حركة «النهضة» غادروا السجن قبل فترات قليلة من إنهاء محكومياتهم بموجب إجراءات عفو رئاسية.