مراقبون في العاصمة اللبنانية اعتبروا ان قرار تمويل المحكمة الدولية الذي اتخذه الرئيس ميقاتي جاء بطلب سوري للمحافظة على الحكومة الميقاتية، بعد ان تزايدت عزلة النظام السوري الدولية والعربية. فبات لبنان يشكل المنفذ الوحيد للنظام السوري الى العالم في ضوء حاجة النظام السوري الى وزير خارجية بعد قرار العزل، ومنع سفر المسؤولين السوريين، فضلا عن أن لبنان أعلن عدم التزامه بالعقوبات على دمشق ما يعني أيضا أن لبنان سيشكل شريان الاوكسيجين للنظام السوري على المستويات كافة.
على المستوى الداخلي، وفي
قراءة ميدانية لحسابات الربح والخسارة يمكن تسجيل الآتي:
الرئيس ميقاتي كسب سلباً إطالة عمر الحكومة بدفع حصة لبنان، وهو الذي سعى بكلتا يديه لإبعاد كأس رئاسة الحكومة عنه، معتبرا ان إستحقاق التمويل سيشكل المخرج الذي يحفظ له ماء وجهه “السني”، فيرتاح من عبء الحكومة، ويريح أخصامه في قوى١٤ آذار، ويضع الذين نصبوه على رأس هذه الحكومة في مواجهة مسؤولياتهم.
أما وقد أوجد الرئيس نبيه بري آلية التمويل القانونية للمحكمة من حساب الرئيس ميقاتي بوصفه رئيسا للحكومة، فإن الأخير لم يستطع تسجيل أي إنتصار ميداني. حيث ان تيار المستقبل قطع يوم الاحد الطريق على استفادته شمالا من قرار التمويل بعد أن حشد أنصاره في عاصمة الشمال، في تدبير وقائي للحؤول دون إمكان توظيف الإستقالة التي كانت مرتقبة لميقاتي أو إتخاذه قرارا بالتمويل في الشارع الطرابلسي.
ومع الاخذ في الاعتبار ان شعبية الرئيس ميقاتي شمالية الطابع وتنحصر في مربع دائرة طرابلس الانتخابية، فإن إمكان إستفادة ميقاتي وطنيا من مواقفه التي أعلنها قبل وبعد التمويل محدودة جدا على عكس تيار المستقبل الذي يسجل حضورا على مساحة لبنان، فضلا عن العلاقات العربية والدولية التي يقيمها الرئيس سعد الحريري.
في حسابات العماد عون وحزب الله، فإن الخسارة جسيمة. عون ونصرالله جزما كل على طريقته، بأن لا تمويل للمحكمة، أيا تكن العواقب، ليتراجع عون لاحقا معلنا ان الخيار بين العقوبات والاستقرار من جهة والتمويل من جهة ثانية يحتم أخذ خيار الاستقرار، في حين أن نصرالله سيطل عبر الشاشة العملاقة ليبرر بقاء وزرائه في حكومة موّلت “محكمة إسرائيلية »!
وما كشف عنه عون جاء مبتورا، حيث أن المجتمع الدولي أبلغ لبنان صراحةً أن العقوبات على لبنان تندرج في إطار القوانين الدولية في حال رفض الحكومة اللبنانية تمويل المحكمة في حين أن المجتمع الدولي لا يهدد إستقرار الدول.
بدورها،
قوى ١٤ آذار لا تستطيع إدعاء تسجيل إنتصار على الحكومة إذ أن قرار التمويل الميقاتي، لم يأت نتيجة ضغوطها عليه. إلا أن قوى ١٤ آذار وظـّفت قرار ميقاتي لدفع الحكومة في إتجاه تكريس اعتراف لبنان بالمحكمة وطالبتها على قاعدة إقرار التمويل، بالإستمرار في هذا النهج وتسليم المطلوبين الاربعة الى المحكمة، ما يوحي ان هذا ما سيشكل عنوان معركة ١٤ آذار المقبلة في إنتظار إستحقاق آذار/مارس المقبل، موعد تجديد بروتوكول التعاون بين المحكمة الدولية والحكومة اللبنانية.
ما يثير الإستغراب لبنانيا هو ان عون ونصرالله يعرفان عواقب عدم التمويل فلماذا عملا معا على تسعير وتأجيج الاوضاع الداخلية اللبنانية على قاعدة رفض التمويل بالمطلق، في حين ان ١٤ آذار التي لا ترغب أيضا بإسقاط الحكومة بالمطلق، سعت الى دفع الحكومة الى حافة الهاوية من دون أن تسقطها.