كما بات معلوماً يمدد مجلس النواب لنفسه اليوم، لتستكمل مسيرة تصديع المؤسسات الدستورية بجعلها فاقدة لشرعية شعبية. وبمزيد من تقويض المسار الديمقراطي او ما تبقى منها في القواعد الدستورية والحياة السياسية: حكومة تصريف اعمال ومجلس ممدد له، رغما عن الوكيل، اي الشعب الذي يبقى طرفا في وكالة لا يتم تعديلها الا برضى الطرفين. وهي وكالة مشروطة لا تعطي لمجلس النواب حق التصرف بها كما يشاء. وبالتالي فإنّ تمديد ولاية المجلس يتطلب موافقة الناخب في الحد الادنى، بأن يستفتى المواطنون في قبول التمديد او رفضه.
الذريعة الامنية يتم استحضارها في المشهد الأخير من خديعة التمديد، التي جرى التحضير لها منذ أشهر. ففي كل السجالات البرلمانية حول قانون الانتخاب، لم يرفع النواب مطلب التمديد، بل كانوا يؤكدون اجراء الانتخابات في مواعيدها. إذاً هل ما كان يعاني لبنان منه امنيا قبل شهرين سيتغير اليوم؟ وما لم يكن مبرِّراً لطلب التمديد في تلك الفترة كيف صار اليوم سببا له؟ وعلام سوّغ الرئيس نبيه بري وردد خلفه الرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط وغيرهم؟
تمديد ولاية المجلس ليس خيارا في مواجهة التوتر الامني ومخاطر تمدد الازمة السورية. ولا يمكن ان يشكل ضرب استحقاق دستوري، كالانتخابات النيابية، صمام أمان في وجه ترددات الازمة السورية على لبنان. كما لن يساهم التمديد في الحدّ من مغامرات تدخل حزب الله العسكري المباشر نصرة للنظام السوري او نصرة بعض المجموعات اللبنانية للمعارضة السورية. فالاستحقاق الانتخابي واجراء الانتخابات النيابية، في أسوأ الأحوال، سيفرضان على الجميع حيّزاً من الاهتمامات الداخلية، اذ يكفي ان القوى السياسية، المتنافسة على المقاعد النيابية، ستجد نفسها مرغمة على الالتفات الى هموم المواطن ومحاولة مواءمة خطابها السياسي واولوياتها ولو آنياً، مع ما يحاكي حاجات الناس ومتطلباتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وربما سيجد المندفعون الى القتال في سورية انفسهم مرغمين ايضا على الالتفات الى الخلف قليلا، ولو من خلال اجراء حوارات مع الناخبين. وهي فرصة تتيح نسبيا للناخب ان يشعر بأنه يمتلك حق الاقتراع ويريد ان يؤدي هذا الحق استنادا الى نقاشات وحوارات مع المرشحين: ان يُستَمَعُ اليه، لأنّه يريد ان يشعر بأنه صاحب رأي في ما يجري، ليجعل صوته وازناً بينه وبين نفسه في الحد الادنى.
إذاً اجراء الانتخابات النيابية مدعاة تفاؤل سياسي رغم كل الشوائب التي تحيط بقانون انتخاب أصرّ الجميع على اعتباره الاقل سوءاً انطلاقا من اعتبار كل جهة سياسية مشروع الآخر هو الاسوأ. والانتخابات قد لا تغير في المعادلات السياسية، لكنها بالتأكيد تراكم، عبر اجرائها دوريا واحترام مواعيدها، الثقافة الانتخابية. تلك الكفيلة بتحسين شروط القانون من جهة والتي تساهم في الارتقاء بحسن الاختيار لدى الناخب الى مستوى يلائم تطلعاته في ترسيخ مطلب الدولة العادلة. ثقافة ترسخ شروط المنافسة بين المرشحين، وتدعم شرعية التمثيل السياسي على مستوى البرلمان بواسطة الانتخاب لا التمديد، وتحد من الاستخدام المفرط لنظرية الظروف الاستثنائية. هذه التي طالما يجري استخدامها لمصالح سياسية سلطوية لهذا الفريق او ذاك.
التمديد هو اعلان صريح بدفن سياسة النأي بالنفس، عبر الاستجابة المشبوهة لتداعيات الازمة السورية، بالتسليم لخيار الانخراط في قتال خارج الحدود. قتال لن يحد من المخاطر، بل سيضاعفها، ليس على من بادر اليه، بل على المجتمع اللبناني والدولة كلّها.
الانخراط في القتال داخل سورية هو تمديد لأزمتها واستجلاب للشرور نحو الداخل اللبناني، ولشرور التدخل الخارجي في سورية، بعدما تمّ توفير ذرائعه الدولية بمعركة القصير المستمرة. كذا التمديد هو تمديد لمشروع اللادولة، وتعميق للشروخ الوطنية بمزيد من اضعاف المؤسسات الدستورية والتشكيك بشرعيتها. وهو خيار سيستجلب المزيد من الوهن للجامع الوطني، والمزيد من شروط التوتر الامني والاجتماعي المتنقل على امتداد خطوط التماس المذهبية والاقتصادية.
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد