(قال الصديق نقولا الزهر أنه لم يرسل هذا المقال لـ”الشفّاف” حينما كتبه لأنه لم يكن يعرف أن “الشفاف” مقروء في سوريا مع أنه “محجوب”. لكن الأهم هو أن معظم المسؤولين الشيوعيين العرب “السابقين” لم يكتبوا(وإن كانوا يروون الكثير شفاهاً) عن تجاربهم الشخصية في “المنظومة” السابقة،. ونعيد نشر مقال نقولا الزهر لتشجيع هذا النوع من الكتابة الذي يدخل في إطار التأريخ والنقد والنقد الذاتي معاً. ليس نقد الشيوعية وحدها، بل نقد منوّعاتها العربية و”الآسيوية”، بما فيها أنظمة الإستبداد العسكرية وأنظمة الإستبداد “الملاتية”، مثل نظام الخميني وتفريخاته في لبنان وغيره.
*
أصدرت دار الينابيع في عام 2006 كتاباً، لا تتجاوز صفحاته التسعين بعنوان (ملاحظات فات أوانها حول بعض أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي) للكاتب السوري عبد الكريم أبا زيد. و كان الكاتب قد نشر النص في عشرين حلقة عام 1992 في جريدة الحزب الشيوعي الأردني “الجماهير”، و كذلك نشره على حلقتين فيما بعد في نشرة “دراسات اشتراكية”.
2 – ليس مستغرباً أن تكون المواقف الفكرية والسياسية لعبد الكريم أبا زيد، الطالب الشيوعي القادم من سورية، متناقضة تماماً مع مواقف أستاذ التخطيط الصناعي قسطنطين سيرغيفيتش كوزنتسوف في كلية الاقتصاد السياسي في جامعة موسكو. فعبد الكريم كغيره من مئات و ربما آلاف الشيوعيين السوريين، مشحون عبر سنوات طويلة بجرعات إيديولوجية مكثفة حول مثالية النظام السياسي في الاتحاد السوفييتي، في الوقت الذي يرى أستاذه واقع هذا النظام عن كثب ويعرف معظم تناقضاته وعيوبه، هذا عدا عن كونه غير منتمٍ للحزب الشيوعي السوفييتي، و لا تأخذ إيديولوجيا النظام حيزاً كبيراً من تفكيره.
وكذلك بتأثير هذا الاختزان الإيديولوجي المزمن، عاد عبد الكريم إلى سورية بعد انتهاء دراسته في أول السبعينات، ولما يتصالح فكرياً وسياسياً مع أستاذه وملاحظاته التي كان يبديها حول الإدارة البيروقراطية الأحادية للمجتمع حينما كان يزوره هو وبعض زملائه من الطلبة الروس في بيته.
كان عبد الكريم دؤوباً على الذهاب إلى بيت أستاذه ، لكنه كما يقول: “ليرد على نقده للنظام السوفييتي الذي كان بالنسبة له كفتاةٍ يحبها ولا يريد أن يسمع عنها أي عيب “. فقد أحب هذا النظام مذ كان شاباً يافعاً في مدينة درعا، ولم يكن يخاله إلا فردوساً أرضياً فوق النقد!! ما يؤكد هذا التناقض بين الإيديولوجية المختزنة والواقع، هو تلك الوقائع التي كان يرويها الأستاذ لتلاميذه التي كانت أقوى من حجج عبد الكريم وقدرته على الرد، وهذا ما دفعه في إحدى المرات إلى الانسحاب من الجلسة حينما استشهد الأستاذ بأقوال (المرتدين تروتسكي وكاوتسكي).
لكن استمرار عبد الكريم على ارتياد بيت أستاذه وصديقه اللدود، لا يقتصر في الواقع على الرد عليه، إنما يحمل شيئاً من التقدير والاحترام له، ومن جانب آخر يحمل بعض بذور الشك في (لا شعوره)حول ما يختزن من إيديولوجيا وأوهام.
أعاد عبد الكريم النظر في موقفه الإيديولوجي عموماً بعد صدمة البيروسترويكا في عام 1986، وبعد قراءة خطاب غورباتشوف في مؤتمر الحزب آنذاك حول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة في الاتحاد السوفييتي، وكذلك بعد أن رأى بأم عينه كيف انهارت قلعة الاشتراكية كعمارةٍ من القش، وكيف أن عشرات الملايين من الشيوعيين والشبيبة والجنود، لم يستطيعوا / ربما لم يشاءوا الدفاع عن هذه القلعة(التي استهلكت حمايتها من الأمبريالية القسم الأكبر من القيم الزائدة للمنتجين السوفييت خلال سبعين عاماً). ففي خضم هذا المشهد الدرامي لنهايات الاتحاد السوفييتي، راح يتذكَّرَ انتقادات وملاحظات أستاذه.
هذه النهايات الدرامية للاتحاد السوفييتي لعبت دوراَ جذرياً لدى ملايين الشيوعيين في إعادة النظر جذرياً بما سمي بالماركسية- اللينينية، وفي تطوير النظر إلى الماركسية الأم، باعتبارها جزءاً من تاريخ الفكر ومنهجاً وأداة للتفكير وليست عقيدة دينية.
ضمن هذا الإطار، لجأ عبد الكريم في تفسير انهيار الاتحاد السوفييتي، إلى قوانين الجدل: التغير الكمي الذي يؤدي إلى تغير كيفي، ونفي النفي(القانون الذي كان موضوعاً على الرف طوال حقبة الماركسية – اللينينية)، ولقد عبر عن ذلك بلغة بسيطة لكنها عميقة ومعبرة مثل(سقوط السنديانة التي يزداد نخرها من الداخل، وانهيار سد مأرب بتراكم قرض الفئران). ولذلك فهو ينفي نفياً قاطعاً، أثناء تقديمه للكتاب، إحالة أسباب هذا السقوط إلى نظرية المؤامرة الصهيونية والأميركية كما يعتقد البعض.
و ما وضع حداً نهائياً لتساؤلي الذي تملكني للوهلة الأولى، حول تأخر عبد الكريم في نشر هذه الشهادة القيمة والهامة، هو ما قرأته على لسانه وهو يتكلم على نفسه وكيف كان يفكر وكيف كانت مواقفه السابقة من الأزمة الداخلية في الحزب الشيوعي السوري، وذلك في معرض قراءته النقدية لكتاب(خالد بكداش يتحدث) الذي أعدَّه السيد عماد النداف فيقول: (كنت آنذاك من المتشددين الذين لا يقبلون إلا أن يكون الرفيق خالد أميناً عاماً للحزب…..وهو وحده كافٍ لإعطاء الشرعية للجناح الذي يقف على رأسه…. حتى لو اصطف كل أعضاء المكتب السياسي في طرف وهو وحده في طرف آخر!!!). فقضية خالد بكداش و(الرفاق السوفييت)، لم تكن تحتمل النقاش لديه على الإطلاق وهذا ما نلمسه في متن كتابه. ولقد ذكرَّني اعترافه هذا بصديقنا المشترك يوسف أبيض وكتابه الأول عن تجربته الذاتية في الحزب(المنوَّم).
وفيما يتعلق بالبيريسترويكا، فرغم عدم نجاحها لا بد من إعطائها بعض حقوقها. وأقل ما يقال، أنها لعبت دوراً تاريخياً في نزع الأغطية الجانبية(bornes ) عن أعين عدد كبير من شيوعيي ويساريي العالم، وأخرجتهم من (نُوامِهم) المزمن. في المقابل علينا ألا نستغرب، إذا كان بعض الشيوعيين التماميين والسلفيين في عالمنا العربي قد آثروا البقاء في هذا النُوام، نائين بأنفسهم تحت ظلال بقايا بعض التجارب الشبيهة، بعد أن دفن الأب الروحي في موسكو. وهذا يعتبر من طبيعة الأمور في معظم التحولات الفكرية والإيديولوجية التاريخية، وفي خضم انهيارات الدول والأمبراطوريات وسقوط القادة التاريخيين. وعلى سبيل المثال، فحتى خمسينات القرن الماضي، وبعد مضي حوالي خمسة قرون على سقوط الأندلس، بقي من يترنم بقصيدة الشاعر ” أبي البقاء الرندي” التي يرثي بها هذا السقوط ، ونذكر من هؤلاء المرحوم أستاذ التاريخ المعروف في ثانويات دمشق (عابدين حمادة) الذي كان يتلو هذه القصيدة في أول درس من مطلع كل عام على طلابه).
3 – ربما عبد الكريم لم يتوَخَّ فقط من نشر ملاحظاته الاطلاع على قيمتها الفكرية والسياسية، إنما أراد عبرها أيضاً تبرئة ذمته بإعادة الاعتبار على المستوى الشخصي لأستاذه، وعلينا ألا نقلل من شأن (رد الحقوق لأهلها) على المستوى الإنساني؟
إن شهادة عبد الكريم تجربة هامة وجريئة على طريق بناء تقاليد للمراجعة الذاتية، التي نفتقر إليها كثيراً في بلادنا. وأعتقد أنه كان محظوظاً جداً بأستاذه السوفييتي الذي كان يجمع تلاميذه في بيته ليناقشهم ويسمع منهم، محاولاً بصبر وأناة توضيح بعض الحقائق وكشف زيف البنية الإيديولوجية للنظام الشمولي البيروقراطي القمعي.. في خمسينات القرن الماضي في سوريا كان لدينا مثل هؤلاء الأساتذة، أتذكر منهم في ثانوية جودت الهاشمي: الشاعر الفلسطيني عبد الكريم الكرمي(أبو سلمى)، وأستاذ الفلسفة والأديب صدقي اسماعيل، وعدنان تلو أستاذ التربية الوطنية، فقد كانوا يستقبلون طلابهم في منازلهم ويناقشون معهم أمور الفكر والسياسة والأدب.
يستحق عبد الكريم جزيلَ شكرنا، إذ عرَّفنا بأسلوب أدبي وسردي لطيف بعيد عن التنظير، على ناقد للنظام السوفييتي، كان وطنياً بامتياز فقد دافع عن ضواحي موسكو ببسالة في الحرب العالمية الثانية، وأممياً بارزاً فقد حارب في اسبانيا إلى جانب الجمهوريين ضد دكتاتورية فرانكو، و ديموقراطياً اشتراكيأً غير مهووس بقصة التناقضات بين الديموقراطية والاشتراكية بل كان يعتبر الأولى شرطاً لتحقق الثانية .
4 – كتاب (ملاحظات فات أوانها)، وضع النقاط على الحروف حول العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية وبعض الجوانب الحياتية الأخرى داخل المجتمع السوفييتي السابق.
وكذلك تأتي أهميته من كونه شهادة لواحد من الشيوعين العرب، عاش فترة في الاتحاد السوفييتي وكتب عنها. ولا نعرف إن كانت هي الشهادة الأولى والوحيدة من هذا النوع لشيوعي عربي حتى الآن أم هنالك شهادات أخرى؟ طبعاً كان يتمنى المرء لو قرأ مثل هذه الشهادة قبل سقوط الاتحاد السوفييتي، لكان تأثيرها أكبر، لكننا لا بد وان نحترم صدقية الكاتب حينما يقول أنه في ذلك الوقت لم يكن يؤمن بما كان يقول أستاذه.
وهنا علينا أن نأخذ بعين الاعتبار، أن تجربة الدولة السوفييتية السابقة وحزبها الشيوعي الحاكم، بقيت لأكثر من خمسة عقود فوق النقد، وفي إطار من القداسة في داخل معظم الأحزاب الشيوعية العربية إن لم نقل كلها. وبالنسبة إلى الحزب الشيوعي السوري فكان كل من يحاول أن يخترق هذا المقدس والمحرم ويتجرأ على نقده، لم يكن مصيره أقل من الطرد من الحزب، والتشهير به، وكيل أسوأ أنواع التهم وأحطها إليه. وفي أحسن الأحوال كان يتم تجميده ، وكي لا يطرد من الحزب، يطالب برسالة نقد ذاتي يصوغها حسب رغبة الأمين العام. وكانت (رسالة سالم )، التي أعاد كتابتها أكثر من مرة القائد الشيوعي اللبناني الشهيد (فرج الله الحلو) لتحوز على الرضا، مثلاً تاريخياً بارزاً لهذا النمط من الرسائل. والجريمة التي كان قد ارتكبها المرحوم (أبو فياض) لها علاقة بمضمون مقالنا هذا، فهو بالفعل كان قد أبدى ” أسفه آنذاك لموقف الاتحاد السوفييتي المؤيد لتقسيم فلسطين”. و لم يكن وحده من اتخذ هذا الموقف، فهنالك المحامي الشيوعي الدمشقي رشاد عيسى والكاتب والشاعر اللبناني رئيف خوري وإميلي فارس ابراهيم وقدري القلعجي وآخرون .
وبعد حوالي سبع سنوات، على أثر انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، والنقد الكبير الذي جرى فيه للحقبة الستالينية، دفع جيل آخر من الشيوعين السوريين ثمناً باهظاً، حينما وجد في هذه المرحلة فرصة ملائمة لإصلاح الحياة الداخلية غير الديموقراطية القائمة على عبادة الفرد في الحزب الشيوعي السوري، ونذكر من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر الياس مرقص وياسين الحافظ وجريس الهامس ومريم نجمة ومناضلين آخرين كثر. ولم تكن كلفة التخلص من صاحب النقد آنذاك أكثر من سطرين في (جريدة النور).
-5 – في مرحلة مبكرة من الحقبة الستالينية عام 1935، وفي معمعان التطهير والتصفيات الجسدية، زار الكاتب الفرنسي المرموق(أندريه جيد) الاتحاد السوفييتي، ولما عاد إلى وطنه قام بكتابة شهادته عما رآه، وخلص إلى نتيجة توجه بها للحزب الشيوعي الفرنسي يتنبأ بها بعدم إمكانية استمرار الاتحاد السوفييتي إذا ما استمر هذا النظام السياسي القمعي القائم على مبدأ قيادة الحزب الواحد للدولة والمجتمع.. وكذلك الحال بالنسبة إلى جان بول سارتر فزيارته إلى الاتحاد السوفييتي وضعت الكثير من الشكوك لديه حول ديمومة هذه “الدولة الاشتراكية”…..
لم يقم بمثل هذه الشهادات شيوعيو البلدان العربية ولا أصدقاؤهم الذين بدأوا يزورون الاتحاد السوفييتي منذ بداية الثلاثينات. ويبدو أن خلال زياراتهم ودراستهم الحزبية لم يكونوا على تماس مع قاع المجتمع السوفييتي بشكل عام، إذ كان تعاملهم يقتصر على دور الضيافة الخاصة بالحزب ومدارسه الحزبية ومستشفياته ومخازنه. و في أكثر الأحيان كان يعزف المواطنون السوفييت عن الاختلاط مع هؤلاء الشيوعيين القادمين من دول أخرى، لاعتقادهم أن هذه العلاقة قد تعرضهم لخطر ذراع المخابرات السوفييتية الطويلة جداً.
وهنالك عوامل موضوعية أخرى لعبت دورها في عدم قيام تقاليد لكتابة الشهادات عن التجربة السوفييتية، لدى الشيوعيين واليساريين الآتين من العالم العربي، من أهمها:
1- كون هؤلاء آتين من مجتمعات متخلفة وفقيرة وغير ديموقراطية ، فيذهبون إلى هناك ليجدوا كل شيء مؤمَّناً لهم، عدا عن انبهارهم حينما يقارنون أوضاعهم السابقة في بلدانهم مع أوضاعهم الجديدة هناك. وهذا ما يؤدي إلى اصطفافهم التلقائي مع النظام، ويجعلهم يستهجنون أي نقد أو معارضة من أي مواطن سوفييتي للسلطة.
2- كذلك كون هؤلاء أتين من أحزاب لا تمتلك حياة داخلية ديموقراطية، و تفتقر للمعرفة النظرية الماركسية الأم وللأرضيات الفكرية التي ترعرعت في حضنها (هيجل، فيورباخ، سميث ريكاردو..)، وغير مطلعة هذه الأحزاب على نقد (الماركسية-الليننية) ( غرامشي، جورج لوكاش وآخرون..).
3- وعلينا ألا ننسى أيضاً بأن أغلب الذين زاروا الاتحاد السوفياتي من شيوعيي ويساريي البلدان العربية لا يعرفون المجتمعات الغربية المتقدمة، فهم يفتقدون إلى حدٍ كبير إلى القدرة على المقارنة بين المجتمع السوفييتي والمجتمعات الغربية، سواءً على مستوى حريات الأفراد أو على مستوى دخولهم ونمط حياتهم وقدرتهم الشرائية، أو على مستوى التقدم الاقتصادي والصناعي والفكري والأدبي والفني.
4- ولا يمكننا أن نغفل هنا دور الروح الانتهازية التي تولدت لدى بعض الشيوعين، فمنعتهم من النقد خوفاً على مصالحهم ومنافعهم وتكرار زياراتهم السنوية للراحة والاستشفاء وإرسال أبنائهم للدراسة.
إن كتابة شهادات صادقة من قبل الشيوعيين عن التجربة السوفييتية، كان بإمكانها أن تلعب دوراً رئيساً في تثقيف الأحزاب الشيوعية العربية، وأن تراكم مزيداً من الاحترام والصدقية لهذه الأحزاب في مجتمعاتها، وتسهم في نزع القداسة عن تجربة ليست بالضرورة أن تكون مثالية وجنة على الأرض، أو أن تكون متقدمة على التجارب الغربية الرأسمالية. ومثل هذه الشهادات كان بإمكانها وضعَ حدٍ لاستفحال (النوام) الذي كتب عنه الرفيق والصديق العزيز يوسف أبيض، هذا الداء الذي يكبل بشباكه صيرورة الوعي وجدل الفكر ويقتل أي روح نقدية لدى الرفاق.
وقبل بداية السبعينات على ما اعتقد، كان الوحيد من الأمناء العامين للأحزاب الشيوعية العربية الذي نقد علناً تجربة الدول الأشتراكية، هو الشهيد عبد الخالق محجوب في مؤتمر الأحزاب الشيوعية الذي عقد في برلين عام 1969، حينما اعتبر في خطابه آنذاك أن ” الدول الاشتراكية لا يمكنها أن تكون منافساً للدول الرأسمالية إذا لم تتمكن من بناء نظام للحريات يضاهي على الأقل الديموقراطية السائدة في الغرب”. وهذا ما جعله آنذاك محط انتقاد وأحياناً قدح وذم من قبل بعض الأمناء العامين العرب الأكثرالتصاقاً بموسكو والأشد ولاءً لها.
6 – في اعتقادي من حق القارئ أن يتعرف بعد هذه المقدمة على بعض ما كان يقوله لطلابه أستاذ التخطيط الصناعي في جامعة موسكو قسطنطين سيرغيفيتش كوزنتسوف:
كان يقول حول البيروقراطية: “كل من يتخلف تكنولوجياً في الغرب يموت اقتصادياً، ولهذا نرى مئات الشركات تفلس يومياً هناك، بينما عندنا في الاتحاد السوفييتي الأمر مختلف؛ نتكلم كثيراً على الثورة العلمية التكنولوجية ولا نقوم بتطبيقها. فالمعمل الخاسر نعوض له من ميزانية الدولة كي يستمر، والعامل في معمل رابح يتقاضى نفس الأجر الذي يأخذه عامل في معمل خاسر.لذلك فليس لأحد مصلحة في تطوير وسائل الإنتاج وتطبيق الثورة العلمية التكنولوجية”.
” والبيروقراطي بطبعه ضد التجديد إلا إذا كان الأمر يتعلق بتجديد مكتبه. وبطبيعته محافظ ورجعي، بينما الرأسمالي من وجهة نظر اقتصادية تقدمي دائماً باتجاه التجديد وتطوير وسائل الإنتاج”.
وحول إصلاحات كوسيغن الاقتصادية لتطوير الإنتاج حينما استلم رئاسة مجلس الوزراء يعلق عليها في جلسته مع طلابه: إنها خطوة هامة ولكنها تحتاج إلى استكمال، وإلا فإنها ستدفن في مهدها من قبل الجهاز البيروقراطي المعادي لكل إصلاح. يجب استكمالها بإشاعة الديموقراطية في المعامل ، والإفساح في المجال للعمال لانتخاب مدير المعمل، أو على الأقل أن يكون لهم رأي حاسم في تعيينه، لأن المدير المعين من الأعلى سيعمل على إرضاء من عيَّنَه ولا يهمه لا مصير المعمل ولا مصير العمال. وتنبأ البروفسور في نهاية إحدى جلساته مع تلاميذه: “أن إصلاحات كوسيغن ستتحول بعد عشر سنوات إلى مجرد مادة تاريخية للدراسة، وستدرس كما تدرس السياسة الاقتصادية الجديدة (النيب)التي وضعها لينين بعد الثورة في أول العشرينات……”
وحول الزراعة في الاتحاد السوفييتي: كان يقول: ” لدينا الفلاح في المزرعة التعاونية أو الحكومية يتحول إلى موظف يقبض راتباً شهرياً ثابتاً تقريباً، ولا يهمه حينئذ إذا أكلت الحشرات المحصول أم لم تأكله، ولا إذا جاءت الأمطار وقضت عليه، ولذلك لا يهتم بجني المحصول ولا بمكافحة الآفات الزراعية لأن النتيجة في النهاية سيان بالنسبة له ولمستوى معيشته”…..
” إن مساحة الأراضي الخاصة ببيوت الفلاحين لا تتجاوز 3% من مساحة الأراضي المستثمرة، مع ذلك فهي تنتج 29% من اللحوم ومشتقات الألبان والخضار والفواكه، مع أن الفلاح هو نفسه الذي يعمل في المزرعة والبيت”……..
ثم يتابع: ” هذه باقة الورود الموجودة في المزهرية، اشتريتها البارحة بثلاثة روبلات من فتاة جيورجية، فلقد أحضرت بالطائرة من حديقتها 500 وردة لتبيعها بمبلغ 500 روبل بمناسبة عيد المرأة، وهو يعادل راتبي لمدة شهرين تقريباً……
وحول الصحة والاستشفاء يقول: هل تعرفون ماذا حدث معي اليوم؟ لقد وصفت لي طبيبة العيون قطرة لم أجدها في صيدلية الجامعة، فذهبت إلى مركز المدينة لشرائها، وكان ثمنها ثلاث كوبيكات(قروش)!!! لأول وهلة نظن أن هذا مكسب كبير للمواطنين حينما يباع الدواء بأقل من كلفة إنتاجه. لكن الواقع غير ذلك، فرغم أن لدينا حوالي ربع أطباء العالم، وعدداً هائلاً من الأسرة في المستشفيات، لكن الخدمات الطبية عندنا متخلفة وتحتل مرتبة متدنية بالنسبة للبلدان المتطورة ونسبة وفيات الأطفال مرتفعة. لا تصغوا للأحصاءات الرسمية فنحن نعرف الأحصاءات الحقيقية ويعرفها المسؤولون أيضاً. والأطباء عندنا رواتبهم هزيلة جداً إذا قورنت برواتب اطباء العالم كله……..
وحول الديموقراطية وحرية التعبير قال مرة لطلابه بعد عودته من مؤتمر اقتصادي عقد في السويد: “دعوني أحدثكم عما لاقيته من إحراجات في السويد. فقد سألني أحد أعضاء الوفد الفرنسي عن أسباب اعتقال ساخاروف، لا أكتمكم سراً أني كنت محرجاً وخائفاً في الوقت نفسه. محرج لأني لا استطيع أن أدافع عن اعتقاله، وخائف لأني أعرف الذراع الطويلة لأجهزة مخابراتنا. فأجبته باني لم أسمع باعتقاله. وبالفعل فقد اعتقل الأكاديمي أندريه ساخاروف وهو عالم فيزياء معروف على النطاق العالمي، لأنه أرسل رسالة إلى رئيس مجلس الوزراء يطالب فيها بإجراء بعض الإصلاحات السياسية، وبعد اعتقاله أرسل إلى مصح للأمراض العقلية”. ومن المعروف أن ساخاروف بقي في الإقامة الجبرية عشرين عاماً وأطلق سراحه بعد البيروسترويكا.
ثم يتابع في المجال ذاته: فكل إشارة أو تلميح بالاعتراض يفسر من قبل السلطات على أنه مؤامرة تهدف إلى الإطاحة بنظام الحكم. وإلا كيف يمكن أن نتصور أن معظم مفجري ثورة أوكتوبر عملاء لألمانيا واليابان، ولقد أعدم مئات الألوف من الشيوعيين، وهجِّر ملايين الفلاحين من قراهم. وخلال عامي 1937 – 1938 تم إعدام ألف ضابط وثلاثة آلاف ضابط بحري …”
” أتعرفون ماذا كانت عقوبة روبرت أوبنهايمر عالم الفيزياء الأميركي الذي أعطى أسرار القنبلة الذرية إلى الاتحاد السوفييتي؟ كان قرار المحكمة الأميركية أن تسحب منه بطاقة الدخول إلى معهد الأبحاث الذرية، وهو أيضاً حكم قابل للاستئناف. وبعد مضي تسع سنوات منحه الرئيس الأميركي جونسون جائزة(هنريكو – فيرمي) تقديراً لفضله الكبير على برنامج الذرة الأميركي. فيا ترى ما هو مصير أوبنهيمر لو حاكمه ستالين”.
وحول الانتخابات التشريعية السوفييتية يقول: ” لي صديق اسمه أندريه ايفانوفيتش مكسيموف من مواليد فلاديفوستوك ويعيش في موسكو منذ ثمانية عشر عاماً. وهو ينجح في كل دورة انتخابية ممثلاً لسكان فلاديفوستوك، وقال لي أنه لا يزور مدينته إلا مرة واحدة كل أربع سنوات، ولا ينتظر هناك حتى يستقبل المهنئين بنجاحه بنسبة 99%. ثم يقول الأستاذ لطلابه قولوا لي من فضلكم، وأنت بالذات يا رفيق عبد الكريم كيف سيدافع هذا النائب عن سكان مدينته؟ ثم إن عدد المرشحين يساوي عدد النواب المطلوبين، كيف سيختار الناس الأصلح؟ أم أن الأصلح هو الذي يعيّنه الحزب؟ ولماذا تسمى العملية انتخابات طالما الفرد لا يستطيع أن يقوم بالاختيار بين هذا المرشح أو ذاك؟ وهل تعرفون كيف تصل النسبة إلى 99،99 %؟ توضع مئات الألوف من الصناديق في الدوائر الرسمية والمعامل والجامعات. أما بالنسبة للعاجزين والمرضى فتؤخذ الصناديق إلى بيوتهم والمستشفيات ليصوتوا لمرشح لا يعرفون عنه شيئاً على الإطلاق. وبطبيعة الحال لإنقاذ ماء الوجه تجري (اجتماعات جماهيرية) يلقي فيها المرشح الوحيد خطبته المعروفة الممجوجة والمكررة”. وفي كل مرة تجري فيها انتخابات يقول الناس: ” لماذا لا توفر الدولة نقودنا التي تصرفها على انتخابات صورية، وتخصصها لأمور أنفع؟ ولماذا يهدرون وقتنا بأمور معروفة نتائجها سلفاً؟ أو لماذا لا يصدر قرار ببقاء النائب مدى الحياة؟!
وعن التخطيط يقول قسطنطين سيرغيفتش: “أنا مع التخطيط العقلاني المرن، وهو لا بد منه سواءً في البلدان الاشتراكية أم الرأسمالية؛ فصاحب المعمل يخطط إنتاجه طبقاً لاحتياجات السوق، ومن يخطئ في التخطيط يعرض نفسه للإفلاس…..
” ولكن هل يمكن، كما يجري في بلادنا، لجهاز مركزي حتى ولو كان (أعضاؤه من العباقرة) أن يخططوا من وراء مكاتبهم لإنتاج أكثر من مليون نوع من السلع، وأن يعرفوا حاجة المجتمع من كل سلعة بدءاً من عدد كرات القدم وانتهاءً بالشمندر السكري……
يجب أن يتسم التخطيط بالديموقراطية والمرونة. فمجلس إدارة المعمل إذا كان منتخباً بشكل ديموقراطي أو معيناً على أساس الكفاءة لا الولاء، يستطيع أن يضع خطة مبنية على واقع وإمكانيات المعمل واحتياجات السوق…..
” بينما في الواقع تلجأ بعض المعامل والمزارع التعاونية عندنا إلى شراء سلع ومحاصيل من أماكن أخرى لكي تقول في تقريرها أنها نفذت خطتها وتحصل بالتالي على المكافئة……. وفي كثير من الأحيان يُلجأ إلى الاحتيال والتلاعب بالأرقام وحتى دفع الرشوات من أجل تضبيط تقرير إنجاز الخطة…”
” لا تأخذ الخطة في بلادنا بالحسبان قانون العرض والطلب، ولا تُختبر عبر السوق وإنما عبر الأوامر….”. ويستشهد هنا حول موضوع التخطيط بتروتسكي الذي كان يقول بالاتجاه نحو السوق، وباختبار كل مشروع في إطار قانون العرض والطلب والربح والخسارة…” وكذلك استشهد حول نفس المضمون بكاوتسكي…” وهذا الاستشهاد (بالمرتدين تروتسكي وكاوتسكي) شكل آنذاك استفزازاً كبيراً لصديقنا عبد الكريم ودفعه إلى الانسحاب من جلسة أستاذه.
في نفس السياق، وفي الجلسة اللاحقة لانسحاب عبد الكريم الاحتجاجي على الاستشهاد بالعدوين الأشهر للماركسية اللينينية يضحك قسطنطين سيرغيفيتش ( بهدوء وطيبة ومرح) قائلاً: “سأستمر أيها الرفيق عبد الكريم اليوم بإيراد أقوال هذين (المرتدين االعدوين للشيوعية) وأرجو منك أن تفند أراءهما”. فيجيبه عبد الكريم على الفور بأنه لم يقرأ مؤلفاتهما لكي يفند ما جاء فيها!!!!
يتابع الأستاذ قائلاً :” إنني انظرإلى تروتسكي وكاوتسكي كصاحبي وجهات نظر. ويجب عدم التسرع في إطلاق الأحكام، وعدم التعصب لرأي واحد. يمكن أن تتبنى رأياً، ولكن يجب أن تحترم الرأي المخالف ولا تعتبر صاحبه مرتداً أو خائناً أو عميلاً. ألا يمكن التعامل مع اختلاف الرأي بشكل حضاري دون تصفيات جسدية؟ أليس لنا ثقة بالشعب؟ يجب أن نتخلص من العقلية التي ترى أننا دائماً على حق والآخرون على باطل. لقد كان القيصر يرسل بالأحرار إلى سيبيريا للتخلص منهم ، وبقي الأمر ذاته في ظل النظام السوفييتي، فنحن أيضاً قمنا باعتقال الرأي الآخر وبالتصفيات الجسدية ولكن بنسب أكبر وبوسائل أحدث
……….”
اعذروني إن كنت قد أدخلت في مقالي هذه الحكاية الصغيرة في السياق ذاته: ففي أواخر الثمانينات من القرن الماضي، جلبت لي زوجتي في إحدى زياراتها إلى سجن عدرا ثلاثية اسحق دويتشر عن تروتسكي (النبي المسلح، النبي الأعزل، النبي المنبوذ)….ما فوجئت به آنذاك بينما كنت أقرأ هذه الكتب، أن يقول لي أحد الرفاق من الذين ثاروا على الستالينية والبكداشية وعبادة الفرد في أواخر الستينات: ( ألا تعرف أن نحن لا نقرأ تروتسكي)؟!…….. حِرْتُ في تلك اللحظة بهذه (النحْنُ) إلى أي حقبة تنتمي إلى ما قبل المؤتمر الثالث للحزب أم إلى ما بعده؟ وهي في هذا السياق الذي قيلت فيه هل تخصنا أم تخصهم؟.. لكن هنا تذكرت ما كان يتواتر في كتب المرحوم (الياس مرقص) عن الأفكار التي تتحول إلى ايديولوجيا وعقائد وطقوس وأوهام والتي مع الزمن تصبح أثقل من جبال هيمالايا. حينما تتحول الأفكار من كونها أفكار إلى ايديولوجيا فتصبح عوائقَ موضوعية مادية معيقة للتقدم ولا تزول رواسبها سريعاً. يبدو أن أصحاب (فكر التحريم) لا يعرفون أن الماركسية تدرس بعناية في معظم الجامعات الأميركية وفي الكثير من المدارس الثانوية في الولايات المتحدة.
إن مفهوم (التحريف) الذي كان سائداً في حقبة الماركسية – اللينينية لا يختلف كثيراً ولا يقل وطأةً وتخلفاً عن مفهوم (التكفير) السائد على الساحة العربية الآن. كلاهما ينطلقان من إلغاء مبدأ نفي النفي، ونفي فكرة الحاضر والمضارع الذي يحيل إلى المستقبل، ومن تقديس الماضي وعبادته، ومن تكريس المثنوية المحصورة بإما….وإما… وإلغاء ما بينهما كممكنات متعددة. وفي الممارسة كلاهما يتجليان بإلغاء الآخر وتصفيته جسدياً. وعلينا ألا نستغرب في هذه الأيام حينما نرى بعض أصحاب الفكر الشمولي من اليسراويين والماركسيين- اللينينيين والقوميين على اختلافهم، يضحكون أحياناً في سرهم، وأحياناً على رؤوس الأشهاد، لما يقوم به المتطرفون والإرهابيون. وطبعا صك براءة موقفهم هذا يأخذونه من مظلة العداء لأميركا.
لنعود إلى قسطنطين سيرغيفيتش، في إحدى الجلسات دخلت ابنته الوحيدة تانيا ومعها طبق من المعجنات وسماور الشاي، فراح أحد التلاميذ يطري جمالها وفستانها الجديد الجميل..
تعلق تانيا على الإطراء فتقول: “هل تعرفون كم ساعة وقفتُ بالدور حتى حصلتُ على هذا الفستان؟ وقفت ثماني ساعات… لقد سمعت من صديقة لي تعمل في مخزن موسكو أن فساتين فنلندية ستصل غداً إلى المخزن…. حضرت إليه في الساعة السابعة صباحاً قبل أن يفتح بثلاث ساعات.. فوجدت مئات النساء… وقالت لي أحداهن أنها حضرت في الساعة الخامسة صباحاً..”
يعلق البروفسورعلى كلام ابنته قائلاً: هل من العدل والمنطق أن نكون دولة عظمى، نبني السدود الضخمة، ونستصلح الأراضي البكر، ونصهر مئة مليون طن من الفولاذ، ونصنع الصواريخ العابرة للقارات وسفن الفضاء، ولا نستطيع بعد نصف قرن من البناء الاشتراكي أن نصنع فساتين وقمصان وأحذية تلبي الذوق العام؟… هل سنقول للمواطن السوفييتي: اصبر نصف قرن آخر حتى نوفر لك سلعا تضاهي السلع في البلدان الرأسمالية (المتعفنة)؟…
يتابع ويقول “عندي طالب دراسات عليا قال لي أنه عاد من الهند بعد العطلة الصيفية جالباً معه مائة زوج جوارب نسائية ومائة سوتيان من صنع الهند؛ ووقف أمام المخزن المركزي(الجوم) وباعها خلال أقل من نصف ساعة بألف روبل أي ما يفوق راتب طالب جامعي سوفييتي لمدة سنتين”….
لماذا لا نصنع سلعاً عالية الجودة، ونحن قادرون على ذلك إذا تخلصنا من العقلية البيروقراطية وبعناها بسعر أعلى؟ لماذا لا نخلص مواطنينا من عقدة النقص إزاء السلع الأجنبية؟”
” إن البيرو قراطيين في بلادنا يعيشون حياة برجوازية لا مثيل لها في الغرب الرأسمالي. فكل شيء مؤمن لهم. ولهم مخازنهم الخاصة ومصحاتهم ومشافيهم وحتى صيدلياتهم. تصوروا مخزناً في الساحة الحمراء مقابل ضريح لينين، يبيع بشكل استفزازي سلعاً من أرقى الدول الأمبريالية (المتعفنة) لقياداتنا البيروقراطية وأفراد أسرهم. فتأتي السيارات السوداء ذات الستائر، لتحمل أرقى أنواع السلع المستوردة بتعالٍ أمام الواقفين في الطابور الطويل الذين ينتظرون دورهم ليلقوا نظرة على جثمان لينين!!!!!!….”
سأل عبد الكريم قسطنطين سيرغيفيتش: هل ترى أن قيام ثورة أكتوبر كان قبل نضوج الظروف الموضوعية؟ فأجاب البروفسور: ما دامت قد قامت فهذا يعني أن هنالك ظروفاً موضوعية أدت إلى قيامها وإلا لما نجحت. ولكن هذا لا يعني انه كان على القائمين عليها عدم أخذ الظروف الموضوعية المستجدة بعين الاعتبار”.
لقد ابتعد ستالين عن الماركسية. وكان يؤمن بشعار الغاية تبرر الوسيلة.وكان هذا حجة لإبادة الملايين ووضعهم في السجون والمعتقلات. ولقد حذر جورج لوكاش في كتابه(لينين دراسة في وحدة فكره) الصادر عام 1924 من(خطر تحويل الأفكار اللينينية إلى مجموعة من الوصفات الجاهزة والطقوس والعقائد شبه الدينية)”.
7 – بعد البيريسترويكا يستقبل البروفسور قسطنطين سيرغيفيتش في موسكو عبد الكريم مرحباً به بعبارة الاشتياق الروسية المعروفة بعد غياب طويل(كم صيف وكم شتاء قد مر)، قائلاً له وهو يبتسم: قطعاً أنت قادم لتعرف رأيي بالبيريسترويكا”.
إن ” البيريسترويكا يا رفيق كريم كانت حاجة موضوعية فرضتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة في البلد. وكما أن الماركسية كانت ستأتي دون ماركس، فإن البيريسترويكا ستأتي دون غورباتشوف. لقد وصلنا إلى مأزق حقيقي منذ أوائل الثمانينات وكان لا بد من التفكير الجدي بالخروج من المأزق. إن ما طرحته البيروسترويكا من تلمس للحلول هو بداية طيبة، ولكن المهم هو كيف سنمضي في التنفيذ.
في 6 آب من عام 1988 عرف عبد الكريم بموت قسطنطين سيرغيفيتش كوزنتسوف. فعرج إلى بيته ليجد ابنته تبكي وقد أخبرته أنه توفي وهو يتفرج على مباراة رياضية في سيئول مشجعا فريق وطنه هذه هي قصة صديقنا عبد الكريم وأستاذه.
في اعتقادي (ملاحظات فات أوانها)، لم يفت أوانها أبداً وعلى وجه الخصوص في العالمين العربي والإسلامي. وأرى أنها لا تخص الشيوعيين فحسب وإنما تخص كل الحركات السياسية من ماركسية وقومية ودينية ، التي لا تزال تختزن كثيراً من ميرة الفكر الشمولي
..
دمشق *
تلميذ يعيد الاعتبار لأستاذه
سخيييييييييييييييييييييف
تلميذ يعيد الاعتبار لأستاذهفوجئت بإبطال هدى الموضوع مثل (البروفسوركوزنتسوف, قسطنطين, سيرغيفيتش) لا أريد إن اشكك بأحد إطلاقا – إنا نفسي عشت وأعيش التجربة مند ان قد مت للدراسة فنون تشكيلية إلى موسكو في 1982 إلى اليوم 2008- من الكاتب ومن قام بالإعداد المقالة ,أقدم لهم الشكر واطلب من لديهم أراء في هده الموضوع إن يقدموه بشكل نشيط ومكثف لأنة أكثر حيوية وأهمية لأنة يبدوا من جديد اليسار الشيوعي يريد إن يعيش على حساب خزينة الشعب الروسي, ليس مهم من يقف خلف ترويجها , الاستخبارات أو منظرين ديماجوجيين يحاولوا اللعب بالورقة الوطنية تحت شعار تعفن الغرب والنظام الرأسمالي بعد إن أعادت… قراءة المزيد ..