إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
(نُشِر هذا التقرير لأول مرة في
ترجمة بيار عقل
في ٥ حزيران/يونيو ١٩٦٧، حقّقت إسرائيل ضربة استراتيجية باهرة بتدمير الطيران المصري وهو جاثم على الأرض. لكن “عاصفة الحزم” لم تكن بحاجة لعنصر “المفاجأة” لإخراج سلاح الجو اليمني من المعادلة. فقد سبقها الرئيس اليمني السابق، عبر قائد سلاح الجو، شقيقه “محمد صالح” الذي دمّر قدرات اليمن الجوية بسلاح.. “الفساد”.
ولم يكن الموضوع سرّاً، فقد كشفه إضراب واعتصام ضباط وطياري سلاح الجو اليمني في صنعاء في مطلع ٢٠١٢ للمطالبة بتنحّي قائدهم.
أين أصبحت مئات المقاتلات والهليكوبترات التي كان اليمن قد اشتراها، أو حصل عليها كمساعدات من الروس والأميركيين، منذ ٣٠ عاماً وحتى فترة قريبة؟ لماذا لم تحلّق مقاتلة يمنية واحدة “للتصدّي” للحملة الجوية الخليجية؟
الجواب كانت نشرته مجلة أميركية متخصّصة، هي “أفياشين ويك” في مطلع العام ٢٠١٢.
نقترح على قارئ “الشفاف” الترجمة التالية لتقرير “إفياشين ويك”، وهي بالمناسبة أفضل ردّ على مزاعم “الحوثيين” بأنهم يقومون بـ”ثورة ضد الفساد”.. بالتحالف مع الرئيس السابق! حكاية “الثورة على الفساد” تشبه رواية “الطريق إلى القدس” التي باتت تمر بـ”القصير” و”حمص” و”الزبداني”، عدا “البحرين” و”عدن”. و”اللاعبون” هم أنفسهم..!
الشفاف
*
في ٤ مارس ٢٠١٢، شنّ عناصر تنظيم “القاعدة” هجوماً جريئاً، ومفاجئاً كلياً، على قاعدة للجيش في جنوب اليمن. وحسب بعض التقارير، وصل عدد القتلى إلى ٢٠٠، ووصف بعض شهود العيان مناظر مرعبة للأجساد المشوّهة والرؤوس المقطوعة.
مع ذلك، ورغم توسّع تمرّد “القاعدة” في كل أنحاء جنوب اليمن، فإن معظم سلاح الطيران اليمني لا يشارك في عمليات مكافحة الإرهاب، بل ولا يقوم بدوريات جوية منتظمة. بالأحرى، فإن العديد من كبار ضباط سلاح الجو، ومن قادة الطائرات المقاتلات، يجلسون في خيام نُصِبَت في وسط العاصمة “صنعاء” للمطالبة بإبعاد قائد سلاح الجو، الذي يتّهمونه بتدمير القوة الجوية بصورة منهجية.
ابتدأ إضراب ضباط وجنود سلاح الجو في شهر يناير ٢٠١٢، وصادف نهاية “ربيع اليمن العربي”، الذي كان ثورة شعبية، دموية أحياناً، أدّت إلى تسليم تفاوضي للسلطة بين رئيس البلاد لمدة ٣٣ عاماً، علي عبدالله صالح، وخلفه عبد ربه منصور هادي، الذي كان نائباً للرئيس. ولكن شبكة عائلة صالح تظل متحكّمة بالعديد من المؤسسات المدنية والعسكرية في اليمن، بما فيها سلاح الجو، الذي يقوده شقيق الرئيس صالح (من أم مختلفة)، “محمد صالح”.
وقال لنا العقيد الركن عبدالله اليماني، وهو مهندس طيران تلقّى تدريبه في “قاعد ماكسويل الجوية” بالولايات المتحدة: “نحن هنا لنضع حداً للفساد ولنتخلص من القائد المنتمي لـ”العائلة”. لقد حوّل سلاح الجو إلى ما يشبه مزرعة أو شركة خاصة”!
وبسبب مشاركة ألوف من الضباط في الإضراب، فقد أصيب سلاح الجو بالشلل في وقت يمثّل اليمن ميداناً رئيسياً للعمليات الجوية الأميركية ضد تنظيم “القاعدة” والجماعات المتفرّعة منه. والحصيلة هو أنه، رغم مئات ملايين الدولارات من المساعدات الأمنيّة الأميركية لليمن خلال السنوات الأربع الماضية، فإن واحدة من الأدوات الأساسية في الحرب العالمية ضد الإرهابيين الإسلاميين باتت معطّلة.
والواقع أن الإضراب يأتي في وقت حرج: فالإضطرابات في جنوب اليمن، موطن “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، تتزايد باستمرار، كما يشهد الهجوم الذي تعرّضت له قاعدة عسكرية خلال الشهر الحالي. وهذا عدا أن الإضطرابات لا تشكّل مجرد مشكلة يمنية داخلية، حسب ما يقول مسؤولون أميركيون كبار.
فمدير “المخابرات الوطنية” الأميركية، “جيمس كلابر”، قال للكونغرس في شهر يناير: “نتوقع أن يقوم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بهجمات عابرة للحدود”.
طائرات غير مؤهّلة للتحليق
ولكن العقيد اليماني، وغيره من الضباط والطيارين والميكانيكيين المُضربين الذين التقتهم مجلة “أفياشين ويك” يعطون صورة قاتمة جداً عن سلاح الطيران اليمني بعد عقدين من قيادة “محمد صالح” له. وهم يصفون طائرات غير مؤهلة للتحليق، وقائدٍ مستبدّ يختلس أموال المساعدات الأميركية، ورئيسا سابقاً للبلاد يستخدم تنظيم “القاعدة” كفزّاعة للحصول على دعم مالي.
جدير بالذكر أن سلاح الجو اليمني يضم مجموعة عشوائية من الطائرات التي تعكس دور البلاد المتأرجح بين الشرق والغرب إبان ما كان يُسمّى “الحرب الباردة”. ويضم سلاح الجو حالياً هليكوبترات “بل هيوي” ومقاتلات “نورثروب إف-٥” أميركية الصنع، إلى جانب هليكوبترات “مي-١٧” ومقاتلات سوخوي “سو-٢٢” سوفياتية الصنع.
ولأسباب أمنية، يمتنع الضباط اليمنيون عن إعطاء الأعداد الدقيقة للطائرات الموجودة بحوزتهم. ولكن تقارير محلية تفيد أن سلاح الجو اليمني قد يشتمل على بضع مئات من الطائرات، العديد منها في حالة لا تؤهله للطيران. إن سرب مقاتلات “إف-٥” الأميركية الصنع في حالة متردية بصورة خاصة، حسب الطيارين والمهندسين اليمنيين. ويقول الكابتن “عاصم الحساني”، وهو طيار “إف-٥”، أن “معظم هذه المقاتلات لا تستطيع الإقلاع”.
وللإبقاء على حفنة منها في وضعية جاهزة للتحليق، قام الميكانيكيون بأخذ قطع غيار من مقاتلات أخرى، بحيث صارت عدد من مقاتلات “إف-٥” رابضة على الأرض بدون محركات. ولكن، حتى مقاتلات “إف-٥” القادرة على الطيران في وضعية غير طبيعية. ويقول “الحساني”: “يقول محمد صالح “حلّقوا بالطائرة حتى تهترئ كل قُطَعها”!
خرطوشات قذف مقعد الطيّار للنجاة انتهى أجلها
إن إحدى أبرز شكاوى طياري مقاتلات “إف-٥” الأميركية الصنع هي أن “الخرطوشات” التي تقذف مقعد الطيّار (في حالة تعطّل الطائرة ) قد انتهى أجَلُها. ويتذكر الكابتن “الحساني” زميلاً له قُتل حينما تعطّلت طائرته في الجو قبل ١٣ عاماً. وحينما حاول الطيران أن يقذف مقعده خارج الطائرة، لم يحدث شيء! ويضيف الكابتن “الحساني”: “إنها فرصتك الأخيرة للبقاء على قيد الحياة. ينبغي أن تكون قادراً على مغادرة الطائرة قبل سقوطها“.
ويقول العقيد طيار “محمد محمد عوض” أن قائد القوة “محمد صالح” أمر بتمديد أعمار مقاعد مقاتلات “إف-٥” ٢٩ مرة، رغم انتهاء مفعول خرطوشات قذف مقاعد الطيارين.
ويزعم الطيارون والميكانيكيون أن قائد سلاح الجو رفض مراراً وتكراراً ملاحظات الميكانيكيين والمهندسين الذين كانوا يمتنعون عن التوقيع على تقارير الصيانة، وكان يأمر الطيارين بالتحليق بالطائرات بما فيها الطائرات غير الصالحة للطيران. ويقول الجنرال ”عبد العزيز المحيا”، وهو نائب قائد “قاعدة المحيا الجوية” قرب صنعاء: ”لقد دمّر كل الإنجازات الفنّية لسلاح الجو اليمني”.
إن طائرتي ”لوكهيد سي-١٣٠ إتش” اليمنيتين تعبّران بوضوح عن الحالة المتردية لسلاح الطيران. ويشير ”الحساني” إلى حالة حدثت مؤخراً، حينما رفع قائد سرب تقريراً يوصي فيها بعدم تحليق إحدى طائرات ”سي-١٣٠” بسبب نقص الصيانة. ويقول: ”لقد رفعنا التقرير لقائد سلاح الطيران محمد صالح، وقلنا له أن الطائرة باتت في حاجة إلى فحص فنّي. ولكنه أعطى أمراً لمسؤول الصيانة بالتحليق بها”.
وما يزيد الأمر سوءاً هو أن مسؤولي سلاح الجو يقولون أن منشأة الصيانة التي تُرسَل إليها الطائرات لإجراء إصلاحات فيها ليست مؤهلة للقيام بعملها، الأمر الذي يتسبّب بمزيد من الأضرار. ويقول ”اليماني”: “لقد طلبنا مساعدة من الولايات المتحدة، وجاء خبراء أميركيون لدراسة الطائرتين وكلفة إعادة تأهيلها. وأعطونا تقريراً جاء فيه أن كلفة إعادة تأهيل الطائرتين تبلغ ٧٠ مليون دولار.” وما زالت الطائرتان جاثمتين على الأرض، وليس هنالك جدول زمني لجعلهما صالحتين للطيران.
قطع غيار غير أصلية من السوق السوداء
عدا كل ما سبق، فقد تم إدخال قطع غيار غير أصلية في مرافق الصيانة لأن قائد سلاح الجو- حسب مزاعم الطيارين والميكانيكيين- يستخدم شركات تملكها عائلته لشراء قطع من السوق السوداء بأسعار مخفّضة. إن المساعدات الأميركية- التي شملت قطع غيار لمقاتلات ”إف-٥”، ولهليكوبترات ”بل ٤٠٧” و”هيوي”- لم تخفّف المشكلة سوى جزئياً، ويزعم ضباط طيران كبار أنه كانت هنالك اختلاسات على نطاق واسع للأموال التي قدمتها أميركا لدعم سلاح الجو.
ويزعم ضباط كبار في سلاح الجو اليمني أن قسماً كبيراً من التمويل الذي قدّمته الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم ”القاعدة” لم يُستَخدم لذلك الغرض.
والواقع أن حالة سلاح الجو اليمني لا تعكس مقدار المساعدات التي وفّرتها واشنطن خلال السنوات الماضية، بما فيها “التمويل العسكري الخارجي” لطائرتي “سي-١٣٠ إتش”، وتسليم ٤ هليكوبترات “بيل يو إتش-١إتش” في يناير ٢٠١١،عدا قطع غيار لهليكوبترات “مي-١٧” ولمقاتلات “إف-٥”. وعلاوة على ما سبق، خصصت أميركا مبلغ ٨٢،٨ مليون دولار لسلاح الجو اليمني من أجل دعم هليكوبتراته في عمليات مكافحة الإرهاب- حسب معلومات من البنتاغون.
ولكن كثيرين من ضباط سلاح الجو يقولون أن تلك الأموال لم تُستَخدَم لمكافحة الإرهاب. مثلاً، يزعم الجنرال علي عبدالله صالح الهيمي أن مبلغ ٤٠ مليون دولار مخصص للعمليات ضد ”القاعدة” لم يُستَخدَم لذلك الغرض، وأن الأسلحة التي تم توفيرها للجيش استُخدِمت لدعم النظام وليس لمكافحة الإرهاب. ويؤكّد ”الهيمي” أن “المساعدة الأميركية استُخدِمَت لقتل الشعب اليمني، وليس لقتل ”القاعدة”.
ويؤكد الناطق بلسان سفارة اليمن في واشنطن (في وقت كتابة المقال في ٢٠١٢) أنه لم يتم اختلاس أية مساعدات مالية أميركية وأن الرئيس هادي يعمل مع لجنة جديدة ستقوم بدراسات شكاوى القوات المسلحة، بما فيها سلاح الطيران. ويقول أن ”العسكريين بدأوا بالقيام بمهمة إعادة تنظيم وتحديث القوات المسلحة”.
البنتاغون يعرف.. ولا يعرف!
من جهتها، لا تقدّم وزارة الدفاع الأميركية مساعدة مالية لسلاح الجو اليمني، الأمر الذي يحول دون التحقّق المباشر من اتهامات الإختلاس، حسب ما قال لنا الميجور في المارينز والناطق بلسان البنتاغون، ”كريس بيرين”. وقال: “نحن نوفّر التجهيزات، التي نقوم بشرائها، وكذلك التدريب. كما نقوم بمراقبة شاملة للإستخدام النهائي للتأكد من أن المعدات التي نوفّرها قد استخدمت لأغراضها المحددة”. وليس لدى البنتاغون أية أدلة على أن التدريب والتجهيزات التي وفرتها أميركا قد استخدمت ضد متظاهرين سلميين.
”القاعدة” فزّاعة للحصول على دعم أميركي
لكن، من الواضح أن البنتاغون مطّلع على مشكلات المساعدات الأمنية. فقد تم تجميد مخططات لتسليم طائرة ”إيرباص” عسكرية، نوع ”سي إن ٢٣٥” مع تجهيزاتها لليمن، وتم تجميد تسليم تجهيزات لهليكوبترات ”هيوي ٢”. ومع أنه تم تجميد المساعدة العسكرية الأميركية منذ العام ٢٠١١، ”فنظراً لانتخاب رئيس جديد ولحاجات اليمن الأمنية الملحّة، فنحن ندرس الآن استئناف المساعدة العسكرية لمساعدة اليمن على مواجهة تهديدات القاعدة”، حسب ما قال لنا الناطق بلسان البنتاغون.
مع عدم اتضاح ما إذا كانت أميركا ستستأنف مساعداتها، ومع تزايد الإضطرابات في اليمن، فإن مستقبل سلاح الجو يبدو كئيباً.
ويقول ضباط وأفراد سلاح الجو المُضربون والمعتصمون في ”صنعاء” أنهم لن يعودوا إلى أعمالهم قبل تنحّي ”محمد صالح”، وأن الوضع يمكن أن يزداد سوءاً. ويقول ”اليماني” أن ٣٠ بالمئة من أفراد سلاح الجو ما زالوا في عملهم، ولكن الأغلبية الكبرى منهم تؤازر الإضراب: “إنهم ينتطرون الأمر بالإضراب إذا لم تتم تلبية مطالبنا. التصعيد وارد”.
في هذه الأثناء، فإن إضراب سلاح الجو يمثل جزءاً من فراغ السلطة المتنامي الذي يسمح بالحرب مع ”القاعدة” بالإمتداد إلى أنحاء أخرى من اليمن. ففي ٥ مارس، وبعد يوم من هجوم ”القاعدة” في جنوب اليمن، انفجرت قنبلة داخل طائرة ”أنطونوف” متوقفة في قاعدة جوية قرب مطار”صنعاء”. وزعمت ”القاعدة” أنها هي من قامت بالهجوم الذي لم يسفر عن ضحايا.
لقد اشتملت صفقة تقاسم السلطة التي سمحت بإخراج صالح على بند يتعلق بإعادة بناء قوى الأمن. ويقول ”الهيمي” أن اليمن، وسلاح الجو، سيصبحان حليفاً أفضل للولايات المتحدة في ظل قيادة جديدة. وهو يزعم أن الرئيس المعزول كان يستخدم ”القاعدة” كفزّاعة لاستدرار الأموال من أميركا، وذلك في حين كان يعقد صفقات سرّية مع فريقي الحرب اليمنية.
ومع كل رغبة ”الهيمي” والضباط الآخرين في تحديث سلاح الطيران، فإنه يحذّر من أن الردّ على ”القاعدة” ليس طائرات جديدة أو أسلحة أفضل: ”لمكافحة القاعدة علينا أن نثبت للشعب أننا نستطيع إدارة حكم كفؤ. ذلك هو الردّ، وليس التكنولوجيا وحدها”.
للإطلاع على التقرير بالإنكليزية:
Yemen’s Arab Spring Left Its Air Force In Disarray
Yemen’s air force is barely functioning, despite heavy U.S. investment