المعنيّون الذين طرحنا عليهم السؤال قالوا لـ”الشفاف” أن سبب تراجع أعداد التلاميذ في التعليم الرسمي بما يقارب 50 ألف تلميذ خلال 5 سنوات هو الذهاب الى المدارس الطائفية خصوصا الشيعية في البقاع والجنوب والضاحية. أي أن حركة أمل جزئياً و”حزب الله” خصوصاً، وهو حزب غير موجود قانوناً في لبنان، أي أنه لا يحمل ترخيصاً من وزارة الداخلية، قد نجحا في إقامة شبكة من المدارس الدينية، على غرار المدارس “الطالبانية” السيئة الذكر في باكستان، على حساب الدولة الوطنية.
اما المستوى التعليمي فهو لا يظهر في تقارير التفتيش لانه يحدث فضيحة ولكن بالامكان التكهن من خلال الارقام حول المرض والغياب والفائض وعدم التناسب.
ما لا يقوله التقرير أيضاً هو أن نسبة الأمّية في لبنان (“الأمي” هو غير القادر على تعبئة “معاملة”) باتت تتجاوز 20 بالمئة، وهذه فضيحة كبرى في بلد تعتمد موارده على نسبة المتعلمين فيه).
*
ينطلق التقرير الذي يقع في 65 صفحة فولسكوب من واقع التفتيش التربوي، والمهام المنجزة في التعليم العام، وفي التعليم المهني،وهو يستند الى 23952 تقريرا تم اعدادها من قبل المفتشين التربويين، في نطاقي التعليم العام ما قبل الجامعي والتعليم المهني والتقني….. ويعرض التقرير الشامل في خمسة فصول واقع التعليم، وأوضاع التعاقد، في مراحل التعليم الأساسي والثانوي والمهني والتقني، والامتحانات الرسمية والإرشاد والتوجيه، ويعرج على دور المعلمين والمعلمات، والمركز التربوي، وجميع هذه المواضيع مدعمة بجداول وقراءات.
يرى التقرير إن انطلاقة العام الدراسي في الثانويات الرسمية تتم بسهولة أكثر مما هي عليه الحال في مدارس التعليم الأساسي، خصوصا عندما تتم مساعدة بعض الثانويات المستحدثة أو المتعثرة من قبل صندوق التعاضد للثانويات الرسمية. أما في مدارس التعليم الأساسي فإن الانطلاق بعام دراسي جديد، تعتوره صعوبات جمة، خاصة تلك التي تضم مرحلة الروضة والحلقتين الأولى والثانية، حيث تصلها الواردات العائدة لمساهمات الأهل في صندوق المدرسة متأخرة عن بداية العام الدراسي.
والأهم في الموضوع هو مشكلة الفائض في أفراد الهيئة التعليمية، والمعلمين المرضى، والمدارس المتعثرة، وما يصفه بـ«الورم» في رواتب المعلمين الذين لا يعملون بنصابهم نتيجة سوء التوزيع، والأبنية المدرسية غير الصالحة، والتعاقد.
أما الصدمة الكبيرة فهي تراجع أعداد التلاميذ في التعليم الرسمي، حيث بلغ هذا التراجع وفقا للإحصاءات الرسمية ما يقارب الخمسين ألف تلميذ خلال السنوات الخمس الأخيرة. وقد تراجعت أعداد تلامذة رياض الأطفال وحدها أكثر من اثني عشر ألف تلميذ خلال ثلاث سنوات.
ويعدد التقرير المدارس المتعثرة، وفائض المعلمين فيها، فيقدم أمثلة على بعضها ومنها وجود 19 معلماً لعشرين تلميذاً في إحدى مدارس العاصمة، ومدرسة أخرى تضم ثمانية معلمين لخمسة تلامذة، وثالثة 13 معلما لتسعة عشر تلميذا، وقس على ذلك، ليبلغ عددها نحو 15 مدرسة تعاني فائضاً في المعلمين قياسا إلى عدد التلامذة.
ويعتبر أن كثرة أعداد المتعاقدين تشكل عائقا أساسيا لأي خطة للتطوير في التعليم المهني والتقني.
وما يكشفه التقرير وجود 12 حالة (من معلمين واساتذة طبعاً) في عدد من الثانويات ممن يعانون قصورا صحيا أو نفسيا أو مهنيا، وقد تم تعيينهم في العام 2004، يضافون الى نحو 600 الى 700 معلم وأستاذ يعانون أمراضاً مزمنة سرطانية أو نفسية وغيرها، أو ممن لا يستطيعون القيام بمهام التدريس كليا أو جزئيا، وهؤلاء لا يطبق عليهم القانون ولا يوجد لهم حل إنساني.
ويلفت الى أنه بلغ عدد المنقطعين عن العمل بعد صدور تعميم مجلس الوزراء الرقم 28/ 2008 ، 12 حالة من دون ان تتخذ وزارة التربية الإجراءات اللازمة بشأن الموظفين المنقطعين، علما أنه قبل صدور التعميم كان العدد بالمئات، إلا أنه تمت تسوية أوضاع الغالبية منهم، وهناك موظفون لم تسو أوضاعهم.
التفتيش التربوي
يبدأ التقرير بتحديد المهام والتنظيم وحركة العمل الداخلي للمفتشية التربوية، والتي تتركز على أعمال المراقبة والإرشاد في جميع مؤسسات التعليم الرسمي ما قبل الجامعي، وإبداء «المشورة للسلطات الإدارية عفوا أو بناء على الطلب»، والقيام بالدراسات والتحقيقات والأعمال التي تكلفه بها السلطات.
ويعاني التفتيش التربوي شغورا في الكثير من الاختصاصات، يتزايد سنة بعد سنة، مع تراجع عدد المفتشين تباعا بسبب بلوغ السن القانونية وإنهاء الخدمة، فضلا عن الحاجة الى تعديل الملاك الإداري للمفتشية العامة التربوية، ليتناسب وحجم الأعمال المطلوبة. وتضم المفتشية حاليا 91 موظفا، على رأسهم المفتش العام التربوي د. رضا سعادة، ومن بينهم 18 مفتشا و52 مفتشا معاونا ورئيس دائرة حقوق، و14 موظفا إداريا. وعلى الرغم من الأعباء الكثيرة التي تثقل كاهل المفتشين، فإن التفتيش التربوي ما زال يعاني شغورا في العديد من الاختصاصات الأكاديمية والفنية والتقنية للمفتشين، فضلا عن الحاجة الى تعديل الملاك الإداري ليتناسب وحجم الأعمال المطلوبة.
وبحسب التقرير فقد تفقد المفتشون التربويون في العام الدراسي 2007/2008 أحوال رياض الأطفال والمدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية ودور المعلمين والمعلمات فراقبوا سير العمل في هذه المؤسسات كافة، من الجوانب الإدارية والفنية والمالية. ونظم المفتشون التربويون 22460 تقريرا في نطاق التعليم العام، و1492 تقريرا في نطاق التعليم المهني والتقني. وتناولت التقارير التوجيهية اقتراح تدابير معينة، أو تعديل نصوص تنظيمية أو استصدار جديدة بغية تصويب الأداء، ومنها: توصيات حول مرحلة الروضة، وتعديل أصول تكليف مديري المدارس، وإجراء دورات تدريبية لمعلمي الصفوف المدموجة، والمدارس المتعثرة، وحاجة بعض المدارس الى الإصلاح أو الترميم، وعدم اعتماد مراكز للامتحانات الرسمية في الوسط التجاري لمدينة صيدا، والحاجة الى أساتذة ومعلمين للتربية الرياضية، ودراسة عن الشعب غير القانونية في المدارس الرسمية، وتعديل الأنظمة المتعلقة بالتنظيم الإداري في التعليم المهني والتقني، والحاجة الى معلمين، ونقل الفائض، وإحالة معلمين مرضى أو غير قادرين على القيام بمهامهم الى لجنة الكفاءة المسلكية واللجان الطبية الرسمية. الا ان التقرير لا يقول لنا ماذا كانت نتائج هذا العمل التفتيشي الجبار …..
آلاف التقارير الطبية
ويشير التقرير الى ان عدد موظفي التعليم الذين تقدموا بتقارير طبية في مدارس التعليم الأساسي 6176 معلما، من أصل 19507 معلمين دائمين، وبلغ عدد موظفي التعليم الثانوي الذين تقدموا بتقارير طبية في الثانويات الرسمية 2069 موظفا من أصل 7116 موظفا دائما. أما في التعليم المهني فقد بلغ عدد الموظفين الذين تغيّبوا عن عملهم بموجب تقارير طبية 561 موظفا، من أصل 1709 موظفين دائمين. ويوضح التقرير أن رصد التفتيش التربوي لحركة التقارير الطبية في مؤسسات التعليم الرسمي، يهدف الى إظهار الكلفة الباهظة التي تتكبدها المدرسة الرسمية جراء غياب المعلمين عن مراكز عملهم لأسباب مرضية، والحاجة الى معالجة هذا الواقع المتواتر سنة بعد سنة، بتخفيف الهدر الحاصل في هذا النطاق في الموارد البشرية والمادية على حد سواء.
رياض الأطفال
درس التقرير أوضاع المدارس العاملة في نطاق رياض الأطفال (الروضات(، وتبين أن عدد الأطفال المنتسبين إليها مستمر في التراجع، وكذلك عدد الشُعَب. فمن أصل 33330 تلميذا و1769 شعبة في العام الدراسي 2005/2006، الى 30577 تلميذا و1557 شعبة في العام الدراسي 2006/2007، الى 21894 تلميذا و1122 شعبة في العام الدراسي 2007/2008، الأمر الذي يقتضي معه إقامة ورش عمل للمختصين والمعنيين بهذا القطاع لدراسة الأسباب التي آلت الى هذا التراجع، وتبصر الحلول اللازمة لمعالجة هذه المشكلة، وتوفير أسباب النمو السيكولوجي والاجتماعي للأطفال في بيئة تربوية ترعى تحضيرهم للمدرسة. وأظهرت الدراسة ان 46 في المئة من العاملات في هذه المرحلة من المعلمات الدائمات هنّ من غير المتخصصات في الروضة، فضلا عن وجود 876 معلمة متعاقدة، نسبة غير المتخصصات من بينهن تصل الى 55 في المئة، وأن عددا من رياض الأطفال قائمة في أبنية غير ملائمة أو هي تشتمل على صفوف أو ملاعب غير مناسبة للأطفال.
وخلصت الدراسة الى التوصية بإعادة الاعتبار الى الإعداد المنتظم للحادقات، وتدريب معلمات الروضة اللواتي لم يخضعن لأي تدريب، وعدم جواز تدريس الصف الواحد أكثر من معلمتين، وإعادة المعلمات الفائضات في مدارسهن، وإصلاح وتأهيل المدارس التي لا تلبي شروط مرحلة الروضة.
الفائض
يسجل التقرير ارتفاعا في عدد المعلمين المنقولين من حاجة الى فائض في العام 2007/2008 وصل الى 72 حالة نقل من ضمن العدد الإجمالي للمعلمين المنقولين البالغ 557 معلما، من بينهم 122 معلما منقولا من مدارس محتاجة، و435 معلما منقولا الى مدارس تشهد فائضا. ويوصي التقرير بالإقلاع عن خيار التعاقد المفتوح في التعليم الرسمي، والعمل على إعادة الاعتبار لإعداد المعلمين المنتظم. ويعتبر أنه أصبح من غير المسموح في ظل سياسة ترشيد الإنفاق وتحقيق الجدوى، أن يكون من بين مدارس لبنان 263 مدرسة يتراوح معدل التلامذة في الشعبة الواحدة فيها بين 1.25 وما دون العشرة و715 مدرسة يتجاوز فيها معدل المعلمين الحد الأقصى المطلوب للشعبة الواحدة. أما في التعليم المهني والتقني فلم يؤثر حجم المناقلات البسيط على تقليص مقدار الهدر الحاصل الناتج عن سوء توزيع أساتذة الملاك (32 أستاذا فنيا كلفوا مهمات إدارية خلافا للمرسوم 9193/68).
ويرى التقرير أن مسألة المعلمين والأساتذة غير القادرين على القيام بأعباء وظيفية، لأسباب صحية ونفسية ما تزال عالقة ومن دون حل، على الرغم من تكرار الإشارة إليهم في التقارير السنوية السابقة للتفتيش التربوي، يضاف إليهم ممن عين أخيرا في العام 2004، حيث أمكن إحصاء 12 حالة في عدد من الثانويات ممن يعانون قصورا صحيا أو نفسيا أو مهنيا. بالإضافة الى ذلك لم تتخذ الوزارة المختصة الإجراءات اللازمة بشأن الموظفين المنقطعين عن العمل.
ساعات التعاقد
ويلحظ تقرير التفتيش التربوي استمرار انخفاض عدد المعلمين المتعاقدين، حيث بلغ عددهم في العام الدراسي 2007/2008، 9181 متعاقدا، وكذلك الحصص التعاقدية التي بلغت 144288 حصة، بعدما كان العام الدراسي 2005/2006 قد سجل وجود 9569 متعاقدا و155894 حصة، وهو ما يشير الى بداية معالجة لمسألة التعاقد، وحصره فقط في الحاجات الاستثنائية والمحددة، وتدريب معلمي المرحلة الابتدائية على تدريس جميع المواد، وإجراء المباراة المرتقبة للمتعاقدين.. وفي التعليم الثانوي سجل ازدياد الحصص التعاقدية من 18659 في العام 2006/2007 الى 21946 في 2007/2008، أي ما يوازي الحاجة الى 1084 أستاذا في الملاك. وحيث أنه تم تعيين 781 أستاذا ألحقوا بكلية التربية في العام 2008/2009 لإعدادهم حسب الأصول، فإن الحاجة تبقى قائمة الى 303 أستاذا يضاف إليهم العدد البديل عن 130 أستاذا أحيلوا على التقاعد في العام 2008 وما تفرضه الزيادة السنوية في عدد الشعب أو استحداث ثانويات جديدة.
أما في التعليم المهني والتقني، فقد بلغ عدد الحصص التعاقدية 2.463.895 حصة، أي ما يوازي الحاجة الى 4563 أستاذا في الملاك، في حين بلغ عدد الاساتذة الدائمين الذين يقومون بأعمال التدريس 650 أستاذا فقط ينفذون سنويا 307500 حصة. ويعتبر أن كثرة أعداد المتعاقدين تشكل عائقا أساسيا لأي خطة للتطوير في التعليم المهني والتقني.
الإرشاد والتوجيه
على الرغم من تكرار دعوة التفتيش التربوي الجهات المختصة الى تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بالإرشاد التربوي، أو وضع تشريعات جديدة، ما يزال 246 موظف تعليم بدوام كامل أو جزئي يتولون مهمات الإرشاد والتوجيه في المديرية العامة للتربية، من دون أي معايير أو دراسات تحدد العدد اللازم من هؤلاء لكل مادة دراسية، وفي كل منطقة وطريقة انتقائهم من بين أقرانهم (أظهرت دراسة التفتيش في العام 2007 أن التوازن في التوجيه والإرشاد مفقود بين المواد ضمن المنطقة الواحدة، وبين منطقة وأخرى.)….
ويرى أن دور المعلمين والمعلمات باتت تؤدي دورا وحيدا يقتصر على تدريب المعلمين، دون إعدادهم، وهي مهمة لا تشمل جميع الدور بصورة أساسية. وعلى الرغم من تناقص عدد الموظفين في هذه الدور من 267 موظفا في 2007 الى 247 في 2008، فإن الطاقة التشغيلية البشرية منها والمادية غير مستثمرة بصورة كاملة، بالنظر الى طبيعة المهام الموكلة الى هذه الدور بصورة كلية أو جزئية..
ويطلب التقرير من أجل وضع حد للازدواج القائم في موضوع تدريب المعلمين وإرشادهم الفني، بين المركز التربوي والإرشاد والتوجيه، أن تشكل هيئة ناظمة واحدة لكل المعنيين بالتدريب المستمر يكون فيها لمراكز الموارد في دور المعلمين دور التدريب، وللإرشاد والتوجيه، بعد تنظيم أوضاعه القانونية، مهمة المتابعة الميدانية بعد التدريب..