واصل الجيش اللبناني عمليات القضم والسيطرة على المواقع التي انسحب منها مقاتلو «فتح الاسلام» في مخيم نهر البارد الشمالي أمس، بعد تنظيف الأبنية الملغّمة والمفخخة بالعبوات التي خلفوها بعد تراجعهم من الجهتين الشمالية والشرقية للمخيم الى وسطه. في الوقت ذاته قالت مصادر فلسطينية داخل المخيم لـ «الحياة» ان 25 من مقاتلي التنظيم المتشدد، سلموا أنفسهم في الجهة الجنوبية للمخيم الى حركة «فتح» بزعامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس و «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» ولبعض رجال الدين.
وأكدت مصادر عسكرية مأذون لها لـ «الحياة» ان وضع مقاتلي «فتح الاسلام» بات صعباً جداً وان الجيش يتقدم بثبات ويعتمد سياسة تثبيت سيطرته فيستولي يومياً على 3 أو 4 أبنية داخل المخيم في خطة تتوخى تخفيف الخسائر في صفوف الجيش والمدنيين في الجهة الجنوبية من المخيم، وفي ظل نجاح مديرية المخابرات في الجيش وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي في توقيف مزيد من العناصر من «فتح الاسلام» والمتعاطفين معه في مناطق خارج المخيم لم يُعلن عنهم جميعاً.
لكن مصادر قيادات اسلامية في الشمال أبلغت «الحياة» ان أحد قادة التنظيم وهو شهاب القدور (أبو هريرة) تحدث الى بعض القيادات خارج المخيم وأكد لها ان «معنوياتنا عالية ووضعنا العسكري صاعد وليس وارداً ان نقبل بأن نسلّم أنفسنا أو بأن نسلم أسلحتنا في أي مفاوضات سياسية، بل هناك تحرك ستقوم به مجموعات تتعاطف معنا خلال اليومين المقبلين، يقضي بفتح جبهات جديدة في مناطق أخرى، وفق ما وعدونا به».
ونسبت وكالة «رويترز» الى القائد العسكري الميداني لـ «فتح الاسلام» شاهين شاهين قوله: «إذا استمر الجيش اللبناني في قصف المدنيين، سننتقل في غضون يومين الى المرحلة الثانية من المعركة، وسنريهم امكانات «فتح الاسلام» بداية في لبنان، وصولاً الى بلاد الشام كلها».
ونفى شاهين وجود انسحابات في صفوف التنظيم كما نفى سقوط مبنى «صامد» أو «التعاونية» التي كان يتحصن بها مقاتلو التنظيم والتي تشير الأنباء منذ أيام الى انسحاب هؤلاء منهما.
وإذ ترقبت الأوساط المتابعة للوضع العسكري في مخيم نهر البارد تطورات تساعد في حسم الموقف ضد مقاتلي «فتح الاسلام» قريباً، أعلِن امس توقيف جهاز أمن الدولة في بلدة برالياس في البقاع 4 أشخاص بينهم فلسطيني وسوريان وعراقي في حوزتهم أجهزة لتزوير بطاقات هوية وحقائب متفجرات وسلاح حربي متطور مزود بمناظير ليلية، وأجهزة اتصال متطورة وجوازات سفر متنوعة وصور لتذاكر هوية لأشخاص آخرين وخرائط لمناطق لبنانية. واقتيد الاربعة للتحقيق معهم من أجل التأكد مما اذا كانوا ينتمون الى «فتح الاسلام» او أي جهة أخرى تخطط لتفجيرات في المناطق اللبنانية.
وفيما ارتفع عدد المدعى عليهم قضائياً بتهمة الانتماء الى «فتح الاسلام» وتشكيل مجموعة ارهابية، الى 32 شخصاً امس، من بين عشرات الموقوفين لدى الجيش والقوى الامنية، تمكنت «الحياة» من معرفة تفاصيل مهمة عن السوري مجد الدين عبدالحي عبود، الملقب بـ «أبو يزن» الذي قتل في اليوم الثاني من الاشتباكات في حي المئتين في طرابلس في 20 أيار (مايو) الماضي، بين قوى الامن الداخلي ومجموعة تنتمي الى «فتح الاسلام».
وفي التفاصيل نقلاً عن مصادر فلسطينية ان «أبو يزن» دخل لبنان اثناء العدوان الاسرائيلي في تموز (يوليو) الماضي وكان الأبرز في فرع «العمليات الخارجية» في «فتح الاسلام» وأحد المشاركين في التخطيط لجريمة عين علق في المتن الشمالي، اضافة الى انه كان على رأس المجموعة التي أطلقت قذائف من نوع «انيرغا» على ثكنة الحلو التابعة لقوى الأمن الداخلي في بيروت وعلى مبنى الكابيتول في الوسط التجاري للعاصمة اللبنانية.
وفي موازاة استمرار تركيز الأنظار على مخيم نهر البارد وملاحقة احتمالات أي تحرك متعاطف مع «فتح الاسلام» خارجه، وبدء القوة الأمنية الفلسطينية في الانتشار في مخيم عين الحلوة الجنوبي أمس للفصل بين مقاتلي «جند الشام» وبين الجيش اللبناني للحؤول دون اطلاق هؤلاء النار على مواقع الجيش كما حصل الأحد الماضي، سُجل تطوران أمنيان بارزان خلال الساعات الـ24 الماضية: الأول هو اكتشاف عبوة ناسفة على شاطئ مدينة صور صباح أمس، تحوي مادة «سي 4» المتطورة مزودة ساعة توقيت ومجهزة للتفجير، وفكك عناصر الجيش وقوى الأمن العبوة في حضور ضابط من القوات الدولية «يونيفيل». وقال ناطق باسم القوات الدولية ان هذا المكان لا ترتاده عناصر «يونيفيل».
أما التطور الثاني فهو توقيف الجيش اللبناني ليل الثلثاء شاحنة كبيرة تحوي 122 صاروخ «كاتيوشا» وذخائر بنادق، وتردد انها ضمت ايضاً مواد متفجرة، وذلك في بلدة دورس عند المدخل الجنوبي لمدينة بعلبك وهي متوجهة الى خارجها. وأفادت المعلومات من البقاع ان قوى الجيش رصدت الشاحنة وأقامت حاجزاً طياراً عند بلدة دورس، وأوقفت الشاحنة التي كانت ترافقها 3 سيارات مدنية تم تمويه زجاجها باللون الأسود، وأن من فيها ترجلوا منها لإقناع الجيش بعدم مصادرتها وطلبوا من سائقها متابعة سيره بحجة ان السلاح فيها لـ «المقاومة». إلا ان الجيش أصر على اقتياد الشاحنة الى ثكنة أبلح العسكرية وتوقيف سائقها. ولم يصدر بيان عنه في شأن الشاحنة، كذلك لم يصدر بيان عن «حزب الله» كما حصل قبل أشهر حين صادر الجيش شاحنة أسلحة فأكد الحزب انها للمقاومة. وتردد ان اتصالات استمرت طوال يوم امس في شأن الشاحنة ولم يجزم أي مصدر أمني بما اذا كانت محتوياتها تعود الى «حزب الله» او أي جهة أخرى.
وواكبت الأوضاع الأمنية الساخنة في لبنان اتصالات ومواقف سياسية داخلية وخارجية متصلة بها ولا تقل أهمية.
قرار بوش
ففي تطور لافت (يو بي آي)، أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش امس السماح «فوراً» لأساطيل النقل الجوي المرتبطة بحكومة الولايات المتحدة بتسييررحلات من لبنان واليه، ونقل كل أنواع البضائع من والى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت لمواطني الولايات المتحدة. وقال بوش في بيان: «بموجب السلطة الممنوحة لي استناداً الى الدستور الاميركي، وبهدف تعزيز السلام والأمن في لبنان، أعدل القرار (القرارات الرئاسية السابقة) بما يسمح لأساطيل النقل الجوي الأميركي المرتبطة بعقود مع حكومة الولايات المتحدة، بالانخراط في عملية النقل الأجنبي الجوي لنقل الركاب من لبنان واليه». وأوضح ان كلمة الركاب ستشمل «المواطنين الاميركيين وغير الاميركيين وأمتعتهم»، مشدداً على ان ذلك سيشمل «البضائع المرحلة من اجل اهداف انسانية او أي نوع آخر من الحمولات والمواد». وأمر بوش وزارة النقل بـ «تطبيق هذا القرار فوراً، ونشره في السجل الفيديرالي».
السنيورة
وأجرى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة اتصالاً هاتفياً بأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، وضعه خلاله في أجواء التطورات في لبنان، وأبعاد الاعتداء الذي نفذته «فتح الاسلام» ضد الجيش، والاجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية والخطوات التي يتخذها الجيش. وأكد أمير الكويت دعم بلاده مواقف الحكومة اللبنانية واجراءاتها ودعمه للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني ولنصرة قضاياه.
كما اتصل السنيورة بوزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل وعرض له التطورات والمواجهة التي يخوضها الجيش مع «فتح الاسلام» وتحضيرات الحكومة لإعمار مخيم نهر البارد.
وابلغ سعود الفيصل السنيورة «دعم المملكة للبنان حكومة وشعباً في المواجهة مع هذه العصابة الارهابية، التي تتلطى خلف الاسلام، والاسلام منها براء». كما أبلغه ان توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز هي بدعم لبنان والوقوف الى جانب شعبه وحكومته في هذه المحنة الجديدة والمساعدة في كل ما يعيد الأمور الى طبيعتها.
وكانت المعلومات المتسربة عن زيارة وزير الخارجية الايطالي ماسيمو داليما الى دمشق وبيروت خلال اليومين الماضيين، أفادت بأن الأخير طرح على دمشق مقايضة تقضي، كما قالت مصادر واكبت محادثاته لـ «الحياة» بأن توافق سورية على قرار مجلس الأمن الرقم 1757 بانشاء المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتتعاون معها، وان تعترف صراحة وعملياً باستقلال لبنان وتقبل وقف التدخل في شؤونه، وان تتشكل لجنة سورية – لبنانية – أوروبية لضبط الحدود بين البلدين، مقابل توقيع اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وسورية المجمد منذ سنوات، وفك العزلة الدولية عن دمشق ووعد باستعادتها الجولان عبر تحريك مفاوضات السلام. وأوضحت المصادر ان داليما نصح الأكثرية في لبنان بالموافقة على قيام حكومة وحدة وطنية على أساس 19+11 مع المعارضة رداً على حجة دمشق بأن اللبنانيين منقسمون بعد إقرار المحكمة في مجلس الأمن.
والتقى داليما أمس زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون في روما وقال بيان لـ «التيار» انه «تم التوافق على أهمية قيام حكومة وحدة وطنية والاسراع في تشكيلها تلافياً لأي انقسام على عتبة الاستحقاقات الكثيرة المقبلة».
وفيما كان داليما تحدث أول من أمس في مؤتمره الصحافي في بيروت عن امكان المقايضة مع سورية، علّق رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط على تصريحاته، مساء امس قائلاً: «أتمنى أن يكون ما سمعته مجرد هفوة لغوية، حيث قال الوزير داليما أن لا بد من أن تكون هناك مقايضة في العراق وفلسطين ولبنان مع سورية. هذا كلام مزعج، وليست هناك مقايضات، على استقلال لبنان ووحدته، ولا على المحكمة الدولية، ولا على الأمن اللبناني وعلى (اتفاق) الطائف، ولا مقايضة على كل القرارات الدولية، ولا مقايضة في فلسطين على اتفاق قمة مكة».
وأضاف: «المقايضة أو التسوية تكون عندما يتجاوب الأميركيون مع طرح الرجل الكبير الملك عبدالله بن عبدالعزيز حول مبادرة القمة العربية، أي الأرض مقابل السلام. وعندما نذكر كلمة مقايضة، ندخل في البازار…». وتمنى جنبلاط على داليما «المعروف بدماثته، أن تكون هفوة لغوية وأن تكون الكلمة ترجمت خطأ لأنه لم يلبث أن أتى من الشام بالأمس الى بيروت، وأكد دعمه للحكومة اللبنانية ولكن في الوقت ذاته وفي تلك الليلة، أوقف الجيش اللبناني بعض الشاحنات معبأة بالسلاح والذخائر تأتي الى جهة ما في مكان ما، ويبدو انها لاختراع فتنة جديدة فيما الجيش على أبواب إخماد فتنة نهر البارد. والذي سمعه (داليما) في الشام كالعادة، كلام معسول، ولكن على الأرض كله يترجم بأفعال مضادة».
حكومة الوحدة الوطنية
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ «الحياة» ان الاتصالات في شأن حل الأزمة والتي يتولاها سفراء عرب وأجانب، انتهت الى تراجع رئيس البرلمان نبيه بري عن اقتراحه استقالة السنيورة لمصلحة توسيع الحكومة الحالية، بعدما أُبلغ بصعوبة هذا المخرج لغياب الضمانات، وعلى رغم اعلان السنيورة اول من امس ان الاستقالة غير مستحيلة في اشارة منه الى الاستعداد للبحث بكل الأمور شرط التوافق المسبق على الخطوات المطلوبة. وأكدت مصادر في الاكثرية وأخرى في المعارضة ان بري أبلغ داليما وقبله جميع السفراء الغربيين والعرب (لا سيما السعودي) ان المخرج بتوسيع الحكومة على قاعدة 19+11 في شكل يجنب وضع بيان وزاري جديد تفادياً للبحث في سلاح المقاومة، مؤكداً رداً على مطالبة الاكثرية بضمانات مقابل حصول المعارضة على الثلث المعطل ان الاخيرة لن تعطل شيئاً حتى انتهاء ولاية رئيس الجمهورية اميل لحود الخريف المقبل. وتحدثت مصادر في المعارضة عن ان مطلبها هو الحصول على 13 مقعداً وزارياً مقابل 17 للأكثرية.
(الحياة)