لا يستطيع القارئ أن يعثر في رسالة أدونيس الاستجدائيّة هذه على أيّ صيغة تشفع له أمام هول ما يجري في الشّام.كما ليس في رسالته أيّ موقف أخلاقي ممّا تعرضه الشاشات، وما يتسرّب إلى اليوتيوب من صور المجازر التي يرتكبها هذا النّظام البعثي الفاشي.
*
أوّلاً، لا بدّ من الاعتراف:
في الماضي، وعلى وجه التحديد في سنة 1995 كتبت مدافعًا عن أدونيس. لقد حدث ذلك عندما اجتمع ما يسمّى بـ“الاتحاد العام للأدباء العرب“، الّذي حوّل نفسه محكمة تأديبيّة، وأقدم على طرد أدونيس من بين صفوفه. ولقد عبّرت عن موقفي ذلك منشورًا في العدد الأوّل من مجلّة ”مشارف“ الحيفاوية.
أبدأ بهذا الكلام الآن لكي لا أُتّهم بأنّي أكنّ سوءًا لأدونيس لغرض في نفس سلمان. ولا بدّ من التأكيد هنا أنّي لست نادمًا على موقفي في ذلك الأوان. أقول ذلك، لأنّ ما يسمّى باتحادات كتّاب عرب، هنا أو هناك، لم يكن لديها همٌّ في يوم من الأيّام سوى التقرّب من الحكّام والفوز ببعض فتات سلطات العربان المستبدّة.
ولكن، ومن جهة أخرى،
وبعد مرور عشر سنوات، وعلى أثر التوريث البعثي للسلطة في سورية، وما أعقبه بعدئذ من زجّ بمفكّرين ومثقّفين في غياهب السجون السوريّة بتهم باطلة لا يستطيع من يمتلك ذرّة من بصر أو بصيرة قبولها، فقد نوّهت بالصمت الّذي يلفّ بعض المفكّرين السوريّين إزاء ما يحدث في الشام. وقد نوّهت وأشرت إلى الغياب المدوّي لأدونيس إزاء ما يحدث في بلده.
وأقتبس هنا من تلك المقالة ما يلي: ”ولمّا كان أحد تلك الأصوات الغائبة عن السّاحة ناقدًا تراثيًّا ومفكّكًا لغويًّا إضافة إلى كونه شاعرًا لا بأس به، فهو مطالب الآن وعلى الملأ بأن يشرح لمواطنيه السّوريّين المغلوب على أمرهم معنى مصطلح “إضعاف الشّعور القومي”، أو معنى كلام الاتّهام الّذي يقول: “نشر أنباء… من شأنها أن توهن نفسيّة الأمّة”.
وها أنا أتذكّر الآن تلك الحادثة
الّتي حصلت في اليمن قبل سنوات، لما فيها من علامات تشهد على هذا الصنف من الكتّاب العرب الذين يتقرّبون من السلاطين ويتملّقونهم. لقد حدث ذلك في اليمن ”التعيس“ برئيسه وبنظامه.
فها هو الكاتب فخري صالح، في مقالة نشرت أخيرًا، يستعيد ذكريات ذلك اللقاء: ”كانت المناسبة حوارًا ثقافيا عربيا ألمانيا. دعا اليمنيون الروائي والشاعر الألماني غونتر غراس… وكتابا من ألمانيا وناطقين بالألمانية من النمسا وسويسرا. كما دعوا في المقابل مثقفين وكتابًا عربًا أتذكر منهم: محمود درويش، وأدونيس، وعباس بيضون، وصبحي حديدي، وعبده وازن، وأمل الجبوري، وكاتب هذه السطور…“
ويواصل فخري صالح سرد تلك الحادثة: ”لا أدري من من المقربين من الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أقنعه أن يدعو المشاركين إلى بيته… كأنّ الرئيس أراد أن يرد على ما دار داخل القاعة من حديث عن قمع الحريات في العالم العربي، واضططهاد الكتاب والصحفيين في اليمن. أجلس الرئيس غونتر غراس عن يمينه ومحمود درويش عن يساره، وبعد كلمة قصيرة ركيكة قال الرئيس إنه يريد أن يمنح وسام الاستحقاق اليمني للأديب الألماني غونتر غراس. لكن غراس وقف وقال: إنه لا يستطيع قبول الوسام ما لم يعلن الرئيس عن توقف ملاحقة الكاتب اليمني الشاب وجدي الأهدل… طالب غراس بإبطال الحكم الذي ينتهك حرية التعبير وإلا فإنه يعتذر عن قبول الوسام.“
ويمضي فخري صالح في فضح الحادثة: ”فوجئ الرئيس الذي لا يتوقع أن يرفض له أحد طلبًا وقال: إن وجدي الأهدل حكم عليه بالسجن لأنه كتب أشياء تنتهك الأعراف. غضب غراس واستوقف الرئيس قائلا: إن هذا الكلام يؤذيه شخصيًّا لأنه سبق واتّهم بهذه التهمة قبل حوالي خمسين عامًا في ألمانيا، وهو يصر على رفض الوسام. تلعثم الرئيس، مستجديًا الكاتب الأجنبي أن يقبل الوسام …“.
وهكذا نرى كيف قام غونتر غراس،
هذا الكاتب القادم من ألمانيا، بتقزيم كلّ هؤلاء الكتّاب والشعراء العرب في هذا المشهد. فقد كان الأولى بكلّ هؤلاء الكتّاب العرب، وبهم بالذات، أن يقفوا ويرفعوا صوتهم أمام الرئيس اليمني في هذه القضيّة. غير أنّهم لاذوا بالصّمت كما عوّدونا دائمًا، متملّقين في سلوكيّاتهم سلاطين وحكّام العربان.
لا يشذّ أدونيس عن هذه القاعدة،
وعلى ما يبدو فهذه هي حقيقته التي لا يستطيع إخفاءها مهما حاول الاختباء وراء كلام فضفاض يحتمل التأويل على وجوه كثيرة. فها هو ينشر أخيرًا كلامًا أقلّ ما يقال عنه إنّه كلام استجداء للطاغية، طاغية الشام في هذا الأوان.
لا يستطيع القارئ أن يعثر في رسالة أدونيس الاستجدائيّة هذه على أيّ صيغة تشفع له أمام هول ما يجري في الشّام. كما ليس في رسالته أيّ موقف أخلاقي ممّا تعرضه الشاشات، وما يتسرّب إلى اليوتيوب من صور المجازر التي يرتكبها هذا النّظام البعثي الفاشي.
ليشاهد أدونيس في هذا الأوان صور التمثيل بأجساد الأطفال السوريّين. ليشاهد أدونيس صور جنود البعث يرقصون فوق أجساد المواطنين، فربّما يكون لديه ما يقول في هذه المشاهد التي هي خير دليل على طبيعة هذا النّظام. والنّظام في هذا البلد يبدأ بالرأس، وليس من مكان آخر. كذا كان منذ البدء، ولا يمكن أن يكون رأس النّظام إلاّ غارقًا في كلّ هذه المشاهد. ولهذا فإنّ كلام أدونيس الاستجدائي الذي نشره أخيرًا هو كلام باهت يفضح أدونيس نفسه، وربّما كان الأولى به أن يصمت بدل أن يكتب رسالة ذليلة كهذه.
في الحقيقة، لقد صمت أدونيس
على كلّ هذه المآسي من زمان، مثلما صمت غيره ممّن كان المفترض أن يرفعوا أصواتهم في هذا الفضاء العربي الاستبدادي. ولقد نوّهت في الماضي إلى صمت أدونيس، بما يلي: ”إنّ صمته إزاء الجرائم الّتي يرتكبها النّظام القبلي القمعي في وطنه الأمّ كافٍ لكي يتمّ شطب اسمه من قائمة المرشّحين لهذه الجائزة أصلاً. إذ أنّه، وبصمته الصّارخ هذا، يندرج في عداد جوقة الهاربين من المواجهات الأخلاقيّة، ويندرج في عداد المندسّين في بطانات المطبّلين المزمّرين للسّلاطين.“
هذه هي حقيقة أدونيس ومن هم على شاكلته، وليست أيّ شيء آخر.
والعقل ولي التوفيق!
*
نشر في: ”إيلاف“، 17 يونيو 2011
***
إقرأ أيضًا:
”أمّة عربيّة بائدة ذات رسالة دائدة“، فبراير 2005
”ثلاثة مشاهد سوريالية“، يونيو 2007
”مأساة العرب جبن مثقّفيهم“، يوليو 2007
”نكات بعثية غير مضحكة“، أغسطس 2008
”وصمة على جبين طاغية“، أبريل 2011
”الخروج من المأزق السوري“، أبريل 2011
تفكيك أدونيس ومن هم على شاكلته
الى jableh
أدونيس لم يعرف الطائفيةولا الكذب. أنه أصدق من أنبياء الأخوان ولو كان طائفيا لكان النظام السوري منحه التكريم والسلطة ..
يبدو انك لا تعرف أن أدونيس يعيش في المنفى قبل أن تولد أنت..
ولو كان طائفيا لعاد الى الوطن حين تسلم العلويون السلطة..
لكن سبب التهجم على أدونيس أنه يريد لكم الحرية والعلمانية والكرامة وانتم عشتم تحت نظام فاشي لم يتح لكم ان تعرفوا ان البديل هو ليس الفاشية الاسلامية وعبودية الدين وتحويل الأيمان الى ايديولوجيا وشريعه..
تفكيك أدونيس ومن هم على شاكلته الأستاذ سلمان مصالحة مقال طريف. لكن كما يبدو تطغى عليه الحماسة. حادث غراس والرئيس اليمني: الرئيس اليمني أجلس غراس بجانبه. قل لي أي رئيس أوروبي أجلس أحد الأدباء العرب او المسلمين او الفلسطينيين بجانبه؟ لو كانت لرؤسائنا كرامة لتعاملوا بالمثل. هذا الرئيس اليمني يريد بمنحه الوسام تأكيد شرعيته وتملقه للغرب. ورفض غراس للوسام لا يأتي بأي نتائج سلبيه على غراس. لكن رفض كاتب عربي لوسام رئيس عربي سيجعل الرئيس يعتبر ذلك إهانه والنتائج ستكون كارثة على الكاتب العربي.. قيمة الأنسان الغربي أكبر من قيمة العربي في بلادنا.. ثم ماذا تتوقع من أدونيس أن يقول… قراءة المزيد ..
تفكيك أدونيس ومن هم على شاكلته
we know this guy,he is big taifi and big lier