بيروت (رويترز) – قالت مصادر مصرفية وسياسية إنه تم تعديل مقترحات لتشديد العقوبات الأمريكية على جماعة حزب الله بما يكفي للتخفيف من حدة المخاوف من أن يلحق ضرر بالاقتصاد اللبناني فيما يمثل إشارة على أن واشنطن تنظر بجدية للمخاوف على استقرار لبنان.
غير أن شخصيات مصرفية أبلغت رويترز أن السلطات اللبنانية يجب ألا تستكين لذلك لأنه لا يمكن التنبؤ في المستقبل بموقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من إيران وحلفائها ولأن مشروع قانون العقوبات لن يخضع للبحث والتصويت إلى أن يعود الكونجرس للانعقاد في الخريف.
وعندما بدأ تداول مسودات قيل إنها خطط أمريكية لتوسيع التشريعات الخاصة بالعقوبات على حزب الله في لبنان في وقت سابق من العام الحالي حذرت وسائل الإعلام المحلية من عواقب وخيمة على الاقتصاد اللبناني الضعيف والتشرذم السياسي ذي الطابع الطائفي.
ومبعث الخوف الرئيسي لدى السلطات اللبنانية هو احتمال أن تعتبر بنوك المراسلة الأمريكية أن المعاملات مع البنوك اللبنانية تمثل مجازفة. وتواجه البنوك الأمريكية غرامات ضخمة إذا تبين أنها تتعامل مع أشخاص أو شركات مفروض عليها عقوبات.
فسيمثل ذلك إضعافا للاقتصاد الذي يعتمد على الودائع الدولارية التي يحولها اللبنانيون في الخارج.
وقد مارست الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي والبنوك الخاصة ضغوطا كبيرة على الساسة والبنوك في الولايات المتحدة هذا العام ومازالت تمارس ضغوطها لإقناع واشنطن بالموازنة بين موقفها المتشدد المناهض لحزب الله وضرورة الحفاظ على الاستقرار.
وكانت الرسالة الأساسية في هذا الصدد هي أن آخر ما تحتاج إليه الولايات المتحدة دولة أخرى فاشلة في الشرق الأوسط وهي التي تدعم الجيش اللبناني في حربه على امتدادات تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من المتشددين من سوريا.
وربما تكون تلك الجهود قد نجحت. فمشروع القانون الذي قدم للكونجرس في أواخر يوليو تموز لا يتضمن العناصر الرئيسية التي أثارت ما وصفه مصدر مصرفي بالقلق في بيروت.
وقالت مصادر مالية لرويترز إن التشريع المقترح الخاص بحزب الله أكثر تحديدا في تعريف من يستهدفه عند مقارنته بمسودات المقترحات السابقة ولم يعد يعتبر شاملا كل سكان لبنان من الشيعة.
* حزب الله المدعوم من إيران عدو رئيسي للولايات المتحدة
يشارك حزب الله المدعوم من إيران ويتمتع بنفوذ كبير في حكومة الوحدة الوطنية في لبنان غير أن واشنطن تعتبره جماعة إرهابية. ويقول مسؤولون أمريكيون إن حزب الله لا تموله إيران فحسب بل شبكات من الأفراد والشركات اللبنانية والدولية.
وكان قانون منع التمويل الدولي لحزب الله الصادر في أمريكا عام 2015 استهدف قطع مصادر تمويل الجماعة في مختلف أنحاء العام. وفي يوليو تموز اقترح أعضاء في الكونجرس الأمريكي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي تعديلات لتشديد القانون.
وقالت المصادر المصرفية إن تعديلات العام 2017 لا تفرض تشديدا كبيرا للقانون الأصلي الذي استوعب لبنان صدمته الأول ومن المستبعد أن يكون لهذه التعديلات أثر كبير في حالة سريانها.
وقال ماتياس انجونين المحلل بمؤسسة موديز للتصنيفات الائتمانية “حتى الآن نجحت السلطات اللبنانية في الحد من تداعيات العقوبات الأمريكية على البنوك اللبنانية”.
* الضغط
تختلف التعديلات اختلافات رئيسية عن المسودات التي يعتقد أن أعضاء في الكونجرس الأمريكي طرحوها في وقت سابق من العام الجاري. وتعزو المصادر المصرفية والسياسية ذلك إلى الضغوط التي مارستها بيروت.
وقال ياسين جابر عضو البرلمان الذي رأس وفدا سياسيا زار واشنطن في منتصف مايو أيار بعد ظهور الصياغات الأولى لرويترز “من المؤكد أنه مخفف بالمقارنة بالمشروع الذي رأيناه عندما كنا هناك ومن الواضح أن نقاشاتنا أُخذت في الاعتبار… فهو أكثر تحديدا فيمن يستهدفه”.
وتفضل البنوك أن تكون قواعد العقوبات محددة فيما يتعلق بالمستهدفين من أجل تجنب الغرامات غير المتوقعة وتحاشي استبعاد أفراد من الجهاز المصرفي بلا داع.
وتبين نسخة من التشريع متاحة للجمهور اطلعت عليها رويترز أنه على النقيض من الصياغات الأولى فإن التعديلات لا تستهدف حركة أمل الشيعية التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري.
وقالت المصادر المصرفية والسياسية لرويترز إن استهداف حركتي أمل وحزب الله وأتباعهما يمثل مجازفة بتهميش قطاع كبير من المجتمع اللبناني.
وتمنح المقترحات الحالية الرئيس الأمريكي صلاحية تحديد من يجب استهدافه بالعقوبات بدلا من ترك هذه الصلاحيات لمسؤولين أدنى درجة.
كما تتطلب المقترحات فرض العقوبات على أفراد يقدمون دعما ماليا أو ماديا أو تكنولوجيا “كبيرا” لجماعة حزب الله. ولم تكن كلمة “كبيرا” واردة في الصياغة السابقة.
ويمثل الدور الذي يلعبه حزب الله في الحرب الأهلية السورية التي يقاتل فيها إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد سببا للتوتر السياسي في بيروت.
وسبق أن قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إن المحاولات الأمريكية لإضعاف الجماعة لن تفلح.
ويعاني لبنان من واحد من أعلى معدلات الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم وضعف النمو بسبب أثر الحرب الدائرة منذ ست سنوات في سوريا والصعوبات التي تواجهها الحكومة في الاتفاق على إصلاحات ضرورية.
وتسند البنوك اللبنانية الاقتصاد إذ تستخدم ما يودعه المغتربون اللبنانيون من أموال في شراء الدين الحكومي لتمويل عجز الميزانية المتزايد والدين المتنامي.
وقال توبي إيلز من وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية “لم يسبق أن حدثت مشكلة في هذا النظام غير أن المخاطر كبيرة فيه”.
ومن الممكن أن ينضب معين تلك الودائع إذا اعتبرت بنوك المراسلة أن التعامل مع لبنان مجازفة وأوقفت عمليات المقاصة بالدولار للبنوك المحلية.
وتقول المصادر المالية إن الثقة في قدرة المصرف المركزي على تطبيق اللوائح قوية.
غير أن لبنان ما زال بلدا ذا مخاطر عالية على الصعيد السياسي كما أصبحت بنوك المراسلة في السنوات الأخيرة أكثر عزوفا عن المجازفة على المستوى العالمي في الوقت الذي تزايدت فيه التشريعات الأمريكية لمكافحة الإرهاب وغسل الأموال.