الإنفتاح على موسكو وبكين مشروع لم يعد مجرّد “إشارة تحذير” للولايات المتحدة
استباقاً لعشرات مليارات الدولارات التي ستقبضها إيران بفضل الإتفاقية النووية (بعد ٦ أشهر)، فإن مسؤولين ومحلّلين سعوديين يتحدثون عن تسريع المخططات السعودية ليس في اليمن وحدها، بل وفي سوريا أيضاً.
وحسب جريدة “كريستشان سيانس مونيتور“، فإن الشقّ العسكري من الحملة السعودية في اليمن سوف يشمل استخدام “القوات الخاصة” السعودية داخل اليمن، وكذلك توسيع استخدام القصف الجوي السعودي والحليف في سوريا.
وسبق للسعوديين أن أشاروا إلى نيّتهم نشر قوات برية في اليمن، ولكنهم لم يفعلوا حتى الآن. في اي حال، فإمكانية التدخّل البرّي في اليمن، متضافرة مع سعي السعوديين لإقامة علاقات ديبلوماسية أفضل مع روسيا والصين، تمثّل مؤشرات مهمة إلى كيفية تأثير الصفقة النووية مع إيران في النظام الإقليمي في الشرق الأوسط.
وفي حين رحّبت قادة عدة دول عربية، بما فيهم رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة، بالصفقة التاريخية التي تعيد إيران إلى المجتمع الدولي، فإن صمت السعودية كان معبّراً جداً.
فبعد إعلان الإتفاقية، نشرت وكالة الأنباء السعودية بياناً منسوباً إلى ”مصدر رسمي، جاء في أن السعودية كانت دائماً مؤيدة لاتفاقية بن إيران ومجموعة الخمسة زائد ١”، سوى أنها شدّدت على ضرورة مواصلة ”العقوبات على إيران بسبب دعمها للإرهاب”.
ويقول مسؤولون عسكريون ومحللون أن الصفقة النووية ستجعل السعوديين يهرولون لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الميدانية في البلدان المجاورة قبل رفع العقوبات في العام المقبل، الأمر الذي سيوفر لإيران أكثر من ١٠٠ مليار دولار من الأموال المجمدة فضلاً عن مداخيل جديدة يعتقدون أن إيران ستستخدمها لتوسيع ”حروبها بالوكالة”.
ويقول مصطفى العاني، من ”مركز أبحاث الخليج” في جدة: ”سنشهد تصعيداً في اليمن في الأيام المقبلة للحؤول دون نجاح ما يعتبره السعوديون موطئ قدم لإيران في الخليج”.
اليمن أولاً، ثم سوريا
لقد انتعشت آمال الرياض خلال الأسبوع الحالي بعد الإنتصارات التي حققتها القوات الموالية للحكومة في عدن. وباتت الرياض مصمّمة على إرسال عشرات من رجال ”القوات الخاصة” إلى اليمن للمشاركة في القتال من أجل تأمين العاصمة الجنوبية- حسب ما قال مسؤولون عسكريون.
وقال مسؤول سعودي مطلع على العملية سوى أنه غير مصرّح له بالتحدث مع الصحافة أن ”مسار الحرب تغيّر، وبات التحالف مستعداً للقيام بالخطوة التالية لتأمين جنوب اليمن”.
ويقول مسؤولون عسكريون، ومراقبون، أنه حالما يحرز التحالف الذي تقوده السعودية قدراً من التقدم في اليمن، فإن الرياض وحلفاءها السنّة سوف يحوّلون تركيزهم نحو سوريا، حيث نشرت إيران ٧٠٠٠ من جنودها في حين تقدم بلايين الدولارات سنوياً لدعم نظام بشار الأسد.
ويقول السيد العاني أنه ”إذا ما نجح التحالف في اليمن، فالأرجح أنه سيدخل سوريا”.
وقد رفض مسؤولون عسكريون سعودين البحث في أية خطط تتعلق بسوريا، سوى القول بأن الرياض ترغب في استخدام القوة الجوية لتأمين غطاء للجيش السوري الحر، الذي يتلقى حالياً تمويلاً وأسلحة من السعوديين، وكذلك لتوجيه ضربات ”لأهداف تابعة لحزب الله ولإيران“. وكانت مشاركة الطيران السعودي قد اقتصرت حتى الآن على طلعات محدودة ضد ”الدولة الإسلامية” في سوريا.
وتحوّل ديبلوماسي
كان القلق السعودي الذي تم التعبير عنه خلف أبوابٍ مغلقة كافياً لدفع وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، للإعلان عن زيارة قريبة إلى الرياض لتبديد مخاوف آل سعود وللحؤول دون أي تصعيد عسكري.
ولكن المراقبين لا يعتقدون أن الزيارة ستكون كافية للحؤول دون تحوّل أساسي في السياسة الخارجية السعودية. ويقول المحللون أن الرياض ستضع موارد وجهوداً كبيرة لدعم ديبلوماسيتها الرامية إلى توسيع نفوذها إلى أبعد من الولايات المتحدة وأوروبا- أي إلى روسيا والصين.
ويقول سلمان شيخ من ”مركز بروكينغر الدوحة أن ”كلمة ”تنوّيع” جديدة في قاموس العلاقات الخارجية السعودية، وأن إدارة أوباما هي التي نبّهت السعوديين إلى أن عليهم أن ينوّعوا وأن يسعوا للحصول على دعم دول أخرى”.
ويضيف: ”بعد الصفقة الإيرانية، فإن السعوديين سيكونون مضطرين للإنفتاح على الدول الكبرى الأخرى، والسؤال الوحيد هو كيف سيتجاوب الروس والصينيون”.
إستعداد سعودي لانخراط كامل في علاقات جديدة
بدأ التحوّل أثناء المفاوضات مع إيران، عبر زيارة ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان إلى سان بطرسبورغ في شهر يونيو، وتوجيهه دعوة إلى الرئيس بوتين لزيارة الرياض.
والآن، وبدلاً من الإقتصار على إرسال ”إشارة تحذير” إلى الولايات المتحدة، فإن المسؤولين يقولون أن الرياض تستعد للإنخراط الكامل، وقد بدأت بحملة ديبلوماسية كاملة لبناء تحالفات مع موسكو وبيجينغ. ويقول مسؤولون سعوديون أنهم يأملون أنه مقابل توريدات النفط وفرص التجارة والإستثمارات- على غرار استثمار بقيمة ١٠ بليون دولار قامت به السعودية خلال الشهر الحالي في ”صندوق الإستثمار المباشر” الذي تديره الحكومة الروسية مباشرةً- فإن روسيا والصين سوف تخففان من دعمهما للجماعات الموالية لإيران في سوريا واليمن.
ويقول مسؤول عسكري سعودي: ”بعد أربعة عقود، فقد بدأنا أخيراً ندرك أهمية دول العالم الكبرى غير الولايات المتحدة- وهذا يمثّل مدخلاً لوضع حد للنزاعات التي تدعمها إيران في المنطقة”.
”وإذا كانت إيران قادرة على توسيع نفوذها في المنطقة بواسطة الديبلوماسية والتفاوض فنحن بدورنا قادرون على ذلك”.