في الأسبوع الماضي، شن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») هجوماً كبيراً آخر على مدينة كوباني (التي تُعرف أيضاً بـ “عين العرب”)، التي أعلنها الأكراد مقاطعة في شمال سوريا. وتهدد الجماعة الجهادية الآن اكتساح هذه المنطقة، التي يسيطر عليها «حزب الاتحاد الديمقراطي»، الفصيل الكردي السوري الذي يدور في فلك «حزب العمال الكردستاني» – جماعة تركية متشددة. ورداً على ذلك شنت الولايات المتحدة غارات جوية ضد المواقع العسكرية لـ «داعش» حول كوباني. بيد، إن تركيا ،التي انضمت إسمياً إلى قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ضد التنظيم في 5 أيلول/سبتمبر، تراقب المعركة من على الهامش. وترفض أنقرة أيضاً السماح لأعضاء «حزب العمال الكردستاني» بالعبور الى سوريا لمنع سقوط كوباني.
وتجدر الإشارة إلى أنه في تموز/يوليو 2012، سيطر «حزب العمال الكردستاني» و«حزب الاتحاد الديمقراطي» بصورة مشتركة على المناطق الكردية – عفرين وكوباني والجزيرة – في شمال سوريا، وأعلنا عنها مقاطعات. وبينما تحيط «داعش» بكوباني من ثلاث جهات وحيث تقع المدينة على الحدود مع تركيا من جهة الشمال، فإن كوباني هي الأكثر ضعفاً من باقي المناطق، وتقوم قوات من التنظيم الذي أطلق على نفسه اسم «الدولة الإسلامية» بالضغط على المدينة للاستيلاء عليها منذ أكثر من عام. وقد عززت «داعش» جهودها في الأيام الأخيرة، حيث تأمل أن تعوّض الخسائر التي تكبدتها مؤخراً في العراق من خلال إحرازها انتصار محتمل في شمال سوريا.
ومع ذلك، كانت تركيا غائبة بشكل واضح من المعركة على كوباني وتبتعد عن مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» في الوقت الراهن. ويعود ذلك لأن سياسة تركيا تجاه سوريا لها هدف رئيسي واحد له الأولوية على كل شئ وهو: الإطاحة بنظام الأسد. وتحقيقاً لهذه الغاية، تريد أنقرة استخدام المعركة على كوباني لكي تجعل «حزب العمال الكردستاني»/«حزب الاتحاد الديمقراطي» يدركان بأنهما يحتاجان تركيا للحفاظ على وجودهما في سوريا، وبالتالي مزج الأكراد تحت الرؤية الاستراتيجية لأنقرة حول مستقبل سوريا.
وكان «حزب العمال الكردستاني» قد خاض حرباً مع تركيا لفترة دامت عقود من الزمن، قبل دخوله في محادثات سلام مع أنقرة هذا العام. وخلال الحرب السورية تجنب «حزب العمال الكردستاني»/«حزب الاتحاد الديمقراطي» بشكل ملحوظ محاربة الأسد، باختيارهما انتزاع السيطرة على المناطق الكردية والبقاء بعيداً عن الحرب إلى أن بدأت «داعش» تستهدف كوباني. ويبدو الآن أن أنقرة عازمة على جعل الأكراد يطلبون المساعدة الأمنية من تركيا وفقاً لشروطها – أي أنها تريد تخلّي «حزب العمال الكردستاني»/«حزب الاتحاد الديمقراطي» عن خطط الحكم الذاتي في سوريا وانضمامهما إلى التحالف ضد الأسد. بالإضافة إلى ذلك، تريد أنقرة إضعاف «حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا وعودة «حزب العمال الكردستاني» إلى محادثات السلام المستمرة مع تركيا من موقع اليأس. وباختصار، تسعى أنقرة إلى إعادة تشكيل [سياسات] «حزب العمال الكردستاني»/«حزب الاتحاد الديمقراطي» وعملهما من أجل مصالح تركيا الأمنية في سوريا.
لكن، قد تكون لهذه الاستراتيجية آثار سلبية على كوباني. ويقيناً، إن توصل تركيا إلى اتفاق مع «حزب العمال الكردستاني»/«حزب الاتحاد الديمقراطي» قد يخفف من بعض الضغوط على المقاطعة، لأنه يُفترض أن أنقرة قد تسمح للمتعاطفين مع «حزب العمال الكردستاني» بعبور الحدود والمشاركة في القتال. ومع ذلك، فمن أجل إلحاق هزيمة تامة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» ، سيحتاج «حزب العمال الكردستاني»/«حزب الاتحاد الديمقراطي» إلى أسلحة ثقيلة غير متوفرة حالياً في ترسانتهما. وفي غياب تسوية نهائية شاملة مع «حزب العمال الكردستاني» في داخل البلاد، من غير المرجح أن تسمح أنقرة لمثل هذه الأسلحة بالوصول إلى ترسانة «حزب العمال الكردستاني»/«حزب الاتحاد الديمقراطي»، حتى إذا وافق الأكراد على العمل كوكلاء لتركيا في سوريا.
وبعبارة أخرى، تقترب أنقرة بسرعة من الاختيار بين نشر الأسلحة الثقيلة للدفاع عن كوباني أو قبول استيلاء «داعش» على القطاع. إن الاحتمال الأخير قد يزيد من تعرض تركيا لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي يسيطر بالفعل على ما يقرب من نصف الحدود مع سوريا التي تمتد لمسافة 510 ميلاً. وفي الوقت نفسه، سيؤدي سقوط كوباني إلى نزوح حوالي 300,000 لاجئ كردي إضافي إلى تركيا، ليصل إجمالي عدد النازحين السوريين هناك إلى ما يقرب من مليوني نسمة، أكثر من ربعهم من الأكراد. وعندئذ من المرجح أن يتحرك الأكراد المؤيدين لـ «حزب العمال الكردستاني» في تركيا ضد أنقرة، حيث سيعتبروها مسؤولة عن سقوط كوباني. وقد جرت بالفعل مظاهرات في العديد من المدن التركية احتجاجاً على تقاعس الحكومة. وإذا سقطت المقاطعة بالفعل، فإن ذلك يمكن أن يُحدِث اضطرابات كبيرة في صفوف الأكراد الموالين لـ «حزب العمال الكردستاني» في جنوب شرق تركيا ويهدد استقرار البلاد.
التداعيات على واشنطن
أشارت تركيا مراراً وتكراراً أنها ملتزمة بقوة بإسقاط الأسد، أكثر من التزامها بهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية». وبالتالي، فقبل أن تتخذ خطوات ملموسة لدحر «داعش» أو تساعد في الدفاع عن المناطق الخاضعة لسيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي»/«حزب العمال الكردستاني»، تتوقع أنقرة أن تعمل واشنطن على رسم خطة لإضعاف نظام الأسد – تكون من النوع الذي يشمل زيادة الدعم لعناصر المعارضة السورية من غير تنظيم «الدولة الإسلامية». وسوف تتوقع أيضاً التزام «حزب العمال الكردستاني»/«حزب الاتحاد الديمقراطي» بمحاربة النظام السوري. وعلى النحو المبين أعلاه، يكمن هدف تركيا الرئيسي في سوريا في الاطاحة ببشار الأسد، لذلك من غير المرجح أن تؤيد أنقرة تأييداً كاملاً سياسة الولايات المتحدة المتمثلة بإضعاف «داعش» دون استهداف النظام السوري أيضاً. إن أمل أنقرة هو العمل مع واشنطن على تنفيذ سياسات تؤدي إلى إضعاف كلا الطرفين الفاعلين في وقت واحد، لكي تستطيع المعارضة السورية – من غير تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى جانب «حزب العمال الكردستاني»/«حزب الاتحاد الديمقراطي» المطيعان لتركيا – ملء الفراغ الذي سيتركانه تنظيم «داعش» والأسد.
سونر چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب “صعود تركيا: أول قوة مسلمة في القرن الحادي والعشرين” (“بوتوماك بوكس”).