أُسدل الستار يوم أمس الأثنين 5 أغسطس / آب في تركيا على قضية أرغنكون التي شغلت الرأي العام التركي منذ 2007 بإصدار محكمة الجزاء الثالثة عشر في مدينة إسطنبول أحكامها على المتهمين في القضية,
وتراوحت الأحكام بين السجن المؤبد والسجن لفترات زمنية طويلة, إضافة إلى تبرئة 20 متهماً آخرين.
الحسم القضائي لأرغنكون..
الجلسة 675 في قضية أرغنكون التي شهدتها محكمة الجزاء الـ 13 في مدينة إسطنبول يوم أمس الأثنين كانت للنطق بالحكم على المتهمين الذين يحاكمون منذ مطلع 2008, وهم ضباط متقاعدون وحزبيون وصحفيون ورجال أعمال ومسؤولون في الاستخبارات. وكانت التهمة الأساس الموجهة إليهم هي ضلوعهم في التخطيط لعملية انقلابية ضد “حزب العدالة والتنمية” الحاكم منذ انتخابات 2002, وإتيانهم ببعض الأعمال الإرهابية في عدد من المدن التركية تمهيداً للإطاحة بالحكومة التركية.
الأحكام الصادرة عن المحكمة التركية شملت بالسجن المؤبد الأسماء البارزة في التنظيم: رئيس الأركان الأسبق للجيش التركي إلكر باشبوغ, قائد الجيش التركي الأول الجنرال المتقاعد خورشيد طولون, القائد العام السابق للجندرمة التركية محمد شنر أريوغور, القائد السابق للجيش التركي الأول حسن إغسز, الأمين العام لحزب العمال دوغو برينجيك, الإعلامي تونجاي أوزكان, الضابط المتقاعد ومؤسّس الوحدة السرية التابعة لشرطة الدرك المتخصصة في عمليات التصفيات والاغتيالات ولي كوجوك والذي يعد العقل المدبر للتنظيم.. إلخ. أما بقية المتهمين في القضية فقد تم الحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين 3 – 30 سنة.
يشار إلى أن المحاكمة طالت 275 متهماً, كان من بينهم 66 موقوفاً في القضية, والبعض الآخر كان متوارياً عن الأنظار أو تمت محاكمتهم طلقاء, وقد استمعت المحكمة خلال سيرها بالإجراءات إلى 159 شاهداً, بينهم 31 شاهداً بشكل سري.
موقف واشنطن..
أعربت ماري هارف مساعدة الناطق باسم الخارجية الأمريكية عن قناعتها بأن المحاكمة استغرقت وقتاً طويلاً, وأن هنالك لدى ذوي المتهمين قلقا تجاه نزاهة المحاكمة, وأنهم في الخارجية الأمريكية يتابعون القضية عن كثب, ويعلمون أن هنالك مرحلة الاستئناف أمام المحكوم عليهم في القضية, قائلة أن الولايات المتحدة ستكتفي بالمراقبة فقط.
مواقف تركية ..
بعد صدور الأحكام في دعوى تنظيم أرغنكون الإرهابي تعددت القراءات والرؤى المتناولة للموضوع في الأوساط التركية السياسية والإعلامية والقانونية بين مرحبة بالأحكام الصادرة والمتحفظة.
يرى أغمن باغيش الوزير التركي المكلف بملف الانضمام إلى الاتحاد الأوربي بأن تنظيم “أرغنكون” قد تم إنهاؤه, وقد ثبت ضلوعه في التخطيط للإطاحة بالحكومة الشرعية, وأنهم الآن ينتظرون ما سيقول المدافعون عن التنظيم.
أما الرئيس التركي السابق سليمان دميريل فقد أكد بأن قرارات المحكمة ستثير المزيد من النقاشات في تركيا, لأن القضاء التركي جزء من القضايا المهمة في البلاد, معرباً عن أمله في تبرئة غير الضالعين في القضية, وهو إنما يشير بذلك إلى محكمة الاستئناف التي ستنظر في القرارات مجدداً.
أما رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليجدار أوغلو فقد شن هجوماً على المحكمة وطعن في قراراتها, مشيراً إلى ارتهان المحكمة في قراراتها للسلطة الحاكمة, وأنها محكمة خاصة, والمحاكم الخاصة – برأيه – لا يمكنها إصدار أحكام نزيهة ومجردة.
فيما رحب المدعي العام السابق للجمهورية أحمد غوندل بالقرارات الصادرة, ونوَّه إلى أن هيئة المحكمة أصدرت أحكامها على المتهمين وفقاً للأدلة التي بين يديها, وقال بأن يوم إصدار هذه الأحكام هو يوم مهم للغاية من زاوية دمقرطة تركيا.
الكاتب في صحيفة طرف التركية أمره أوصلو قلل من تأثير الأحكام الصادرة على تنظيم أرغنكون, معرباً عن قناعته بأن الأحكام لن تنال من تنظيم “أرغنكون”, وأن التنظيم سيعود إلى هيكلة نفسه مجدداً والقيام بأنشطته, لأن المحاكمة لم تنهِ التنظيم, ولم تزله من الوجود.
أما الكاتب الصحفي أورال جالشلار فأشار إلى أن تركيا تحتاج إلى دمقرطة حقيقية للمؤسسات في البلاد, حتى تتمكن من إزالة وإنهاء هكذا تنظيمات. وبرأيه فإن العسكر لا يزالون يلعبون دوراً سياسياً ما في البلاد, ويتدخلون في السياسة لعدم وجود نصوص قانونية رادعة, كما أن البلاد لم تستعض بعد عن دستور انقلاب 1980 بدستور ديمقراطي يجرد مؤسسات البلاد من شخصيات كقادة تنظيم أرغنكون.
تنظيم أرغنكون..
بعد مقتل الصحافي الأرمني التركي “هرانت دينك”, أمام مقر صحيفته الأرمنية “أغوس”, في حي شيشلي بأسطنبول, يوم 19 يناير / كانون الثاني 2007, بمسدس المتطرف التركي الشاب “أوغور سامسات”, برز إلى السطح الإعلامي والصحافي في تركيا اصطلاح جديد هو “أرغنكون”, وتم البحث فيه وتداوله بشكل مكثف منذ حادثة الاغتيال تلك, ليكتمل جانب من صورة “أرغنكون” بعد ضبط قنابل يدوية في حي “عمرانية” الاسطنبولي في العام نفسه, وتتضح المزيد من التفاصيل عقب معرفة العلاقة بين قاتل “دينك” والجنرال التركي المتقاعد “ولي كوجوك”, الذي قاد خلال الحرب الأرمينية – الأذربيجانية ميليشيا مسلحة ضد الأرمن وقراهم. والحقُّ أن “ولي كوجوك “كان يُنظرُ إليه حينذاك على أنه أحد قادة فرقة الموت التركية JITEM المباركة في أنشطتها من قبل المؤسسة العسكرية التركية, ولكن لم يتبادر إلى الأذهان قطُ أن فعالية ونشاط “كوجوك” يتعدى فرقة الموت تلك, التي تختص بتصفية واغتيال المعارضين للقومية التركية إلى أبعد من ذلك. فهو لم يكُ مجرَّدَ جنرال متقاعد قومجي وفاشي وقاتل, إنما كان أحد القادة المؤسسين لتنظيم أُطْلِقَ عليه اسمُ “أرغنكون”, تيمناً بأحد الملاحم التركية القديمة, التي كان انتصر فيها آباء وأجداد الأتراك الحاليين على أعدائهم في آسيا الوسطى, قبل قدومهم إلى آسيا الصغرى.
“أرغنكون “تنظيم سري إرهابي يعمل في الخفاء وتحت الطاولة, وممتد عمودياً وأفقياً وبشكل أخطبوطي في مفاصل الدولة التركية ومنظمات المجتمع المدني التركية, وقائم أكثر على القِران مع المجرمين والفارين من العدالة التركية, وهي متورطة في العديد من التفجيرات وعمليات الاغتيال في الداخل التركي وخارجه. ولكن يبدو أن “أرغنكون” لم تكتفِ بذلك, بل كانت تتطلع إلى دور مناسب لقامتها التي طالت أكثر من اللازم, نتيجة لتغطية مؤسسات الدولة التركية عليها, وعدم جدية مؤسسات الدولة التركية في شن حرب على التنظيمات الإرهابية النامية كالطحلب في الظلام. سيما وأن العديد من الأحداث التي شهدتها تركيا خلال العقدين الأخيرين كانت دائماً تُقيَّدُ ضد مجهولين, ولم تكُ مؤسسات الدولة التركية تهتم بالكشف عنها, أو إعلان الحقائق للرأي العام في تركيا. وهكذا تم تسجيل اغتيال أكثر من مائة صحفي في تركيا خلال عقد التسعينيات فقط ضد مجهولين, وتم تسجيل واقعة فندق “ماديماك” بسيواس ضد مجهولين, وتم تسجيل أحداث محلة “غازي” بأسطنبول ضد مجهولين.
mbismail2@gmail.com