يعتبرها حسين خليل معاون السيد نصر الله السياسي «تدبيراً محدوداً» فيما يعتبرها الشيخ نعيم قاسم نائبه تدبيراً موضعياً يتعلق بالمقاومة، «لكن العماد عون يجدها خلقت «واقعاً جديداً» على الباقين التكيف معه والا فاتهم، ووئام وهاب لم يكن الوحيد الذي وجدها نصراً وغلبة».
انها حرب بيروت التي حدثت بدون قتال تقريباً. لم يعط حسين خليل للمعركة سوى حيز صغير من بيانه أما الحيز الأوسع فأعطاه لتحضيرات الموالاة في يوم الاضراب الذي سبق المعركة، استطرد في ذكر القوى التي استقدمت من الشمال والكمائن التي أعدت على السطوح والقنابل التي ألقيت او اعدت لتلقى. من البيان نفهم ان «المعركة» هنا ونعرف ان عملية بيروت المحدودة كانت جواباً على اعتداء غير محدود لتيار المستقبل نفذ أو أعدّ في يوم سبق. أما أين تبخرت هذه القوى والكمائن في اليوم التالي وكيف اختفت تقريباً فأمر لا يجلوه المعاون السياسي وربما لا يجده في حاجة الى جلاء. لم تكن هناك معركة بل اجتياح احتاج الى ساعات قليلة هي الوقت الذي تحتاجه عمليات، اذا عدنا الى عدد «السفير» يوم السبت 17 الجاري، فهمنا أنها قتل وتخريب ومداهمة واعتقال وتعذيب وشتم شخصي وغير شخصي وتخريب واحراق واحتلالات وسرقات او شبهات سرقة. هذه عناوين اعتذر عنها صحفيون مؤيدون للمقاومة بالقول «انها الحرب»، واعتذر عنها سواهم بالتشديد على الاسباب الداعية لها (القرارين).
لن نعود الى الموازنة بين «القرارين» الدونكيشوتيين والعملية الحربية نفسها فقد صب كلام كثير هنا، وتساءل كثيرون عن وجه الصلة بين القرارين والحرب وكيف يؤدي هذان الى تلك. لكن هذه هي حجة حزب الله، وهو هذه المرة ايضا يحتج بأنه في موقع الدفاع، وأن ما بدا هجوما ليس كذلك الا في الظاهر، اما في بواطن الأمور فهو ليس سوى «دفاع استباقي». كان الأمر هكذا في حرب تموز، استبقت عملية حزب الله حرباً مرسومة وفرضتها على الخصم قبل أوانها وقبل ان يستكمل عدته لها. اما المرة فاستبقت عدوانا على المقاومة عنوانه القرارين. لا نعرف بأي قوة كان يمكن شن هذا العدوان، وخاصة بعد ان ظهر ان ليس هناك من قوة للدفاع ولا الهجوم. لكن السؤال نفسه ليس وارداً، فان الانظمة الشمولية هي تلك التي تتكلم دائما بلغة المهددين (بفتح الدال)، وهي التي تنسب للمعارضة المقهورة المرمية في السجون قوى سحرية وتجد في ضعفها دليلا اضافيا على خبثها وتآمرها وخطرها. القوى الشمولية هي دائماً في موقع دفاع وفي استعداد لدفاع استباقي او ضربة وقائية. قوة الخصم الفعلية لا تهم في هذا المجال. ليس ضعف «تيار المستقبل» حجة له ولا يشكك في حقيقة التهمة المنسوبة اليه. كما ان المس الكلامي بالمقاومة مثله مثل المس الفعلي ولا يهم انه قاصر ولا يقدر على اكثر من المحاكمة اللفظية. انها فروقات لا يراها حزب الله مثلما لا يرى الفارق بين اميركا وبين من تدعمه اميركا، بل لا يرى الفرق بين اميركا واسرائيل من جهة ومن تدعمه اميركا من جهة أخرى. هنا لا مكان لفروقات او خصوصيات او صفات. ما كان يسميه لينين العدمية القومية يمكن ان ينقلب هنا الى العدمية السياسية، لا تفاوتات ولا خصوصيات ولا ميزات ولا تباينات بل ولا حدود. بعد حرب تموز سرعان ما انتفى الفرق بين الموالاة، بين حكومة السنيورة واميركا، وبما ان الفارق أساس منتف بين اميركا واسرائيل فان المعادلة هي ان حكومة السنيورة هي اميركا واسرائيل، وبامكاننا بقدر من الحذف ان ننتهي الى معادلة أبسط هي ان حكومة السنيورة هي اسرائيل. وعليه فلا حاجة الى سبب للهجوم على الموالاة، انها اسرائيل أمامنا ولا نحتاج الى عذر للحرب عليها، اسرائيل باسم لبناني لكن ما الفرق.
كان انطون سعادة يتكلم عن يهود الداخل وهم في الغالب في نظره اخطر من يهود الخارج، لسنا هنا بعيدين عن مقولة سعادة. لا تحتاج المقاومة الى عذر او سبب لتهاجم صهاينة الداخل، المطلوب فقط هو التوقيت الصحيح وهو دائما توقيت استباقي فمن يعرف خصمه لا ينتظر حتى يملك القوة عليه، ومن الخير ان يهاجمه وهو اقل استعداداً.
على هذا يتحول ضعف الخصم الى حجة عليه لا له. لقد أحسن حزب الله اختيار اللحظة وليس أدل على حسن الاختيار من عجز الخصم وقلة بأسه. الحرب هي الاصل ما دام «العدو» في الداخل هو ذاته العدو في الخارج، اما المعركة فلا تحتاج الا الى حسن التدبير وحسن الاستعداد وحسن التوقيت. كان العماد عون يقول ان دعم اميركا للموالاة لا يعني ان لها قوة اميركا. هذا كلام صائب بالطبع وهو يشير الى الفرق، على مستوى القوة على الأقل، بين اميركا ومن تدعمه. لا ينتبه العماد عون الى ان ثمة فارقا سياسيا محتملا بين أميركا والموالاة، التفاوت السياسي بين اميركا ومن تدعمه لا يهم العماد عون بقدر ما يهمه تفاوت القوة. لكننا لا نعرف الى الآن اذا كان العماد عون مهتما بسياسة اميركا قدر اهتمامه بقوتها او بما يمكن ان تمنحه من قوة لخصومه. اذ لا نعرف كيف ينظر سياسياً الى اميركا، هل هي الاستكبار العالمي أو الشر الأكبر ام ماذا؟ حزب الله غير مهتم بقياس القوة فما يهمه هو الحكم السياسي الشرعي وما دام السنيورة في هذا الحكم لا يختلف عن أولمرت. اذا كان عالم الاستكبار واحداً ومتساوياً بدون أي تفاوتات وتباينات وخصوصيات فان خصم الداخل هو ذاته العدو والحرب هي الأصل. ولا يهم سببها، لا يهم ان يكون السبب مكافئا او متوازنا ما دام الأمر كذلك ولا يهم عندئذ البحث في الأسباب. فالمهم والأساس هو العدمية السياسية التي ترى ان الاستكبار سطح واحد وليس بين الداخل والخارج فيه أي حد. ليس على المجتمعين في «قطر» ان يخوضوا نقاشا نظريا لكن التمييز بين جنبلاط والسنيورة وأولمرت قد يكون بداية الحل. ان نزع فتيل الحرب يبدأ من هنا. فحين لا تعود قريطم والمختارة وتل أبيب واحداً يمكن ان تبدأ المصالحة، وكيف يمكن لها فعلا ان تتم اذا بقي هذا الاعتبار قائماً. كنا نظن ان «التخوين» والمطابقة بين اميركا واسرائيل والموالاة من باب التشبيه، وفي التشبيه مسافة بين طرفي التشبيه ووجه شبه، أي ليس بينهما مماهاة ومماثلة. المماهاة والمماثلة بين طرفي التشبيه لا يحملان على سلامة عقلية وعندنا ان الحزب غير متهم في عقله. هذا الى ان وقعت الحرب. لست من حكّم قراءة بسيكاناليتيكية ولا هذا من اختصاصي. أوثر ان اسمي ذلك بلغة لينين عدمية سياسية.لم يكن التخوين من باب الحض والتحريض وهما غرضان بلاغيان. كان مأخوذا بحرفه بدون أي بلاغة. لا يميز حزب الله بين حربه على اسرائيل وحربه على الموالاة. واذا صح هذا فإننا لن نخرج الى نتيجة او تفاهم، وإذا لم يصح، او روجع فيه، فاننا قد نجد اول الطريق.
«انها تدبير محدود» و«موضعي». هذا التقييم ليس بالقياس الى طبيعة المعركة التي لم تكن محدودة بحال لقد شملت بيروت والجبل وانتهت باستسلام كامل للخصم في كليهما. العملية محدودة بالقياس الى «تقدير» حزب الله المعلن الذي يريد ان يقول ان المعركة لا تعادل «المقاومة» وليست من أساسياتها. هذه مقولة نرجع اليها، اما الآن فنقول ان مصدر العجب هو مجازفة حزب الله في معركته «المحدودة» هذه بانجازه الاساسي، لا بد ان حزب الله مثل لكل «المقاومات» في نجاح مذهل بالمزاوجة بين السياسة والثورة بدون أي تنازل استراتيجي وبدون أي ممايزة معلنة بين الاثنين. انه صاحب تجربة استثنائية في السياسة انتهت بالتحاق نصف المجتمع اللبناني بسياسته الثورية وبمقاومته، علماً بأن جانبا من تحالفه لم يأت من اتفاق على الاساسيات في سياسته ومقاومته. «التيار الوطني الحر مثلاً». كانت مقاومة حزب الله فريدة بحصولها على شرعية تعادل الدولة وبارتكازها الى المعادلة اللبنانية نفسها. لقد حاز المجتمع الموازي والانتي دولة على قوة وشرعية لم تعادل الدولة فحسب بل جردتها تقريبا من شرعيتها. لم يكن وجود حليف مسيحي في قوة التيار الوطني الحر رديفا شعبيا فحسب بل رديف تاريخي ايضا. لقد جعل «الايديولوجيا الاستقلالية» التي تجددت بتأييد المسلمين السنة بدون غطائها التاريخي التقليدي، وضيع السجال السياسي وأدخله في فوضى عارمة وضعف في الحكم وفقدان للقواسم. والسؤال هو: لماذا يجازف حزب الله بكل ذلك؟ ولماذا ينيط بقتال في غير موضعه ان يوصله الى ما كان في حوزته اصلا وبما يستطيع بالسياسة ان يحصل على اكثر منه؟ لا ننسى انه بـ «التعطيل» وهو ايضا ممانعة قد وضع المجتمع والدولة امام خيار وحيد. ازدواج الدولة والمقاومة وكان يعول على الانتخابات لتثبيته.
لماذا المجازفة بنجاح انقذ حزب الله من المصير الموحش لابن لادن ومن التورط المباشر لحماس. هل هي «فورة» غضب ورد فعل وبالتالي زلة انفعال لا يعترف الحزب بها وهو الذي لم يسبق له اعتراف مماثل. فولاية الفقيه كما هي ديكتاتورية البروليتاريا لا تخطئان وإن اخطأتا، الثانية بمقياس «التاريخ» والاولى بمقياس الحكم الالهي. طالما اصر السيد نصر الله على ان الحزب يتصرف بعقل وحساب ولا ينساق الى فورة غضب، خاصة اذا كلفته هذه، في المدى الاستراتيجي، شرعيته وشرعية مقاومته، او وضعتهما على المحك. حزب الله يتصرف منفرداً ويتصرف بجرأة، لكنه لا يغامر بتجربته السياسية في حملة «تأديب» واستعراض قوة فحسب.
من دارجنا السياسي ما يتواتر عن «الاجماع» على المقاومة او حاجة المقاومة الى اجماع وطني. لم يكن هذا صحيحاً في يوم ولكن جعلته «رطانة سياسية» بديهيا. لم يحظ حزب الله في اولويته حتى بإجماع شيعي. لقد انفرد بالمقاومة، ومهما كانت حيثيات الانفراد فإن هذا لا يسمى اجماعاً، لم يكن «الجنوب» دائما حاضن المقاومة خاصة عقب تجربته المرة مع المقاومة الفلسطينية ومواجهتها بالسلاح. ومن الدارج والعامي السياسيين ما تواتر عن اجماع وطني عليها فهذا من اختراع الصحافة والسياسيين والعقل الاحتفالي. لم تحظ المقاومة بهذا الاجماع في اي من حروبها بما في ذلك حرب تموز الاخيرة، وكانت فيها جميعها منفردة مبادرة محتكمة الى نفسها وقوتها اولا. انها سلاحها وأمنها ووجودها المسلح اولا وكل يجد بعد ذلك ملحقا به، المجتمع الذي يتحول الى «بيئة أمنية» والسياسة والشرعية و«التأييد الشعبي»، كل هذه امور مستتبعة للقوة المسلحة التي هي اساس الحزب، وجميعها متحركة وقابلة للتعديل.
يصعب ان نصدق ان ماكينة مسلحة بهذه القوة غرضها السلم او ان السلم هو بيئتها المثلى، اذا كان السلم يخدم سياستها وعلاقتها بالمحيط فإن الحرب تدعم قوتها في نفسها. انها بحاجة الى حروب والى انتصارات، تلك هي ملحمتها وانشودتها. السياسة بهذا المقياس والشرعية الجماهيرية قد تكونان اضعافا او مجازفة بالعصبية والتماسك الداخليين اذا تراخى الزمن، وقد بدأ الزمن يتراخى على آخر حرب خاضها حزب الله. حرب بيروت السهلة والسريعة قد تخدم في تجديد النسيج العسكري والأمني.
انها حرب ككل الحروب، يظن مثقفو النخبة ان للمفردات السياسية في قاموس حزب الله المعاني التي لها في قاموسهم. يظنون ان للاستبداد والتوتاليتارية والحرب الاهلية لدى حزب الله ذات المعاني الجارية في التاريخ الغربي. يبادلونه قاموسه التحريري «المقاومة الوطنية للاستعمار» بقاموسهم الليبرالي، الحقيقة ان هذه المبادلة غير متكافئة. يخاف حزب الله من الفتنة التي لها مجرى في ثقافته (القتال بين المسلمين) اما الحرب الاهلية فليس لها ذات المجرى. الثورة مرادف للحرب الاهلية وليس عند لينين وحده، وعندما يقسم الاستكبار بين شقي المجتمع، وعندما يتماهى قسم من المجتمع مع العدو فإن الحرب الاهلية لا تعود رجسا. ان ازدواج الدولة والمقاومة ليس الحال المثالية للمقاومة التي لا يحميها سوى دولة المقاومة. انها مقاومة منفردة في طائفتها وجهازها وايديولوجيتها وكل هذه تجعلها استثناء، ولن ترتاح الا بدولة رديفة كتلك التي كانت أيام الوصاية السورية، لكنها لن ترتاح ايضا الا اذا كانت الاقوى. وحين تكون الدولة معادية كما هي الآن فإن اضعافها بضربة وقائية كالتي حدثت في 9 أيار وتحطيم قوتها الناشئة أمر غير مرفوض عسكرياً. قرار شبكة الاتصالات همايوني كما سماه الرئيس بري، لكن دلالته الرمزية هي استعداد الدولة لتواجه ولو بشرعيتها العارية. كان هذا يعني مواجهة المقاومة بالدولة، انه اختيار صوري لكن حزب الله فهم منه ان ثنائية الدولة والمقاومة امر دقيق يحتاج كل وقت الى تدخل والى هزة عصا ولا يمكن التغاضي حتى عن تجلياته الرمزية. لقد ضغطت الدولة وهذه فرصة لاعادتها اضعف مما كانت. الدولة معادية ينبغي دائما اخافتها ومحاصرتها.
اظهرت عملية ايار ان الدولة بلا قوة، لم تحاصر السرايا ودار الفتوى وبيوت النواب فحسب. لكن الاستضعاف الفعلي كان للجيش الذي بدا رغم نصر البارد، بلا حول، وكان القوة الوحيدة التي خسرت ايضا بدون قتال. لقد وُضع كل طرف في حجمه واعيد اضعف مما كان، فيما بدا ان حزب الله هو الاقوى وهو الذي انتصر على القوى مجتمعة. بعد نصر البارد والاتفاق على ميشال سليمان وبداية اهتزاز في الشارع المسيحي كان ينبغي القضاء في المهد على فكرة وجود قوة موازية لحزب الله. القراران حملا هذه الاشارة، وربما صدّق حزب الله أن تيار المستقبل يسعى لتأسيس قوة وجب ضربها قبل ان تستفحل، لذلك كان الرد سريعا. كان لا بد من تنفيذ تهديد ضمني عبر عنه السيد نصر الله في بيانه الاخير «لو كانت لدينا نية الانقلاب، لكنتم استيقظتم في الصباح في السجون او مرميين في البحر» (الارجح انه استشهاد من ولي الدين يكن). لم يوضع الحريري وجنبلاط والنواب في السجن ولم يطرحوا في البحر، لكنهم اطبقوا عليهم ووضعوهم تحت الحصار، لم يكن التهديد تهويلا، من الآن الجميع تحت رحمة الحزب وقضي في المهد على فكرة قوة اخرى.
لماذا رغم ان الانتخابات على الأبواب وبوسع الحزب ان يحتكم إليها، ورغم ان ميشال سليمان مرشح توافقي وينتظر انتخابه في اي حين. لكن هذا بالضبط ما يحفز حزب الله على التدخل، انها اللحظة التي يظهر فيها قوته. انه لا يربط مصيره بالدولة المقبلة ولا يكفي ان يشترك فيها ليتخلى عن استقلاله وانفراده، وكيف جرت الانتخابات فستجري تحت وطأة هذه القوة، التي وإن لم تظهر حينها، فإن تجاهلها بعد هذه الموقعة لن يكون ممكنا وستكون بهيبتها وحدها المقترع الاول، ثم ان عملية 9 أيار كانت كافية ليفهم الرئيس المقبل والجيش من ورائه، واي قوة في اي سلطة، ان لا مجال للتفكير بإمكان مواجهة حزب الله، على الدولة المقبلة من الآن أن تضع شرعيتها مقابل شرعية المقاومة وتعلق نهائيا مسألة ازدواج الشرعيتين وازدواج السلاحين.
اما المتسائلون عن مجازفة حزب الله فينسون ان تاريخه مليء بالمجازفات، وكان بقوته قادراً دائما على النفاذ منها. بقوته هذه استطاع ايضا ان يكسب جماهيريته وبها يستطيع مجددا ان يعيد كسبها، ليس ثمة من خطر كبير على هذا الصعيد.
تحلم الموالاة بأن تطرح سلاح حزب الله. لقد اخترق المعادلة بالطبع، كما لم يستطع القراران ان يفعلا شيئا. لن يستطيع احد جر حزب الله الى المحاكمة، لا يبدو عليه في كل حال انه خسر. ميشال عون يسمي ما حدث واقعاً جديداً وطلال ارسلان يحيى المقاومة ووئام وهاب يتكلم عن النصر. لم يخف احد، من المعارضة، من استقواء حزب الله، بالعكس افتخروا به كما لو انه كان من صنعهم. حزب الله بدا الاكثر تواضعا لكن هذا التواضع ايضا ذو حدين. تكلم السيد نصر الله عن الانقسام السياسي، قال انه لم يعد يخاف الفتنة، الانقسام اذن سياسي بين المتصهينين والوطنيين وليس طائفيا ولا خوف من الطائفية الوسخة. الصراع اذن سياسي «نظيف» والحرب سياسية «نظيفة». ليست اختراقا ولا تجاوزاً للحدود. الا يعني ذلك ان لا ضير من تكرارها. ثم انها حرب محدودة. ليست نصراً ولا غلبة ولا واقعا جديدا. انها عملية موضعية، لا غير. لا داعي لتكبيرها والتهويل بها. انها مجرد تدخل بسيط، الا يمكن ان يعني ذلك ان بالامكان اللجوء الى مثلها، الى تدابير محدودة وموضعية عند الحاجة وعندما تتطلب الظروف.
ميشال عون يؤكد ايضا ان الانقسام سياسي وانه المدخل النظري لقبول «انتفاضة بيروت» كما تسميها واحدة من محطات التلفزيون. اذا كان الصراع سياسيا لا يعود يهم اذا كان بالكلام او بالسلاح، ويمكن عندئذ توليد واقع جديد بالقوة. أليس هذا جديداً في فهم السياسة، مع ذلك يمني المسيحيين بأن «التفاهم» ابعد عنهم هذه الكأس. الا يريد العماد عون للواقع الجديد ان يشمل ايضا المناطق المسيحية، ام يريده فقط في المناطق المسلمة. «يلوح عون بتفاهمه مع حزب الله اكثر مما يلوح ببرنامجه، في الحقيقة غدا البرنامج الذي يستلهم خلاصات «غربية» عتيقا. لم يبق من سياسة عون سوى مسألة التفاهم هذه. انها وحدها سياسته الحالية وكل ما غير ذلك يتعلق عليها: المقاومة، الموقف من الغرب الاميركي والاوروبي، سوريا، ايران، كل هذه لا يجزم فيها عون بشيء، لكنه يساير فيها حزب الله على طول الخط: حرب تموز، معركة بيروت، الضباط المعتقلون، المحكمة الدولية، الاعتصام، سلاح حزب الله، التنديد بالغرب الاميركي والاوروبي وبالدول العربية، مسايرة سوريا. لقد اتى حزب الله وميشال عون من سياستين مختلفتين بل ومتناقضتين، اما الآن فثمة سياسة حزب الله ومقابلها مسايرة حزب الله. على الذين ما زالوا يفكرون ان السياسة نقاش وضغط وتفويض انتخابي ان يتعظوا.
السفير