أعلنت مؤسسة القذافي التي يرأسها نجل الزعيم الليبي تخليها عن العمل السياسي والحقوقي وحصر أنشطتها بالأعمال الخيرية، هذا الأمر أعتبره المحلل السياسي حسني عبيدي ـ في حوار مع دويتشه فيله ـ مؤشرا على خيبة أمل التيار الإصلاحي.
أنشأت “مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية” عام 1999، وتعتبر نفسها هيئة “غير حكومية” تقوم بأنشطة تنموية وإنسانية وكذلك تنمية ثقافة حقوق الإنسان، ويرأسها نجل الزعيم الليبي سيف الإسلام القذافي. وهي مؤسسة أثارت في السنوات الأخيرة اهتمام المراقبين لتطورات الشأن الليبي بدفاعها عن برنامج إصلاحي حداثي، كالمطالبة مثلا بوضع دستور للبلاد وبتوسيع حرية الصحافة وتعزيز حقوق الإنسان في ليبيا.
ولتسليط الضوء على خلفيات قرار المؤسسة الابتعاد عن حقل الإصلاح السياسي والتركيز على العمل الخيري فقط، أجرت دويتشه فيله الحوار التالي مع الدكتور حسني عبيدي مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي ودول المتوسط في جنيف.
دويتشه فيله: ما هي قراءتك لقرار مؤسسة القذافي التي يرأسها نجل الزعيم الليبي سيف الإسلام، التخلي عن العمل السياسي والحقوقي والتركيز على الأنشطة الخيرية فقط؟
الدكتور حسني عبيدي: إعلان مؤسسة القذافي التخلي عن النشاط السياسي والحقوقي هو إشارة إلى خيبة أمل المعسكر الإصلاحي نتيجة عدم تحمس القيادة الليبية والعقيد القذافي نفسه لإدخال ولو جرعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية كما يطالب بها سيف الإسلام منذ سنوات. إلا أنه يبدو أن الأمور لم تحسم بعد، باعتبار أن العقيد القذافي يعي جيدا أهمية الجيل الجديد، جيل الشباب الذي يطالب بتغيير النمط السياسي والاقتصادي والاجتماعي داخل الجماهرية.
هذا القرار المفاجئ جاء بعد يومين من إصدار “جمعية حقوق الإنسان” التابعة لمؤسسة القذافي تقريرها الثاني حول حقوق الإنسان في ليبيا، أسفت فيه لتسجيل “تراجع خطير في مؤسسات المجتمع المدني”، كيف ترى تزامن هذين الحدثين؟
سبق لمؤسسة القذافي للأعمال الخيرية بكل فروعها، خاصة الفرع الخاص بحقوق الإنسان، أن نظمت لقاءا مفتوحا بين أهالي مذبحة أبو سليم في بن غازي، وحضر هذه المناظرة بعض ممثلي المنظمات الحقوقية الدولية كهيومان رايتس ووتش التي زارت أسر الضحايا، هذه المناظرة لقيت انتقادا لاذعا من قبل المحيط المقرب من العقيد القذافي.
ورغم وعود وتطمينات سيف الإسلام بأن الأمور ستتغير وبأن الانتهاكات الحقوقية التي عرفتها ليبيا خلال السنوات الماضية لن تتكرر، إلا أن هذه الوعود لم تتحقق، بل بالعكس فقد مني الوضع الحقوقي في ليبيا بانتكاسات جديدة. ثم إن سيف الإسلام سبق وأن أعلن اعتزاله التام للحياة السياسية، ربما حتى يبعث رسالة قوية إلى والده، لكن الواضح الآن أن الأمور لن تتغير داخل المعسكر الراديكالي في السلطة الليبية.
أعتقد أن سيف الإسلام يحاول بهذه الخطوة ربح المعركة الإعلامية، وربما استعطاف الجماهير الليبية، خاصة الشباب الذين يطمحون إلى التغيير، ودفع العقيد القذافي إلى الالتفات إلى اهتمامات الشارع الليبي.
ما هي تداعيات هذا القرار على دور المجتمع المدني الضعيف أصلا في ليبيا، إذا ما افترضنا أن مؤسسة القذافي جزء من المجتمع المدني بحكم موقع نجل القذافي في النظام الليبي؟
هناك اقتناع بأنه لا توجد هناك أية بنية يمكن تسميتها بالمجتمع المدني، أو المنظمات غير الحكومية في ليبيا. لكن هناك استبشار، على الأقل، بمؤسسة سيف الإسلام باعتباره ابن العقيد القذافي، وكذلك تصور أنه ربما يكون أكثر الأبناء كفاءة لقيادة ليبيا بعد اختفاء أبيه.
المبادرات الإصلاحية التي سبق لسيف الإسلام القذافي وأن أعلن عنها كانت تفاجئ المراقبين بجرأتها، فهل ساهمت في إحداث انفتاح فعلي داخل نظام الحكم الليبي أم أن الأمر لا يعدو أن يكون دعاية إعلامية وتوزيع للأدوار؟
للأسف عملية توزيع الأدوار غيبت دور المعارضة ودور الإصلاح الذي أنيط بنجل القذافي. إن سيف الإسلام لعب دور القناع الدبلوماسي المقبول دوليا وإقليميا، واستطاع تحسين صورة ليبيا في الخارج. فقد تمكن من مفاوضة الإسلاميين من أجل العودة إلى الجماهرية، وفعل نفس الشيء مع بعض المعارضين اليساريين للنظام، كما ساهم في إطلاق سراح العديد من المعتقلين من السجون الليبية. إنه في نهاية المطاف قدم خدمات للنظام الليبي وديمومته أكثر مما فعله للمجتمع المدني الليبي، إن وجد هذا الأخير أصلا.
ولكن هناك قناعة لدى الشارع الليبي بأن التغيير في الجماهرية نحو الأفضل، بمعنى التوزيع العادل للثروة، والانفتاح السياسي على المجتمع الليبي، لا يمكن أن تقوده إلا نخبة لديها “الشرعية الثورية”، أي النخبة التي تملك سلطة القرار، في ظل عدم وجود أحزاب سياسية أو نقابات. كما أن المعارضة الليبية نفسها منقسمة على نفسها وعاجزة عن الحديث بلغة واحدة.
هناك تعويل كبير على التغيير من فوق ومن داخل النظام. وعلى هذا الأساس فإعلانات سيف الإسلام المتكررة وشعوره بخيبة أمل كبيرة هو شعور بالانهزامية أمام قوة وسلطة التيار الراديكالي، تجعلنا نستنتج أن التغيير في الجماهرية ليس ممكنا الآن.
ولكن ما هي مكونات التيار الراديكالي وما هي رموزه وهل يمثله العقيد القذافي نفسه؟
الحرس القديم هو المعسكر غير المتحمس للإصلاحات ويتكون من مجموعة من الضباط ولكن أيضا أعضاء ما يسمى باللجان الثورية من رفقاء العقيد القذافي. وهناك أيضا مجموعة أخرى استفادت من العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على ليبيا، وأقنعوا العقيد القذافي بأن العالم يريد الشر بليبيا، وأن البلاد لا يجب أن تنفتح كثيرا.
أجرى الحوار: حسن زنيند
مراجعة:عبده جميل المخلافي