في 23 حزيران/يونيو حُكم على ثمانية نشطاء شيعة بحرينيين بالسجن مدى الحياة — وكان هذا هو الأحدث في سلسلة من مساعي الحكومة البحرينية لقمع الانتفاضات الشعبية المستمرة. وفي بيان يوم الجمعة دافعت المنامة عن هذه الأحكام مُدعية أن النشطاء كانوا قد أُدينوا بــ “التخطيط للإطاحة بحكومة البحرين باستعمال العنف” و “نقل معلومات حساسة لمنظمة إرهابية في دولة أجنبية.” غير أنه حتى في وجه هذا القمع الحاد كانت إيران الشيعية عاجزة أو غير راغبة في مساعدة أهل ملتها في البحرين. ونتيجة لذلك يمكن أن تؤدي الأزمة إلى انخفاض كبير في نفوذ إيران السياسي لدى الشيعة العرب، وفي الوقت نفسه تسبب مشاكل خطيرة في علاقات طهران مع الحكومات العربية.
رؤية طهران لـ”الربيع العربي”
كانت إيران راضية تماماً من الانتفاضات في تونس ومصر — وفي الواقع، عرضها المرشد الأعلى علي خامنئي وغيره بأنها جزء من الصحوة الإسلامية الإقليمية المستلهمة من ثورة إيران عام 1979. ولم تُقم طهران أية علاقات دبلوماسية مرئية مع القاهرة لفترة دامت ثلاثة عقود قبل اندلاع الثورة المصرية. كما أن علاقتها بتونس لم تكن جيدة هي الأخرى، ويعود ذلك جزئياً إلى خشية تونس من سعي طهران إلى استخدام البلاد كقاعدة لخلق روابط مع إسلاميين أفارقة.
وعندما وصلت هزات التغيير إلى سوريا، سارع قادة إيران إلى مقارنة الاحتجاجات بالأزمة التي تلت الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009. وهذا يعني أنهم أنكروا الطبيعة الحقيقية للحركة بينما اتهموا الولايات المتحدة وإسرائيل بالتخطيط ضد ما وصفوه بحكومة شرعية تحضى بشعبية أيضاً.
التباس حول البحرين
أثبتت الاحتجاجات في البحرين أنها أصعب من أن يتم تحملها من قبل إيران، وينبع ذلك من السلوك المتضارب للجمهورية الإسلامية تجاه هذه الجزيرة. فمن ناحية سعت إيران طويلاً إلى تعزيز علاقاتها مع دول “مجلس التعاون الخليجي”، بما في ذلك البحرين. وفي عام 2007 عندما أصبح الرئيس محمود أحمدي نجاد أول رئيس إيراني يحضر قمة دول “مجلس التعاون الخليجي” فإنه عرض توقيع اتفاق أمني مع زعماء دول الخليج العربية. وقد اقترح أيضاً تشكيل منظمة لتحسين التعاون الاقتصادي بين إيران و”مجلس التعاون الخليجي”.
ومن جانب آخر، أصدر إيرانيون متنفذون مجموعة متنوعة من البيانات التحريضية التي فاقمت عدم ثقة دول “مجلس التعاون الخليجي” بطهران. ففي 2009 على سبيل المثال، صرح رئيس مكتب المساءلة في مكتب المرشد الأعلى والمتحدث السابق باسم “مجلس الشورى الإيراني” علي أكبر ناطق نوري، أن البحرين كانت “المحافظة الرابعة عشر لإيران حتى عام 1970.” وقد رددت هذا التصريح افتتاحية في صحيفة كيهان ذات النفوذ (والخاضعة لتأثير خامنئي) نُشرت في 9 حزيران/يونيو 2007، وصفت فيها “مستندات لا يمكن إنكارها” تشير إلى أن “البحرين كانت جزء من الأراضي الإيرانية حتى أربعين عاماً مضت.” وقد واصلت الافتتاحية قولها إن استقلال الجزيرة عن إيران لم يكن شرعياً. ورداً على بيان نوري علقت البحرين مفاوضات الغاز الطبيعي مع إيران وأشارت إلى التصريحات بأنها “انتهاك السيادة.”
إن العلاقات العميقة بين ملالي الشيعة الإيرانيين والبحرينيين هي عامل مهم آخر. فإمام صلاة الجمعة في مسجد الإمام الصادق في مدينة دراز الشيخ عيسى أحمد قاسم له علاقات وثيقة بشكل خاص مع الجمهورية الإسلامية. وباعتباره المرشد الروحي لـ “حزب الوفاق” البحريني فإنه (مع الشيخ حسين نجاتي) الممثل الديني لخامنئي حيث يجمع الضرائب للمرشد الأعلى ويقوم بالدعاية لمرجعيته الدينية ويشجع الناس على اتّباع [آرائه ومواقفه] بدلاً من “مراجع التقليد” الأخرى. كما أن قاسم هو أيضاً ممثل ديني للمرجع الشيعي العراقي الأعلى آية الله علي السيستاني.
وعندما كانت غالبية قادة “الوفاق” في المنفى من أوائل التسعينات من القرن الماضي وحتى عام 2001، كان قاسم في قُم في إيران يتلقى تدريبه الديني من محمود هاشمي شاهرودي (الرئيس السابق للقضاء الإيراني) وكاظم الحائري (وكلاهما كانا في النجف في العراق قبل الثورة الإيرانية كما كانا من تلاميذ محمد باقر الصدر) ومحمد فاضل لنکراني (آية الله مُوال للنظام). وقد وصف خامنئي الشيخ قاسم بأنه “نجم في سماء الشيعة” وقال إنه “فخور” برجل الدين هذا. وبالمثل قال الشيخ أسد قصير — عضو مكتب خامنئي للإفتاء المسؤول عن الرد على الأسئلة الدينية لأتباع المرشد الأعلى العرب — إن خامنئي يؤمن أن الشيعة ينبغي أن يتبعوا مواقف وآراء قاسم السياسية.
وفي الواقع، إن قاسم قريب جداً من خامنئي لدرجة أن بعض البحرينيين يعتقدون أن السبب الرئيسي لعدم مقاطعة “حزب الوفاق” للانتخابات البرلمانية في عام 2006 (رغم أنه فعل ذلك في عام 2002) يعود إلى النصيحة التي قدمها له خامنئي بالمشاركة في العملية السياسية. وأما أولئك الذين لم يتبعوا قيادة قاسم فقد أسسوا “حركة الحق من أجل الحرية والديمقراطية”. ومنذ ذلك الحين، حكمت المحكمة العسكرية البحرينية بالسجن مدى الحياة على قائد الحركة حسن مشيمة.
وبالطبع، لا يتعاطف جميع رجال الدين الشيعة البحرينيين مع خامنئي وإيران. فهناك 300 رجل دين شيعي تقريباً في الجزيرة وبعضهم ما يزال مقرباً من السيستاني في النجف بينما آخرون قريبون من عائلة الراحل آية الله محمد شيرازي (الذي كان متعصباً ضد الجمهورية الإسلامية). ومع ذلك، تلقى معظم هؤلاء الملالي تدريبهم في قُم وهم يجيدون الفارسية. وفي السنوات الأخيرة ترجم الناشرون البحرينيون مئات الكتب الدينية والعقائدية من الفارسية إلى العربية.
العجز عن مساعدة الشيعة البحرينيين
خلال المظاهرات الدامية الأولى في البحرين انتقدت طهران بشدة [حكومة] المنامة وخاصة بعد أن نشرت دول “مجلس التعاون الخليجي” قواتها لمساعدة حكومة الجزيرة على قمع المحتجين. وقد اتهمت إيران البحرين والسعودية بقتل عشرات الشيعة وطالبت بإنهاء التمييز من جانب الأقلية السنية الحاكمة ودعت ملك البحرين إلى التنحي. وبالإضافة إلى ذلك وصفت طهران تدخل دول “مجلس التعاون الخليجي” بأنه “غير مقبول” وتوقعت أنه سيؤدي إلى تعقيد الأزمة السياسية في المملكة.
وعلى الرغم من هذه الخطابات النارية، كانت الجمهورية الإسلامية حذرة للغاية بشأن اتخاذ أية خطوات ملموسة فيما يتعلق بالأزمة. فقد نظَّمت الجماعات المرتبطة بالحكومة الإيرانية أسطولين أرسلتهما إلى البحرين دعماً للمنشقين الشيعة، لكن من الواضح أنهما عادا بناءً على أوامر من طهران. وفي أعقاب الانتكاسات التي واجهتها المعارضة في الجزيرة ربما تضطر إيران مرة أخرى إلى إعادة العلاقات الطبيعية مع المنامة [إلى ما كانت عليه من قبل]. وفي الواقع، أشارت شائعات متفشية في طهران إلى أن المبعوث الخاص لملك البحرين قد سافر إلى إيران في 23 حزيران/يونيو على الرغم من أن وزارة الخارجية الإيرانية قد نفت ذلك.
وباختصار، عندما يتعلق الأمر باحتجاجات الشيعة في البحرين يبدو أن المصالح الوطنية للجمهورية الإسلامية فاقت تطلعاتها العقائدية. فقد كانت طهران مقيّدة جزئياً بسبب البيانات شديدة اللهجة التي أصدرتها دول “مجلس التعاون الخليجي” التي ألقت اللوم علناً على إيران بحدوث الاضطرابات، متخلية عن حذرها المعتاد في توجيه هذه الاتهامات. وفي بيان مشترك على سبيل المثال، قال وزراء خارجية “مجلس التعاون الخليجي” إنهم كانوا “شديدي القلق تجاه التدخل الإيراني المستمر” في منطقتهم، مؤكدين أن “التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للبحرين تشكل انتهاكاً للأعراف الدولية وقواعد الجيرة الحسنة.”
وتحمل مثل هذه البيانات دلالة على تفكك الدعم لإيران على مستوى المنطقة. فعلى سبيل المثال، لاحظت طهران — دون شك — التصويت الذي جرى مؤخراً لحجب الثقة البرلماني عن حكومة الكويت حيث نجا رئيس الوزراء ناصر محمد الأحمد الصباح بصعوبة من الإقالة. ومن بين قضايا أخرى اتهم بعض المشرِّعين الصباح بتعزيز العلاقات مع إيران بدلاً من دول “مجلس التعاون الخليجي”. كما أن طهران قلقة أيضاً على الأرجح من علاقاتها مع الدول العربية التي هي خارج “مجلس التعاون الخليجي” — وخاصة مصر حيث تأمل في تطبيع علاقاتها معها بعد الإطاحة بمبارك. وبشكل أعم تريد طهران أن يتم تجنب رؤيتها كعامل يشعل الصراع الطائفي في العالم العربي سواء في البحرين أو في أماكن أخرى.
ومع ذلك، فقد أضرت الأزمة البحرينية حتى الآن بالعلاقات بين الجمهورية الإسلامية والحكومات العربية وعرّضت للخطر صورة إيران بين الشيعة، نظراً لعدم حنكة طهران في تقديم المساعدة للمنشقين الشيعة وحمايتهم من العنف السني. ويتوقع الكثير من الشيعة العرب أن تكون إيران هي الحامية لأبناء ملتها في جميع أنحاء المنطقة. وقد كتبت عدة مجموعات من رجال الدين البحرينيين إلى خامنئي تحثه على مساعدة شيعة الجزيرة. وقد شمل ذلك خطاباً في 16 آذار/مارس وقَّعه “أتباع آية الله العظمى خامنئي في البحرين” وتم نشره على نطاق واسع في الإعلام الإيراني طالبوا فيه المرشد الأعلى بمساعدة “أبنائه وأتباعه في البحرين بأية طريقة ملائمة.” وقد سأل الخطاب أيضاً، “من سيكون علينا التحدث معه بشأن معاناتنا؟” غير أنه لا توجد أدلة على أن خامنئي قد رد على هذا النداء.
وعموماً كانت أزمة البحرين اختباراً قوياً للدعاية الإيرانية الموالية للشيعة. فقد أظهرت سياسة الجمهورية الإسلامية تجاه الشيعة في المنطقة بأنها معقدة تماماً ومتخبطة على نحو متزايد. وقد كانت النتيجة هي تصاعد شكوك الشيعة تجاه إيران — ليس في البحرين فحسب بل أيضاً في أماكن أخرى مثل جنوب غرب السعودية – وذلك فيما يتعلق بمدى إمكانية اعتمادهم على طهران لمساعدتهم في حال دخولهم في مواجهة مع حكوماتهم.
مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن يركز على سياسات إيران والجماعات
تخبط سياسة إيران تجاه البحرين فضّ فوك قبل ان تعرف معنى التدخل المجوسي في ديار العرب والذي تعرف انت ان شئت ان ايران تستخدم الدين الشيعي كمطية لتوسيع نفوذها واعادة احلام الامبراطورية. والشيء الذي ربما لاتعرفه ان مايسمى بالشيطان الأكبر اصبح ملاكا ويخطب وده من خلف الستار بعد التعاون المقمر في الاطاحة بطالبان وصدام حسين وتشكيل مايسمى بالحلف الشيعي المتطرف . من خلال استغلال الثورات العربية كانت ايران تخطط للاطاحة باحدى ممالك الخليج او على الاقل للمقايضتها بسوريا اذا وصلتها العدوى حيث اتفق الأعداء بالنهار واصدقاء الليل ( ايران – العراق – امريكا- اسرائيل ) على حماية النظام البعثي في… قراءة المزيد ..