صُدِم الجزائريون وجلّ من قرأ خبر رفض خمسة أئمّة سلفيين جزائريّين الوقوف تحية للنشيد الوطني بحجّة أنّه بدعة. و في فرنسا اعتبرت”الفناك”، وهي مؤسسة ثقافية فرنسية معروفة، صورة فوتوغرافية تمثل شخصا يستعمل العلم الفرنسي كورق حمّام “إبداعا” ومنحت “للمبدع” جائزة. وجاء رد الفعل عنيفا، من طرف اليمين الفرنسي، بعد نشر الصورة و الإعلان عن مجازاة صاحبها، إلى درجة مطالبة مجلس الدولة الفرنسي بوضع قانون يجرّم هذا النوع من التعبير الذي يمس من كرامة الوطن.
ولم يستوعب الذين صدموا في الجزائر، موقف الأئمة السلفيين الذين يدعون من جهة إلى الجهاد وفداء الأوطان بالنفس و النفيس، ويزدرون الرموز الوطنية من جهة أخرى. ولو تمعّن المصدومون في خطاب السلفيين لزال عجبهم بمعرفة السبب، ذلك أن مفهوم الوطن و الوطنية غائب عن قاموسهم اللغوي. فالسلفيون يعانون من ازدواجية في الهوية تتمثل في تمزقهم بين الانتماء لوطن محدد جغرافيا، وهو الجزائر في قضية الحال، وبين التطلع للاندماج في رقعة أوسع محددة بهوية دينية، وهي العالم الإسلامي. وأذكر أن أحد السلفيين الذين كنت قد تحدثت معهم في إطار إنجاز بحث، أشار إلى هذه المعضلة، ثم سرعان ما اتخذ قراره قائلا: “مهما كان الأمر فأنا أشعر بأن إيران أو أي شخص إسلامي مهما كانت جنسيته، أقرب إلىّ من تونسي غير إسلامي”. وهذه الازدواجية ناتجة عن ازدواجية أخرى يمكن أن نسميّها بازدواجية الولاء السياسي. فإلى أي سلطة يرضخ الكائن السلفي؟ هل إلى قانون دولته أم إلى قانون أعلى، أي إلى قانون السماء كما يقرؤونه؟
و الحقيقة أن السلفيين لا يختصّون بهذه الازدواجية. فقد سبقهم إلى ذلك الشيوعيون بشعارهم المعروف والدال على اتجاههم العالمي: “يا عمال العالم اتحدوا” الذي جعل البعض منهم يعتبرون موسكو، في زمن الاتحاد السوفيتي، أقرب إليهم من بلدهم. وما زال القوميون العرب ينشدون إلى اليوم “بلاد العرب أوطاني” ويرون في الأعلام والحدود و كل ما من شأنه أن يفرق بين البلدان العربية بدعة. وحين تسألهم عن جنسيتهم يجيبون مثلا “أنا عربي سوري” أو “أنا عربي عراقي”.
و يعيد البعض سبب رفض مفهوم الوطنية إلى تأثير الإيديولوجية، وهو سبب وجيه إلى حد ما لكنه غير كاف لتفسير الظاهرة. ذلك أن مفهوم الدولة الأمة
L’Etat Nation
الذي أنتج فكرة الوطنية، يعتبر مفهوما إيديولوجيا هو الآخر، أي أنه غير مقبول من طرف كل من يعيش واقعا مختلفا لفكرة الدولة الأمة. إضافة إلى أنه مفهوم حديث نسبيا لم يتجاوز عمره القرنين في أوروبا التي ابتدعته، أي انه قابل للنسف بسهولة. أما في المنطقة العربية فقد نشأ المفهوم مع دول الاستقلال التي فصّلت القوى الاستعمارية في أغلب الحالات حدودها على مقاس مصالحها. ناهيك عن عدم استيعاب العديد من المسلمين لحدث سقوط الخلافة الإسلامية مع سقوط الإمبراطورية العثمانية في العقد الأول من القرن العشرين وتفتيتها إلى دويلات وطنية. كل هذا يعطي لمفهوم الدولة الأمة و لرموزها الوطنية صفة الكائن الهجين بالنسبة لأهم التيارات السياسية الناشطة في المنطقة.
وحتى في أوروبا، وبفعل حداثة هذا المفهوم، نجد تيارات سياسية انفصالية شرسة في إسبانيا وفرنسا وايرلندا وبلجيكا. و قد حدثتني صديقة فرنسية عن أمها التي تعيش في مقاطعة بريطانيا الفرنسية والتي لا تحسن اللغة الفرنسية وترفض الاعتراف بأنها فرنسية، ومثلها كثير في منطقة الألزاس و في كورسيكا و في جنوب فرنسا عامة.
ثم جاءت العولمة سريعا لتعطي الضربة القاضية لمفهوم الدولة الأمة الغض الطري. فقد بدأ هذا المفهوم يتخلخل ويفقد من هيبته، كما تنبأ بذلك منظرون في مجال العلاقات الدولية، مع أولى بوادر العولمة التي مسّت أسس مؤسسات الدولة الأمة، بتجاوز الحدود الوطنية أرضا عن طريق التكتلات الإقليمية والاختفاء التدريجي للحواجز الجمركية، وجوّا عن طريق الثقافة المعولمة العابرة للقارات عبر الفضائيات.
هكذا نفهم، دون أن نبرّر أو نقبل، موقف الأئمة في الجزائر و موقف “الفناك” في فرنسا.
ثم ماذا تبقّى اليوم من الأوطان في خضمّ العولمة الهادرة التي تجعل من شخص اسمه زين الدين زيدان بطلا كرويا وطنيا في فرنسا، أو من عالم اسمه محمد زويل باحثا أمريكيا مرموقا؟ وماذا تعني اليوم ألوان العلم الوطني في البحر المتلاطم للألوان الدالة على قوى مالية عظمى من مؤسسة ساندويتشات “ماك دونالد” إلى تفاحة “بيل غيتس”؟ و ماذا يعني الوطن لشاب يحصل أن لا يفتح القناة التلفزيونية لبلده لشهور ويعيش في عالم علاقات افتراضية من جميع أنحاء العالم لا يجد ما يضاهيها في مقهى حيّه؟ و أخيرا ماذا يعني الوطن لفقير تجوّعه دولته وتطعمه وتطبّبه منظمات أهلية متعددة الجنسيات، أو لمواطن تدكّ أرض وطنه طائرات العدوّ بمباركة قانون منظمة دولية لا يقدر قانون دولته الوطني على الصمود في وجهها، أو تفرض عليه حروب بالوكالة دفاعا عن مصالح دولة أجنبية وتدعيما لمكانة الطائفة؟
أستاذة الإعلام و الاتصال بالجامعة التونسية
تحيّة العَلَم بين البدعة والإبداع2 – (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) .. عمر بن الخطاب منذ اسابيع كان غلاف (TIME) بعنوان (Why Being Pope Means Never Having To Say You’re Sorry : لماذا كونك بابا “الفاتيكان” يعني انك لا تقدر – قطعا – ان تقول : أنا آسف) http://img.timeinc.net/time/magazine/archive/covers/2010/1101100607_400.jpg في الحقيقة البابا الحالي هو مؤلف الاعتذار عن سلوكات محاكم التفتيش (Inquisition) الذي انتهى الى اعلان (12 آذار 2000) يوما للغفران من قبل البابا السابق (Pope John Paul II) عندما كان البابا الحالي راعي لكنيسة ميونخ … ولكن مرت مياه كثيرة تحت الجسر , فلم يعد للكنيسة (سلطة) على… قراءة المزيد ..
تحيّة العَلَم بين البدعة والإبداعبداية , مقال ممتاز 1 – (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) ..حديث صحيح. الاشكالية التي تحاول الكاتبة مقاربتها (حديثة) وكون عناصرها يتسلحون (وينحرون الانسان وعقله واحساسة) بانتقائية (نصوصية) سابقة لا يعني انها (قديمة : وأصيلة ومتأصلة) فمن طبيعة كل (اجندة ايديولوجية) ان تدعي الازلية والابدية و(التفرد) و(الصوابية المطلقة) .. فقبل وصول الخميني للسلطة في ايران كانت سلعة “الخلافة الاسلامية” تعاني كسادا في دكان “حزب التحرير الاسلامي” واذا خاطب (جهال) هذا الحزب السواد الاعظم من الناس , قالوا سلاما بصيغة “سلملنا بقى على التورمواي”؟! .. وهذا واقع الحال مع كافة بذور “الاسلام… قراءة المزيد ..