نعيش حالياً زمن “الصحوة” الدينية التي لو اقتصرت على عودة الناس للتمسك بالدين فذلك لن يضير طالما أنها علاقة فردية لهم بربهم، لكن المشكلة استغلالها من مجموعات سياسية عن طريق ركوب موجة التدين وتصوير أن النصوص الدينية تحدد كافة امور الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمعيشية وهي صالحة لكل زمان ومكان.. وليس مجرد عبادات ومثل اخلاقية في التعامل الإنساني وإيمان بالحياة الآخرة. فمن اصطلح على تسميتهم بالإسلام السياسي رفعوا شعار “الإسلام هو الحل” بما يشابه ما رفعه “الماويون” أيام عزهم حول “الكتاب الاحمر” كحل لكافة أمور المجتمع!!
يسعى الإسلاميون لتحويل النصوص الدينية إلى دساتير وقوانين، ويرون أنهم الوحيدون القادرون على تطبيقها، مما يستوجب هيمنتهم على السلطة لامتلاك أدوات فرضها على الناس إن طوعاً أو كرهاً. ولا يختلف الإسلاميون المتطرفون عن المعتدلين في الهدف الرئيسي، ولكن في الوسائل المستخدمة ومراحل التدرج على طريق الوصول إليه. فالإسلام السياسي المتطرف هو جناح من التيار الوسطي خرج عنه بحكم توهمه أن العنف هو الوسيلة الافضل.
آخر صرعات “الغفوة” التي تريد إيقاف التطور والعودة بالمجتمع إلى العصور الوسطى هو اعتبار المتشددين جسم المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها “عورة” يجب تغطيتها، لذلك روجوا للنقاب الذي لم يقتصر على البلدان المحافظة مثل السعودية بل انتشر في مصر وبلدان اخرى ووصل إلى سوريا المعروفة بانفتاحها على الحداثة.
النقاب يلغي شخصية المرأة بحيث يصعب التعرف عليها فكأنها غير موجودة، فالوجه والكفين الذين يخفيهما النقاب الوسيلة الوحيدة للتعارف والتواصل بين الناس بالوسائل العادية. والنقاب عنف ضد المرأة، فقلة نادرة إرتدينه عن قناعة دينية والغالبية بسبب تطرف آباء أو أزواج أو إخوة فرضوه على المرأة المعتبرة ناقصة عقل ودين وبحاجة لوصاية الذكر، وهو تجسيد للأفكار المتخلفة التي تساوي إمرأتان برجل واحد، ورمز للاصولية الوهابية، أبشع صور التوحش والانعزال عن العالم وتكفيره وغزوه، ونموذجها الاوضح تنظيم القاعدة الإرهابي.
النقاب والحجاب اصبحا نادرين في بلدان مثل مصر وسوريا في الخمسينيات والستينيات مع تنامي الافكار الليبرالية حول تحرير المرأة، لكن الحجاب عاد ليصبح سمة غالبة وتلاه النقاب بشكل اضيق. ويعود الانتشار لاسباب أهمها موجة التدين المعتبرة رداً على هيمنة الأنظمة الاستبدادية، بعد فشل مشاريع التحديث القومية واليسارية التي تلطخت بممارسة الاستبداد والفساد، وإلغائها المجتمعات المدنية البادئة بالنهوض، ومهرباً من بطش الأنظمة وقمعها، وتأثراً بما هو سائد في المجتمع السعودي المحافظ من خلال الاحتكاك في الحج والإقامة من أجل العمل. بالإضافة لدور الفضائيات الدينية وطبقة من رجال الدين مستفيدة من ممارسة مهنة تدر ذهباً ونفوذاً، وما أشاعوه من اوهام حول عالم معادي للإسلام كدين وليس للتطرف والإرهاب الممارس بإسمه، مستخدمين طرق الإثارة العاطفية اللاعقلانية المخرجة للناس عن اطوارها الطبيعية.
انتشر النقاب في مصر وسوريا رغم أن أكثرية الفقهاء استثنوا الوجه والكفين من اعتبارهم جسد المرأة عورة، والنقاب برأيهم ليس من الإسلام في شيء فيما قلة منهم اعتبروه مستحباً او فرضاً. ومن أبرز معارضي النقاب الشيخان الغزالي والقرضاوي ومفتي الديار المصرية، ووزير الاوقاف المصري الذي اصدر كتاباً بعنوان: “النقاب عادة وليس عبادة”وغيرهم…، وشيخ الازهر الطنطاوي أكبر مرجعية دينية في مصر، الذي قال أن النقاب لا اصل له في القرآن والسنة وهو عادة جاهلية.
بناء على شبه الإجماع فقد أصدر المجلس الاعلى للشؤون الإسلامية للأزهر تعليمات بحظر النقاب بجامعة الأزهر ومدارسها وسكن طالباتها وهيئة تدريسها، ونال موافقة وزارة التعليم العالي وعمم على الجامعات المصرية، كما أخذت به وزارة الصحة التي حظرت لبس النقاب على الطبيبات والممرضات.
وجه نواب الإخوان في مصر انتقادات قاسية ضد المنع واعتبروه تعدياً على الحريات الشخصية، فيما المنع لم يكن في مصر، وحتى في بلدان اوروبية، منعاً شاملاً بل فقط في أماكن العمل والاماكن العامة وليس في البيت او الشارع، فهناك نظم تحدد شروط اللباس، إن لم يكن موحداً، في المؤسسات العامة والخاصة في اي من البلدان الديمقراطية، ولم يتهمها احد بأنها تتعدى على الحريات الشخصية.
أما في سوريا فإن قرار منع المعلمات المنقبات في المدارس ونقلهم إلى وظائف اخرى كان خطوة إيجابية على طريق طويل لمواجهة المد الاصولي الساعي للتغلغل، والذي لم يلق اهتماماً كافياً من النظام قبل صدور القرار. وهو أول مواجهة جزئية، ولكنها يمكن أن تكتسب أهميتها من أنها تحدث للمرة الأولى، وربما بداية لخطوات أخرى لإيقاف انتشار التطرف الديني.
لكن ما أثار العجب أننا فيما لم نسمع بعد أي صوت للاعتراض من التيار الإسلامي، فإن الجهة التي تصدت للاعتراض هي “التجمع الوطني الديمقراطي” المعتبر من ضمن المعارضة اليسارية التي ترفع الشعارات الاشتراكية وتطالب بالديمقراطية وتتجاهل العلمانية المكملة لها. ففي بيان للتجمع عن أعماله في اوائل تموز، يتعرض ل: “الطريقة التي تمت بها معالجة 1200 من المدرسات المحجبات والمنقبات بالنقل من وزارة التربية تعتبر انتهاكاً لحقوقهن”!! وهو يخلط المحجبات مع المنقبات وبالكاد يتعرض للمسألة فيعارضها في بند يسميه “الوضع الداخلي”، ليسهب بعد ذلك في “الوضع العربي” في الحديث عن “أعمال” التجمع من مطالبة برفع الحصار عن غزة ودعم لبنان في استثمار ثروته النفطية وخيبة امله من تعثر تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وحرصه على وحدة السودان في الاستفتاء القادم حول مستقبل الجنوب… وهي “الاعمال” الاهم للتجمع لكونه يكاد يكون تجمعاً قومياً عربياً موجوداً في سوريا بحكم الصدفة ربما، والتي هي كبلد على هامش توجهاته التي يصدر منها بيانه الشهري لشرح مواقفه من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر…
ولكن لا بأس بما أنه معارض للنظام ويطالب بالديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا من أن يدافع عن حقوق المنقبات لعله يكسب بعض الشعبية التي يفتقدها، متوهماً أنه يمكن أن يشارك التيار الإسلامي ركوب الموجة بإظهار الحرص على حقوق المنقبات، وهو يضيف المحجبات رغم أن القرار لم يتعرض لهن ليوحي لشريحة واسعة بأن هناك تجمعاً ما يدافع عن حقوقهن. مما لا شك فيه أن اليسار قد هزلت مفاهيمه في عصر ما بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، إذ لم يبق للتجمع من “أعمال” يوردها في تقريره سوى الدفاع عن المنقبات والمحجبات فيما قضايا المرأة السورية شائكة ومتعددة بدءاً من القتل بحجة الشرف وحق الأم في إعطاء جنسيتها لاولادها وقضية العنف الممارس ضد المرأة والتمييز في مسائل الطلاق وحضانة الاطفال والإرث والشهادة في المحاكم وتعدد الزوجات وغيرها…
بعد التوافق مع النظام في القضايا القومية كان لا بد من اعتراض ما، وليكن في موضوع المنقبات، لكي يحتفظ التجمع بتسميته كتكتل معارض حتى لو أصبح من الممكن إضافة “إسلامي” أو “سلفي” لإسمه، أو إضافة ألقاب مثل “الشيخ” رئيس التجمع، أو “الفقيه” الناطق الرسمي وغير ذلك مما تقتضيه المهنة! قال لي صديق أن “أكبر!” التنظيمات المشاركة في التجمع هو: “تنظيم إسلامي مشفر” ولكني لم اصدقه حينها.. وربما نشهد مستقبلاً عضوات منقبات في التجمع لإظهار تعاطفهن مع حقوق المعلمات المنقولات، هذا إذا لم يكن التجمع تكتلاً ذكورياً خالي من النساء.
هناك أطراف ضمن التجمع لا توافق على هذا التوجه ولكنها ربما مرغمة على الاستمرار في التجمع حتى لا يفرط عقده فهو حالياً مؤسسة “تحفة تاريخية” يجب الحفاظ عليها تقديراً للذكريات الجميلة وللمعنويات حتى لا تنهار مع انهياره، علما بأنه لا تتوفر متاحف متخصصة بهذا النوع من المنظمات تقبل استقبالها للتقاعد في أفياء ردهاتها المكيفة.
لو لم يكن التجمع حالياً في طوره السلفي لكان أيد خطوة نقل المنقبات من سلك التعليم واعتبرها إيجابية رغم أنها صادرة عن النظام الذي يعارضه، ولكان طالب بالمزيد من الخطوات لمواجهة التيار الاصولي الساعي لإيجاد موطئ قدم في المجتمع السوري، وبتوسيع الخطوة لتشمل جميع الاماكن العامة الحكومية والخاصة، وبإصدار قانون يعاقب كل ولي امر يجبر زوجته أو بناته أو أخواته على لبس الحجاب أو النقاب وخاصة الأطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد، ويعاقب كل من يضرب أية إمرأة أو يهينها أو يحبسها في البيت ويمنعها من الخروج للعمل أو للذهاب إلى المدارس والجامعات لتلقي العلم. ويعاقب أية مؤسسة تمارس التمييز برفض تشغيل غير المحجبات..
لو كان التجمع غير ما هو عليه لتقدم بمشاريع حلول لإنهاء التمييز ضد المرأة في القانون وفي كافة مجالات الحياة. فإذا كانت المرأة بخير فإن المجتمع بخير وعلى طريق التطور والتقدم، وإذا كان المجتمع “المحلي” بخير فعندها يمكن التصدي للقضايا القومية الكبيرة التي يفتتن بها أقطاب التجمع.
ahmarw6@gmail.com
*كاتب سوري
تجمع وطني ديمقراطي أم سلفي؟
خالد — khasaudilid@gawab.com
يا استاذ جورج هل ترضى لمحارمك والدتك أخواتك بناتك عماتك خالاتك أن يطبقون عملياً ما تنادي به . يا استاذ جورج لو أن العيون لاتنفك تلاحق محارمك هل سوف يسعدك هذا ؟؟؟؟ بالتأكيد لا وألف لا لأن غيرتك وخوفك على محارمك تدفعك لأن تضحي ولو بنفسك فداء لمحارمك …. يا استاذ جورج لماذا ترضى لبنات خلق الله مالاترضاه لمحارمك والسلام عليكم
تجمع وطني ديمقراطي أم سلفي؟ نبيل السوري أنت أدرى الناس بتطورات الوضع في وطننا العربي المنكوب بمستبديه وعلى الأخص سوريا في الخمسينيات كان الحكم ديمقراطياً مقبولاً وكان جنة الطبقة الوسطى، وكان السوريون أكثر العرب اعتزازاً بكرامتهم ووعياً بالسياسة، وكان الحكام كلهم متدينون تديناً شخصياً، لكن إدارة شؤون البلاد كانت تتم بطريقة علمانية أكثر من اليوم. الآن وبعد 47 عاماً من حكم يدّعي المساواة والاشتراكية العلمانية، فإن هذا الحكم قد دمر الطبقة الوسطى وأشاع الفساد والزبونية وحوّل البلد لمزرعته الشخصية فنهب ثرواته كلها وطوّبها لأسرة الحاكم، والأهم أنه دمّر روح المواطنية فالتجأ شعبنا البسيط إلى الانتماءات العصبية والدينية، إضافة إلى استعماله… قراءة المزيد ..