بيروت- “الشفّاف”- سعد كيوان:
وليد المعلم، صاحب الرأس شبه المربع والجسم الضخم، يصول ويجول أمام الصحافيين من دمشق، “عاصمة الأمويين”، معلنا قيام علاقات دبلوماسية بين “سوريا الكبرى” و”لبنان الصغير”، والى جنبه يقف فوزي صلوخ يستمع منشرحا كـ”الصبي مع خالته” (مثل عامي لبناني)، ووراءهما يقف مُبارِكا نصري خوري، اللبناني الجنسية والسوري الولاء!…
حفل اليومان الماضيان بسيل من التصريحات والمواقف والتعليقات المرحبة، والمشيدة والمهللة بالاعلان رسميا، وللمرة الأولى منذ استقلال لبنان عام 1943، عن قيام علاقات دبلوماسية بين سوريا ولبنان، وعن تبادل قريب للسفارات والسفراء بين البلدين. ولا شك ان هذه الخطوة تشكل، من حيث المبدأ، منعطفا تاريخيا في العلاقة بين البلدين. فهي تؤكد على اعتراف (النهائي؟) سوريا “البعث” وآل الأسد باستقلال لبنان، وعلى تسليمها بسيادته واستقلاله بعد أكثر من ستين سنة من العلاقات التي راوحت بين الابتزاز والتهديد المستمرين، وتخللها اغلاق حدود، وتحريض وقطيعة من وقت الى آخر، انتهاء بالتدخل العسكري المباشر، ثم الوصاية السياسية والعسكرية والأمنية التي دامت خمس عشرة سنة!
كما ان هذا التطور يشكل انجازا كبيرا ومكسبا لحركة 14 آذار وقواها، التي خاضت معركة استعادة السيادة والاستقلال منذ اغتيال رفيق الحريري، في 14 شباط 2005. وكذلك، فان تبادل السفارات لا بد أن يؤدي الى مأسسة العلاقة بين البلدين، ويضعها ضمن سياقها الطبيعي بين دولتين مستقلتين، وليس بين دولة وأحزاب، كما هي الحال بين دول العالم كافة، ويفترض أن يتم التنسيق وأن تحصر معالجة كل الأمور ضمن الأقنية الدبلوماسية التي تجسدها السفارتان…
فهل هذه الصورة التي ستشهدها العلاقات في المرحلة المقبلة؟ وهل هذا ما تنذر به التطورات السابقة واللاحقة، والتي أحاطت ورافقت الاعلان عن قيام علاقات دبلوماسية؟
أن صورة مشهد وزيري خارجية البلدين تختصر، وتعبر بشكل قوي ومثير ما سيكون عليه تعاطي النظام السوري مع العلاقات الدبلوماسية، التي وافق عليها على مضض مع “اقليم لبنان”.
أولا، لماذا تم الاعلان عن العلاقات الدبلوماسية من دمشق، وليس من بيروت، خاصة وأن ذلك سبقه اعلان بشار الأسد عن اصداره مرسوما بهذا الخصوص؟ علما، أن المعلم كان قد “أعلم” صلوخ، خلال تواجد الأثنين في نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية السنوي العامة للأمم المتحدة، عن انه سيصدر قرارا سوريا في شأن العلاقات الدبلوماسية، وأن “على” صلوخ أن يتوجه بعدها فورا الى العاصمة السورية.
ثانيا، توجه صلوخ، أول أمس الأربعاء، على وجه السرعة الى دمشق “مزودا” بقلمه فقط للتوقيع، ولم يكن لديه أي شيء يقوله، بعد استقبال الأسد له، سوى الكلام المعسول. ولا شك ان من تابع من اللبنانيين مشاهد اللقاء، قد أصيب بصدمة عند رؤيته وزير خارجية بلاده ينحني أمام بشار وهو يسلم عليه مودعا؟!
ثالثا، وقع المعلم وصلوخ على قرار تبادل السفارات وتبادلا البروتوكول الموقع، وتعانقا أمام الكاميرات، وراح المعلم يصول ويجول أمام الصحافيين مطلقا العنان لمخيلة عقل النظام البعثي، فيما بدا صلوخ وكأنه في غيبوبة من شدة النشوة…
قال المعلم، باستعلائه وازدرائه المعهودين، أن الحشود السورية على الحدود لا تتجاوز بضعة مئات من الجنود السوريين، وأن الهدف منها وقف التسلل ومنع التهريب عبر الحدود بين البلدين. وأضاف أن أي كلام من هنا وهناك هو تدخل في الشأن الداخلي السوري. الا أنه نسي (أي تناسى) ان ما قاله حول كيف يجب ان يتصرف السفراء، ومن بينهم سفير بلاده، في لبنان هو تدخل في الشأن الداخلي اللبناني. الى غير ذلك من صلف الكلام، ومن الغمز من قناة “قوى 14 آذار”…
واعتبر المعلم ردا على سؤال ان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة “لا يحتاج الى دعوة لزيارة سوريا لأنه يرأس حكومة وحدة وطنية…”. أليس هذا تدخلا في شؤون لبنان الداخلية؟ بمعنى أنه اذا لم يكن السنيورة على رأس “حكومة وحدة وطنية” لما واقفت سوريا على استقباله! والوجه الآخر للتدخل – أي عقلية الوصاية المستفحلة – هي ان المعلم يعتبر ان لبنان وسوريا “بلدين شقيقين”، و”شعب واحد في دولتين”، لذلك لا يحتاج السنيورة الى دعوة! ولكن اللبنانيين يفضلون أن يتم التعاطي بطريقة طبيعية، لا “أخوية”، على غرار التعاطي بين الدول، وأن يتم توجيه دعوة رسمية الى رئيس وزراء دولتهم السيدة والمستقلة.
لم يحرك صلوخ ساكنا، ولا حاول التعليق على ما جاء على لسان المعلم، ولكنه “استفاق” أخيرا وسحب ورقة من جيبه، وراح يسترسل في قراءة حول آلية تبادل السفارات، والسفراء، وكيفية اختيارهم، وكيفية قبول اعتمادهم، وغيرها من التفاهات التي لا تهم أحدا! فماذا ذهب يفعل هذا “الوزير” هناك؟!
فاذا كان هذا أول الغيث، فكيف سيمارس السوريين عمليا هذا الفصل الجديد من العلاقات الدبلوماسية، وليس “الأخوية”، التي أجبروا على المواقفة عليها؟
أولا، ان العلاقات الدبلوماسية تعني في الأساس تعاطياً دبلوماسي، لا أمنياً ومخابراتياً، يقوم به دبلوماسي محترف أو سياسي محترم، وليس عسكري أو عسكري سابق، أو مسؤول مخابراتي “سابق”. دبلوماسي يحترم قوانين البلد وأصول العمل الدبلوماسي، ويحصر تعاطيه مع الدولة ومؤسساتها، ولا “يفتح على حسابه” للحلفاء والأزلام والتابعين، ولا يحول السفارة الى “عنجر” جديدة، وانما بحلة رسمية هذه المرة… فمن سترسل لنا دمشق؟
ثانيا، مع قيام تبادل السفارات يجب الغاء “المجلس الأعلى السوري-اللبناني” الذي لم يعد له ما يبرره، وهو لم يكن له أي معنى أو فائدة في الأساس، خصوصا وأن الوصاية كانت تمارس من فوق، بدءا من رئيس الجمهورية وانتهاء بأصغر الموظفين. ولا بد من اعادة النظر بما يسمى “اتفاقية الأخوة والتعاون والتنسيق” بين لبنان وسوريا التي فرضت بعد “اتفاق الطائف”. ولا بد ايضا من الغاء أو مراجعة الاتفاقيات الثنائية، الأمنية والاقتصادية والتربوية و…
ثالثا، كيف يمكن ممارسة هذه السيادة الدبلوماسية في وقت لا تزال الحدود غير مرسمة بين البلدين؟ وكيف يمكن تقويم العلاقات طالما هناك منظمات فلسطينية تحركها المخابرات السورية داخل الأراضي اللبنانية، مثل “القيادة العامة” التي يتزعمها أحمد جبريل، وأخرى مثل “فتح الانتفاضة” التي لم يعد يعرف شيئا عن مسؤوليها مثل خالد العملة أو أبو موسى، والتي “أنجبت” على الأراضي اللبنانية “فتح الاسلام” بقيادة الأرهابي شاكر العبسي؟
وعلى سيرة العبسي، طلع علينا أمس الرئيس السوري ليخبرنا أن سلطاته “اعتقلت” قبل ايام ابنة العبسي، التي اعترفت أن والدها كان يخطط لتفجيرات في داخل سوريا. ثم يعود في التصريح نفسه الى تكرار الكلام عن “الخطر الآتي من شمال لبنان”، وان هناك “تجمعات أصولية متطرفة تحاول جعل سوريا ممرا بين لبنان والعراق (كذا)، وتحويل سوريا مكانا للفعل (كذا)”! لدرجة أنه أثار شفقة الكثيرين على سوريا المسالمة، وعلى دورها الحازم في منع تسلل “المتطوعين” (أي الارهابيين) الى العراق، وهم الآن ينطلقون من لبنان مرورا بسوريا…
ولكنه لم يقل لنا أين هو العبسي؟ وكيف تم تهريبه من مخيم نهر البارد؟ ورغم ان الأرهابيين هم الآن لبنانيون أو ينطلقون من لبنان، أعلمنا الأسد أن “المسؤول الأول عن هذه المجموعات هو سوري الجنسية، وهو الآن في السجن”. ولم ينس الأسد أن يتهم طرفا لبنانيا من “قوى 14 آذار” بتمويل هذه التجمعات، في فترة من الفترات.
وأخيرا، وهذا الأخطر في الأمر: هل صحيح أن الجانب اللبناني بلغ الجانب السوري أن الدولة قررت “التعامل بطريقة مختلفة” مع المعارضة السورية التي لجأ بعضها الى لبنان؟ وهل هذا ثمن من أثمان العلاقات الدبلوماسية؟ ولهذا السبب غادر المعارض مأمون الحمصي لبنان؟ ومن هو “نوار العبود” المنتحل صفة مدير مكتب رفعت الأسد في لبنان؟
s.kiwan@hotmail.com
تبادل السفارات بين لبنان وسوريا:لنعترف ان النظام السوري المخابراتي اكره من قبل المجتمع الدولي على الخروج بعد ان عاث في النطقة قتلا وفسادا ولكنه خرج من النافذة ودخل من الباب لكي يرضى عنه المجتمع الدولي خارجيا. وان فتح سفارة خطوة طيبة ظاهريا ولكن كم دولة اجبرت على اغلاق سفارتها لانها تشكل خطرا على البلد وكما نعلم ان جمهوريات الخوف والفقر والبطالة دائما تحول سفاراتها الى مستنقع مخابراتي قذر مافياتي وان العالم كله وحتى البنانيون يخشون ان تتحول السفارة كالعادة الى فرع مخابراتي يعيث فسادا ودمارا وقتلا في لبنان…فيجب مراقبتها والضرب بيد من حديد على كل من يريد الاساءة للشعب اللبناني… قراءة المزيد ..