إذا كان النقد للقومية العربية ممكنا فان نتائجه ستكون كارثية علي محبيها وعشاقها وفلاسفتها ومؤدلجيها. فلا يكفي استخدام منهج واحد أو نري القومية من زاوية واحده ونحصرها في فترة زمانية محدده أو حتى نأخذها بالنواصي في نتائج سياق تفاعلها مع باقي الأفكار والقوميات لنكتشف بؤس مسلكها في موطنها الأصلي وأينما حلت في ترحالها. فالهدف من نقدها هو ملئ كل الفراغات التي تثقب عقل من يتحدث العربية أو ينطق بها كلغة أم أو كلغة مكتسبة. فالقول بقومية واحده في منطقة جغرافية شاسعة لها عمق تاريخي يحمل كل التنوعات العرقية والثقافية والحضارية لهو افتئات وكذب وظلم لباقي المكون الحضاري. اختالت العروبة بعنصريه لها قدسية دينية زائفة وكاذبة مكشوفة لو قورنت بما هو كامن تحت السطح والعمق التاريخي للمنطقة.
أفضل مقارنة لهذا الوضع البائس لفكر القومية العربية ما كان قائما في الاتحاد السوفيتي. فالتنوع والتعدد لم يكن ممكنا قبوله إنما بالقفز عليه تحت شعار “يا عمال العالم اتحدوا” وما التحلل والتفسخ الحادث في العقد الأخير من القرن العشرين سوي تعبير عن حجم الاختلاف في المجالات الثقافة والحضارية والتاريخية واللغوية لمفردات المكون السوفيتي التي كانت اقوي بكثير من مجرد تعبئة العمال ليكونوا هم الأصل ولا معني أو قيمة لأي شئ آخر.
نقل السوفييت حركة البشر من التاريخ ليتم حصرها في الايديولوجيا وهي ذات الجريمة التي ارتكبتها حركة العروبة أو القومية العربية علي وجه التحديد. فرغم احتواء فكر السوفييت علي ما يمكن أن يكون موضوعيا وعلميا وليس شاملا إلا أن القومية العربية كانت فاقدة لكل ما هو عقلاني وموضوعي مع فرض الشمولية بإطلاق.
من الأمراض المكونة لفكرة لقومية العربية حملها لفكر أسطوري ديني غيبي في طبيعته لا برهان علي صدقة. ومن توابع النظرية تأتي الشراكة المزعومة في الدين واللغة والتاريخ، بعكس الحالة السوفيتية التي اعتمدت علي تحليل علمي له مكانته الفكرية. تلك الفروق هي التي جعلت نقد التجربة الاشتراكية ممكنا والفعل من داخلها متاحا واحتمال ظهور التغيير من باطنها واقعا لا لسبب إلا لأنها اعتمدت علي منهجية علمية مادية حتى ولو ضلت الطريق شانها شان سياق إنتاج المعرفة المتعرج وتطور أنماط العمل لكنه دائما كان الي الأمام مهما بدا فيه من تراجعات مؤقتة. اما الحالة العربية، ولان لا تأسيس علمي أو منهجي لها وان فكرها ليس سوي تعبئة حماسية عنصرية للجماهير ومساعيها لحشدهم لتبديد طاقتهم دون هدف عالمي تشاركها فيه باقي الشعوب سوي الإيمان بغيب مجهول، فقد خبت وانطفأت جذوتها دون أي تحليل منطقي وعلمي لافتقادها هذين البعدين.
كثيرة هي القيم التي ظلت مكبوتة ولم تر النور وكان سبب غيابها، أو علي سبيل الدقة إغفالها عمدا تحت حجج الإيمان المتكأ علي فكرة التوحيد، أن ضلت العروبة وقوميتها الطريق في موطنها الأصلي وأخذت علي عاتقها تنفيذ مشروعها باستخدام الأديان علي المخالفين عرقيا ودينيا في باقي أراضي الشرق الأوسط. فما موقع قيمة الحرية والفردية وحق الاختلاف وإبداء الرأي بالرفض لأي خارج علي عرف العرب؟ فالعرب مكنوا فكرة الدين منهم الي حد رفض الخلاف بينهم ( لا يجتمع في جزيرة العرب دينان). بانتشار العرب تم زرع عناصر ثقافية عربية لا تعرف الاختلاف في كتل حضارية أساسا مختلفة عما عند العرب. بهذا تولد كثير من المكبوت إضافة الي المكبوت العربي ذاته. وكلما تأزمت الأمور يردد العرب والمؤمنون بالعروبة بان كثير من أسباب الإخفاق يرجع الي ما ليس بعربي وظل ينخر فيما هو عربي لكنهم وبلا أي دموع تمساحية لم يبوحوا لأنفسهم بالسؤال وما الذي جعل المكبوت مكبوتا سوي العروبة وقوميتها ذاتها!!! وهل كانت كل تلك الهزائم والاندحارت سوي نتائج فكر القومية ومنظريها؟ ربما يكون منهج التحليل النفسي للقومية باعتبارها كائنا ساديا نرجسيا لا يقبل شريكا له في الملك سببا لماذا ظهر الإسلام فقط وبشكله الذي نري صورته الأصولية حكرا علي بلاد العرب قبل أن تتمدد وتنخر في المكون الحضاري من المحيط الي الخليج. ولماذا يعاود الظهور في زمن لا يمكنه عبر نصوصه تفسير ما يجري وما يستحدث وما يكتشفه البحث العلمي الغائب فيضطر أهلها لتلفيق الأسباب بالاستدعاء الأسطوري والديني والغيبي من آيات وأحاديث لتبرير العجز مثلما يفعل كثيرين من نجوم برامج التلفيق بين العلم والدين.
تحولات الهزيمة لفكر القومية أرست سفنها علي شاطئ الأصولية لان ما بقي من اشلاء القومية هو ذاته المتجدد والمتوقد في فكر الأصولية. فموقف القومية من المواطن والمواطنة هو ذاته موقف الحركات الإسلامية من ذات الوطن والمواطن حيث النفي الكلي للاثنين. جرائمهم متشابهة أن لم تكن متطابقة ولان مساحات الاستبعاد الجديدة ستكون من مصادر مقدسة كالعقيدة والدين فمن المتوقع مزيد من الكبت المرشح للانفجار.
للقومية العربية نقاد كثيرون أهمهم الماركسيين الامميين أصحاب النظرة المادية الي العالم وأممية قوي العمل البروليتارية. ولا يعني وجود ماركسيين أصبحوا ضمن الرصيد البشري للنخب القومية أن هناك تصالحا ما أو خطأ في الطرح إنما لسبب آخر هو ضمن ما يوجه للقومية العربية من انتهازية تفوق سواها في أي فكر آخر وللنظم الشمولية عامة من مشترك بينها. فالماركسيين العروبيين الذي أداروا ظهورهم للعدالة الاجتماعية وانحازوا الي سلطة القمع القومي لم يكونوا ماركسيين أو ديموقراطيين اجتماعيين بالمعني العلمي إنما حب السيطرة باعتبار أن المخلص القادم عبر حيازة السلطة ولو بالعنف والقوه وبإيديولوجية مبرأة من كل خطأ وصالحة للمستقبل والي الأبد، لكاف حتى ينصلح حال عالم قوي العمل البروليتارية. كذلك فان الإسلام العروبي المنشأ كمنتج عربي أصيل ووحيد – واجب الانتشار بحكم انتشار العروبة وبنفس أدواتها القبلية وهو بالفعل ما حدث قديما واعتبروه صالحا ليس لكل زمان ومكان، ولا محل لتحققه إلا عبر خلافة أو تحول ديني في أعماق البشر يقوده نخبة مبرئة من كل الخطأ وربما مبشرة بالجنة أو من ضباط أحرار، مثلما كانت أممية البروليتاريا السوفيتية واجبه الانتشار لتتحقق الحتمية التاريخية، بلجنة مركزية وثوريون أطهار من ذوو الأيادي المتوضئه. فلا استغراب إذن عندما يدير الماركسي ظهر مرة اخري للقومية ويتجه الي الأصولية الدينية.
بفكرة السيطرة والاحتلال والسيادة وقوة السلاح وحيازة السلطة تم نشر ثقافة العرب ببداوتها قديما منذ 1400 عام رغم أن المعلن وقتها كان نشر الإسلام بالتي هي أحسن!!. تلك كانت الخدعة الأولي والغش التاريخي المستتر فيما سمي الفتح. فقوله ” من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” رغم وضوحها الجلي، كانت أول من خانها العرب والمسلمين الأوائل، وتمسك بها، لاحقا، كل من ليس بعربي لأنها تجعل من لا يدخل الإسلام تلقائيا غير عربي حتى ولو تحدث العربية مع الاحتفاظ بديانته؟ فهل الدخول أو عدمه في الإسلام، العربي المنشأ، ولو تحت سطوة السلاح كاف ليدافع البشر عن قومية أو هوية عربية وافده عليهم؟ هذا السؤال ربما يعيد صياغة التوزيع الفكري والثقافي والحضاري في المنطقة بأسرها. ولن نكون مغالين بان المكبوت يكمن في داخل هذا الطرح عندما اجتاحت فكرة القومية العربية المنطقة جارفة أي فكر نقدي لمعناها وتاريخها باعتبار أن الجميع عليهم أن يكونوا عربا وفقط، مثلما اجتاح الإسلام نفس المنطقة وقام بنفس الفعل دفعا بالدين الجديد باعتبار الشعوب أصبحت مسلمة وكفي. هذا الأمر يتطابق مع أحداث اجتياح السوفييت بعد الحرب العالمية كل الدول التي كونت فيما بعد حلف وارسو وأصبحت مستقلة أخيرا بعد انهيار منظومة القمع الإيديولوجي بعد أن أصبحوا بروليتاريا إيديولوجية وفقط . فلو نقد العرب أنفسهم ولو لمرة واحده لأدركوا حقيقة الشرق الأوسط الواسع المتعدد الثقافات والأعراق واللغات، لكن كيف يمكن للعرب ممارسة النقد وهم لا يملكون منهجا نقديا واحدا، حتى في مجال اللغة التي لا يملكون أداة حضارية سواها مع فقرها الشديد في اكتشاف العالم وعجزها حتى عن كتابة الرواية والملحمة اللهم إلا إعادة بناء الأساطير بشكل أكثر تشوها عن قبل. ولو نقد السوفييت أنفسهم مبكرا أيضا لأدركوا أن الجميع ليسوا مجرد بروليتاريا ولما ظلوا 70 عاما في ذات التيه.
فالفشل الذريع والهزيمة المريرة حديثا في بلاد الشرق الأوسط مثل الجزائر السودان العراق ولبنان ومصر لفكرة القومية بالعمل القمعي تحت رايتها تجعل تلك الدول شبيهه بالمريض النفسي الذي يقاوم العلاج لان حجم المكبوت داخل اللاوعي الحضاري اكبر واشمل بل يتجاوز حجم الدولة ذاتها. وبالتالي فان المتصارع أو المناضل أو المقاوم أو المجاهد حسب ترتيب تاريخية استخدام اللفظ، تحت مظلة القومية، ضمن هذه الكتل السياسية طوال عصر المد القومي العروبي ومن بعده الإسلامي كان ضئيلا وغير صادق. الفشل في الممارسات تلك ادت بالقومية بعد التجائها الي المقدس الديني أو الأسطوري الغيبي الي الاستدعاء الجهادي لنفس الفعل الفاشل فولدت ما سمي حقيقة بالإرهاب. فتعريف الإرهاب هو الاستخدام المفرط للعنف الاعمي دون سند او حجة.
فالحرب والعسكرة من النخب القومية القائدة واعتبار ان السلاح هو الحل مع الداخل والخارج لتلك الدول والمجتمعات تحيلنا مباشرة الي الشك في قدرة الفكرة القومية علي الاقناع والاقتناع وبقدرة العروبة علي الحوار. لهذا كان استخدام العنف ضرورة أولية مارسها الغزاة قديما تحت مسمي الفاتحين والجدد حديثا تحت مسمي الثورة. والظاهر أن تلك القضية ليست مقصورة علي البلاد التي دخلتها العروبة وفرضت نفسها علي النسيج الوطني بهم قديما والا فكيف يمكن شرح كل هذا العنف في بلاد العرب الأصيلة لتمرير الحكم بالإسلام الذي بسببه لم يكن لأحد أن يتعرف عليه حتى داخل بلاد العرب ذاتها أو التعرف علي العروبة ومنتجها الديني خارجها. فالعنف الصريح والواضح في تاريخ العرب ليس وسيلة مؤقتة أو حتى مرحلية في الاستخدام القومي أو الديني إنما هي جزء من المكون الجيني للثقافة العربية لهذا لم يكن هناك داعي للعمل بأقوال مثل : وجادلهم بالتي هي أحسن” أو ادعوا الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”. فتاريخ العرب حسب كتب السير والتاريخ بالمنطقة يدفع الباحث في التشكك في كونهم قانعين بان هذه الأساليب السلمية ضمن نصوص الإسلام أساسا أو أن العمل بها فرض. وهو ما جعل بعض من المستشرقين يشككون في صدق وجود تلك الآيات منذ البداية باعتبارها إضافة في زمن العباسيين حيث تعددت الأعراق والثقافات ضمن كل ما سمي بالعالم الإسلامي. والأكثر غرابة في هذا الأمر أن تصبح عبادة السلطة والحكم – الغائبين في الإسلام – محورا مركزيا للإيهام بان تحقق الأماني مشروط بقياده هي الوحيدة العارفة لطريق الخلاص تماما مثلما كانت قياده اللجنة المركزية للأحزاب الشيوعية هي الوحيدة المؤهلة لقياده العمل الثوري. فالاتحاد السوفيتي كان صورة لفكرة الخلافة الإسلامية باعتباره محققا لدولة البروليتاريا مثلما كان الخلفاء ورثاء لحكم الأنبياء ومؤسسين لأمة المؤمنين.
فالنخبة هنا أو هناك هي التي تعرف فقط طريق الحق والصراط المستقيم وعلي الجميع الانصياع بالسير ورائهم. فأولي الأمر وطاعتهم الواجبة من الشعب هي أيضا فكرة سوفيتية يترقى فيها الأفراد والكوادر حسب الولاء والإيمان بما يجري في قاعات اللجنة المركزية مثلما كان الأمر في مجالس الخلفاء الراشدين والغير راشدين. فليس مستغربا إذن أن نجد كثير من اليساريين القوميين يتحولون بسلاسة وبدون ضجيج الي الحركات الأصولية ويؤيدون الإرهاب باعتباره مقاومة في ظل القومية بعد أن كان نضالا في قول الايديولوجيا وأصبح جهادا عند الأصولية !! يحلفون هنا أو هناك إما علي المصحف والمسدس أو علي منافسو الحركات الشيوعية وبياناتها السرية. فالعدو واحد يستدعونه بأسماء الصليبي الكافر أو الامبريالي أو الاستعماري. وتتلون علي أساس المسمي الأفكار والإيديولوجيات المناضلة المقاومة المجاهدة بين “لا اله إلا الله” ومعها السيف أو المناضلة بشعار “يا عمال العالم اتحدوا” وتحت ظلال المنجل والمطرقة. فنقاء الشعار الأول يتمحور حول استحضار اسم الجلالة كإيقونة داخله للوثوب علي ثروة المخالفين لدين الله بينما روعة الشعار الثاني تكمن في استحضار العمال اعترافا بهم كملاك وحيدين للثروة دون شريك. وكان ضحايا الإيديولوجيتين دائما من أصحاب الثروة التاريخيين أرضا ووطنا. وكانت العدالة حجة ومبررا للاستيلاء علي السلطة فكان أن فقدنا العدالة ومعها الأوطان والتاريخ والحضارة أيضا.
نقد العرب والعروبة ليس طعنا بقدر ما هو تحليل منطقي وعقلاني مع التدبر في نتائج التجارب العربية أو التي قادها عرب وإسلاميين علي وجه الخصوص. فالموروث العربي ليس سوي شعر الجاهلية ثم نصوص الإسلام. فالأول منبوذ والا لما قام الإسلام. إلا أن المسلمين من العرب قاموا باحتواء والحفاظ علي كثير من مخلفات الجاهلية العربية وأضافوه لما بعد الإسلام وجعلوه جبرا وليس اختيارا مما يعني إننا أصبحنا أمام من سيعيد فرض الجاهلية علي أسس أكثر قدسية بدلا من الإيمان غيبا برفضها. فالتفكير داخل منطقة الغيب أو الدعوة ضمن فكر عربي له أساس جاهلي ليست سوي اعاده إنتاج للجاهلية العربية مغلفة بسلوفان مقدس. فالتداخل الذي أحدثه العرب بين الجاهلية والإسلام منعت نقد الجاهلية باعتبارها مقدسا (خيركم في الجاهلية خيركم في الإسلام) وكتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين مثال حي لمدي قدسية الجاهلية عند المسلمين العرب. بهذا يمكن القول بسهولة ودون عناء أن صياغة المنطقة علي أساس الإسلام، حسب ما تراه الأصولية، هو ليس سوي تمرير لما خلفته الجزيرة العربية لهم من جاهلية. وعلي الفكر العربي العلماني‘ إن وجد، أن يطرح سؤالا لماذا تكون العودة الي أصولنا الحضارية كأفضل ما في الشرق الأوسط من منجزات حضارية والأكثر عمقا من الإسلام والعروبة تاريخيا هي شوفينية أو عنصرية أو تفتيت لأمة عربية واحده هي في الأصل لا جامع لها إلا جاهلية العرب التي يعاد تمريرها تحت دعوات العرب الإسلامية الحديثة؟
الجاهلية العربية جوهر ثابت رشمها الإسلام نبذا لها في الآية “أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُون”َ 50 المائدة. لكن العرب لم يغادروها الي نظام حكم مختلف فظل الخليفة وكأنه شيخ القبيلة الجديدة يغازل الفكرة القبلية عند العرب ويؤججها عند الخطر. كانت فكرة الولاء والأمن – الولاء والبراء مؤخرا – في جاهليتهم مرتبطة بعصبية الدم وخط النسب الأبوي، الذي لم ينفكك ولو نسبيا بظهور الإسلام حيث حرص المسلمون علي بقاء الخلافة ضمن قريش القبيلة. لكن عندما دارت الحروب في اغلبها بين مسلمين ومسلمين بالمنطقة بدأت قبلية جديدة تحت مسميات اخري ومذاهب ونحل مستحدثة وفرق متعددة مخالفة. بهذا تحول الإسلام الي مجرد رابطة عاطفية موزعا في نفوس من دخله من غير العرب ومحمولا علي علاقات أساسها تفسير النص أو فهم مختلف للإسلام تبعا لكل مجتمع وطبقا لرصيد كل وطن وحسب تفسير كل مذهب أو جماعة. وظل المكبوت قائما بأنهم أبناء وطن وان الإسلام والعروبة وافدين يحكمان ويصادران الثروة ويقمعان الحضارة باعتبار انهما بديل عن تاريخ ضل طريقة في مسار الايمان والتوحيد.
بانتهاء نشر الاسلام اصبح الخلط بين الدين والسياسة والعرق وجاهلية العرب هو الكوكتيل الذي تقاوم به المنطقة اي اخطار خارجية مستجده ولانه كوكتيل غير متجانس فلم يتمكن الشرق الاوسط من التناغم مع ذاته المتعدد ومع الوافد الجديد من الغرب. فالعروبة هي حركة عنصرية بحكم الاسم وحركة دينية بحكم تاريخية حملها اسلاميا خارج موطن العرب وحركة سياسية بحكم السلطة والتحكم الاقتصادي في مقدرات المنطقة. اوجهها المتعددة المتناقضة كلها اتت بفشل زريع وهو ما انسحب علي العرب كمسكونين بالفكرة القبلية والجاهلية العربية علي غير العرب لاختلاف كل الوجوه عن طبيعتهم وانسحبت الهزيمة وبكل اسف بالضرورة علي الاسلام كدين ايضا. فكلما كانت الامور تتعلق بامر ما، كان يُصدر الاسلام كشريعة مبررا للفتوي في السلم والحرب او التصالح ولعل موقف الخلفاء وصلاح الدين الايوبي ومن قبله معاوية ابن ابي سفيان اللذان استخدما الاسلام باسوا صورة ثم تخلوا عن عنصر السماحة فيه عنه بمجرد ان حازوا علي مكاسب سياسية او ثروات مادية. كان تجنيد اهل الاوطان الذين اقحمت العروبة نفسها عليهم يوما في معركة نشر الاسلام مرادفا ومتكافئا مع تجنيد نفس الشعوب في معركة التحرر الوطني الحديثة. فهل الخسارة كقاسم مشترك بينهما هو ناتج العناصر الغير صادقة في كلا من الحالتين ام في المكون الفكري للعرب باسلامهم وجاهليتهم؟
لقد صدقت حركة القومية العربية اكذوبتها التاريخية ان الشرق الاوسط وطن عربي واحد فاستخفت بكل شئ واعتبرت ان القوة البشرية بتنوعها ليست سوي ماده صالحة للاستخدام القومي دون استشارة وهو ذات الشئ عندما قامت الاصولية الاسلامية بعملية Recycle لنفس القوي البشرية والوطنية من اجل نفس المعركة الخاسرة، تماما مثلما جعل الاتحاد السوفييتي كل القوي وقودا بروليتاريا في معركتها مع باقي الطبقات الاجتماعية. ففي زمن القومية وزمن البروليتاريا كان المكبوت يقوم بالفعل والعمل باكثر مما يقوم به الوعي العام للحركة مما جعل الانفصام هو الظاهرة الواضحة لتلك السياسات. فليس مستغربا ان يشجع الاتحاد السوفيتي – صاحب نظرية الديموقراطية الاجتماعية – نظما فاشية شرسة تتبني القومية العربية بل وتحتقر الشيوعية وتحاربها جهارا نهارا؟ بينما الجالسون في مقاعد الكرملين والحائزين لفائض القيمة دون تفريط يعلمون ان تلك النظم القومية هي طفيلية بالاساس تمالئ سرا عدوها الراسمالي الامبريالي التاريخي وتخطب وده وتتلقي منه دعما مستترا من السلاح والعتاد بل والمعونات ايضا. ففرق التدريب علي مكافحة الشغب ( المظاهرات والاضرابات والاعتصامات … الخ التي كانت حقا طبيعيا في المجتمعات الطبقية الراسمالية) تولت الولايات المتحده تدريبها بعناية. وتناسي اصحاب الايدلوجيا الاشتراكية ان الاسلحة عندهم منتج اشتراكي حازته الفاشية العربية ولم تستخدمه ولم تردها لخزينة اصحابها اصلا!! لهذا لم يكن التقدم عن طريق تنمية البشر واخذهم في الاعتبار بكونهم مواطنين اصحاب حقوق داخل اوطانهم ضمن فلسفة العروبة او حكم الاسلام انما كمواد يعاد استخدامها recycle عندما تتحول الايديلوجيا من القومية العنصرية زمن التحرر من الاستعمار الي زمن الاشتراكية العربية الي الاصولية الاسلامية.
تبدو العروبة وحركة القومية العربية متلهفين دائما علي انقسام جديد في عالم ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وليس نقد ذاتهم من اجل تصحيح مواقفهم. فالنقد ليس اكثر من حوار عقلاني لا وجود له اساسا لان الجميع باتوا عربا!!! فالرغبة العربية في وجود انقسام عالمي جديد واخذ سواتر جديدة او خنادق حديثة جعلهم يتلهفون لظهور قوي جديدة بانقسام العالم مجددا من اجل العيش في الفجوات بين نظامين والتعلق بامعاء كلا من الكتلتين وامتصاصا لافرازات كلا من الايديلوجيتين. تتمني الحركة القومية بزوغ الصين وجنوب شرق أسيا او روسيا كقوة ثالثة، وما لم تظهر تلك الفجوة فان مصير العرب ومصير القومية العربيه يصبح مرهونا بمقدار اعتراف كلاهما بالخطأ التاريخي لنشاتهما ورهنا بمدي الصدق في صلاحية العروبة ومنتجها الديني في التعامل مع العالم الذي توحد واتفق علي مبادئ حقوق الانسان التي ليست ضمن جينات الثقافة العربية او الاسلام بل ولم يستطع كلاهما ان يراكما ما يؤهلهم للظهور علي مسرح العالم الحديث. والسؤال هو إذا كانت الثقافة الاسلامية في طورها الخام ترفض كثيرا من مظاهر الحضارة بالاضافة لمضمونها الرافض مثل: خروج النساء للعمل والفنون التشكيلية والأفلام السينمائية والمسرح والاختلاط في المدارس والجامعات كذلك معارضة الحاكم وحق التظاهر والإضرابات وكشف وجه المرأة باعتباره عورة، إضافة للعلاقة وصداقة اصحاب الديانات الاخري وقيام الأحزاب وكتابة الدساتير والاهم هو امكانية ان يشرع البشر لانفسهم باعتبارهم ذوو اهلية كاملة غير منقوصة فما هي صورة العروبة وقوميتها ودينها في تعاملها مع عالم اكثر تحضرا وارقي عقلا وفكرا وعلما؟
واذا كانت الاصول التي ارتكزت عليها تاريخية نشر العروبة تخالف كل منجزات الحضارة والتقدم بما فيها الصين والهند فما الداعي في زمن العولمة لكل هذا الضجيج الديني الجديد واشعار الفرد بان قيمته الحضارية ليست في ابداعه انما في انصياعة وقبوله لكل ما هو قديم وبات منبوذا ضمن سياق تاريخ نمو الحضارات.
مؤخرا اتي التاريخ بما لا تشتهي كل الايديولوجيات النابعة من العنصرية العربية او اسلامها السياسي ومعهم ايضا وبكل اسف اليسار العربي . الحادث الصدمة هو باراك اوباما. اتي رجل من صلب رجل مسلم اي انه ضل طريقة اسلاميا وخرج من الملة، ملون اي من نفس سلالة العبيد المنقولين عبر سفن النخاسة مثلما كان ابو لؤلؤة المجوسي وبلال مؤذن الاسلام قديما ومعهم جواري وإماء تعج بهم نساء عصور صدر الاسلام، اتي اوباما ليكون علي راس العالم وهو ما لا تتفق معه شرائع فقه الجواري والعبيد. عالم العرب به فئات اخري بجانب العبيد هم اهل الذمة ممنوعون من حقوق طبيعية لانهم من خارج الملة او باعتبارهم مسلمون مؤجل اعترافهم بالشهادة او من المرتدين او من ساروا عكس اتجاه طريق الايمان مثل اوباما. كابوس العرب والاسلام السياسي ان اوباما اتي بطريق ديموقراطي واختاره كثيرين يتنوعون بين من كانوا ساده او عبيدا او اهل ذمة، اختاروه طواعية وليس بالاذعان او بعد التمكين من كرسي الحكم بحق السيف. الولاء له مفقود انما التزامه ببرنامج وضعي هو ضمان بقائه والبراءة منه مقرونة بصندوق اقتراع بعد اربع سنوات كاملة غير منقوصه. صدمة اوباما اتت كالصاعقة علي القوي السياسية الفاعلة عند المتحدثين بلغة الضاد، اتت من المجتمع الامريكي حيث يكيل له الاسلام السياسي ومعه عروبته وقوميته الاتهام بانه مجتمع علي وشك الانهيار بفعل دعاءا مستجاب مرة وترصد له من الله ورسوله لانها ديار حرب او ضعف وانهيار داخلي مرة أخري. اما اليسار فله حججه المادية بان انهيار المجتمع الامريكي كان حتما مقضيا في كتاب محفوظ هو قاعده انهيار النظام الراسمالي بعد نمو قواعده العمالية الانتاجية لتصبح هي المالكة كل شئ. المشترك بين الفصائل الثلاثة هو الانتظار لقدر مكتوب سلفا لن يتحقق الا بالتاريخ وحتميته.فحركته في عرف اليسار تحكمها حتميات اقتصادية أما في عرف الاصولية فهو تحقق لما هو منقوش في لوح محفوظ بان الارض ومن عليها سيرثها عباده الصالحون دون تحديد لمعني الصلاح في عالم متغير. مجئ اوباما ضرب الثلاثة ايديولوجيات بحجر واحد ضربة رجل واحد بينما هم علي قلب رجل واحد ملئ بالكراهية للديموقراطية والحريات وحق اختيار الحكام حتي ولو كانوا يوما من اهل الذمة او ممن ملكت ايمانهم.
elbadry44@gmail.com
• القاهرة
تاريخنا الحديث وبؤس حاضرنا
أتفق مع الكاتب تماماً بأن القول بقومية واحده في منطقة جغرافية شاسعة مثل المطقة العربية لها عمق تاريخي يحمل كل التنوعات العرقية والثقافية والحضارية هو فعلاً افتئات وكذب وظلم لباقي المكون الحضاري، وكانت فكرته ناتجة من خيال مريض لرجل تصور أنه يمكنه أن يعتمد علي لي الحقائق، خاصة وأن فكرة العروبة تأثرت بعنصريه لها قدسية دينية وعرقية وشخصية، أحبطت نموها في مهدها فكانت وبالا علي مخترعها وعلي مصر.
ومع الأسف مازال المنتفعين من القومية العربية يهتمون بها ويضضحكون علي شعب مصر الخاسر الوحيد بها.
drhelbawi@hotmail.com