إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
بعد انسحاب القوات الإيرانية من سوريا قبل 4 اشهر بطلبِ من الأسد، لم يَعُد بوسعها العودة لنجدته خوفاً من أن يقصفها الطيران الإسرائيلي على الحدود بين سوريا والعراق. في موسكو، قال لافروف للأسد “نحن نبحث عن رجال للقتال في أوكرانيا، فكيف نغامر بإرسال جنودنا إلى سوريا”؟
يتحدث عدد من المقربين السابقين من الديكتاتور المخلوع، تحت ستار من السرية، عن النهاية التي تدعو للرِثاء لحُكمه أثناء قيام الثوار بتشديد قبضتهم على العاصمة.
اتصل الهارب ماهر الأسد، شقيق الديكتاتور المخلوع، بأحد أصدقائه قبل أسبوع لينفي شائعة وفاته. “قال لي ‘أنا ما زلت على قيد الحياة’،” وفقاً لما ذكره المصدر لصحيفة “لوفيغارو”. “لكن الأغرب هو أنه أضاف أنه يخطط للعودة إلى سوريا. لماذا؟ إنه مجنون، لا يدرك أن بشار أصبح مكروهاً حتى من قبل عائلته التي تخلت عنه.” بما في ذلك ماهر نفسه، قائد الفرقة الرابعة المدرعة الذي لم يُبَلَّغ من قبل شقيقه بهروبه.
بعد أسبوعين من الإطاحة ببشار الأسد على يد الثوار الإسلاميين في هجوم خاطف استمر 11 يوماً، بدأ الغموض يتبدد بشأن الرحيل المذل للديكتاتور، والانهيار العام الذي تلا ذلك في الأوساط العائلية والأمنية للنظام. وقد وافقت عدة مصادر على الإدلاء بشهاداتها لصحيفة “لوفيغارو” شرط عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية.
“غادر بشار دمشق مساء السبت 7 ديسمبر حوالي الساعة 10:30 مساءً، برفقة ابنه الأكبر حافظ، الذي عاد من موسكو معه قبل أسبوع، و “منصور عزامّ، الأمين العام للرئاسة”، وفقاً لما أكده أحد المقربين من الرئيس للصحيفة. “هربوا عبر نفق يربط القصر بالمطار العسكري المجاور في “المزة”، والذي كانت شركة فرنسية قد أنهت حفره في ربيع 2011 أثناء تصاعد الاحتجاجات.” ومن هناك، غادر الأسد إلى قاعدة “حميميم” العسكرية الروسية على الساحل السوري.
في الساعة 2 صباحاً، غادر ماهر الأسد هو الآخر في مروحية من مطار المزة إلى “حميميم”. يُعتقد أنه وصل أيضاً إلى موسكو. ولكن، وفقاً لهذا المصدر المقرب، لم يُمنح الأمر بإجلاء بشار إلى روسيا “لأسباب إنسانية” إلا في صباح يوم الاثنين من قبل فلاديمير بوتين. وبعد أن اضطر للانتظار 36 ساعة في القاعدة الروسية، تمكن من الانضمام إلى ابنه الآخر “كريم”، وابنته “زين”، وزوجته “أسماء”، التي كانت تتلقى العلاج في موسكو من تجدد مرض سرطان الدم لديها منذ أكثر من ستة أشهر.
لحمايتهم، كان الأسد قد أرسل إلى روسيا، قبل سقوطه، “العقيد مجيد العلي” من الحرس الجمهوري وعدداً من العناصر. ورغم أنه خرج من السلطة بشكل مفاجئ، فإن هذه التدابير، بالإضافة إلى استثمارات عائلة الأسد في موسكو، تشير إلى أن بشار كان قد جهز خطة للخروج المحتمل إلى روسيا. وقد يكشف فحصُ نظام اتصالات القصر، الذي تم تركيبه من قبل شركة أجنبية منذ أكثر من 15 عاماً، عن مزيد من الأسرار.
قبل ساعات من هروبه من دمشق، كان الديكتاتور قد تجنب كلياً الكشف عن نواياه. حتى لأبناء شقيقته، وهما “باسل” و”بشرى شوكت”، اللذين استقبلهما في الساعة 7 مساءً في مقر إقامته في المزة، ولا حتى لـ”بثينة شعبان”، مستشارته السياسية، التي طلب منها عبر الهاتف تحضير اجتماع لظهوره في برنامج تلفزيوني في اليوم التالي. في الساعة 10:30 مساءً، اتصل أحد مصادرنا بـ”كمال صقر”، مسؤول الإعلام في القصر، وسأله: “أين بشار؟” فأجابه “لا أعرف، ليس لدينا اتصال به”.
قبل منتصف الليل، اتصل هذا المسؤول نفسه بوزير الداخلية “محمد الرحمون”، وأخبره أن “السجن في عدرا، الذي يبعد 30 كيلومتراً عن دمشق، بدأ يَفرَغ من نزلائه.” فرد عليه: “لا داعي للقلق، نحن من نقوم بتفريغه”.”سألته إذا كانت دمشق قد تم تحصينها، فأجابه: “نعم، بالكامل، لا يمكن لأحد دخولها!”
نام هذا المسؤول في الساعة 2:30 صباحاً، قبل أن يستيقظ بعد ساعة على أصوات إطلاق نار استمرت حتى الساعة 5:30 مساءً اليوم التالي. كان الثوار في الجنوب أول من دخلوا دمشق، لينضم إليهم في فترة بعد ظهر الأحد مقاتلو محمد الجولاني، الرجل القوي الجديد في سوريا.
منذ ذلك الحين، اختفى وزير الداخلية، بينما أفيد بأن عائلته قد هربت إلى لبنان في تلك الليلة.
وفي الساعات الأولى من الأحد، نجحت بثينة شعبان في عبور الحدود، قبل أن تستقل طائرة في اليوم التالي لتلتحق بابنتها في الإمارات العربية المتحدة، واحدة من القواعد الخلفية للنظام السابق. وفي الفندق الذي مرت فيه في أحد الأحياء المسيحية، رأت شعبان عائلة علي مملوك، رئيس جهاز الأمن الوطني، لكن لم تره هو. يعتقد أن مملوك، أحد أكثر الشخصيات المطلوب القبض عليها من قبل النظام الجديد، قد لجأ إلى موسكو.
أما باسل وبشرى، أبناء شقيقة بشار، فقد عبروا إلى لبنان في تلك الليلة، قبل أن ينضموا إلى والدتهم في الإمارات. أما منال الجعدان، زوجة ماهر، فقد وصلت إلى بيروت مع ابنها في الساعة 6 صباحاً، دون أن تكون برفقة زوجها، ثم استقلت طائرة إلى الإمارات. تقول أحد المصادر: “كنت على الهاتف معها، وكانت تَسُب بشار، وكانت في مزاج سيء للغاية.”
رامي مخلوف، الرجل المالي لعائلة الأسد وابن عم بشار الذي كان قد تم فرض الإقامة الجبرية عليه في 2021، غادر السفينة قبل غرقها بيومين إلى دبي.
عندما أشرقت الشمس في دمشق، يوم الأحد، لم يتبق أحد من عائلة الأسد، تلك العائلة التي حكمت سوريا لمدة أربعة وخمسين عاماً. كما يقول أحد المسؤولين: “كان على كل فرد أن يتدبر أمره بنفسه للعبور إلى لبنان أو عبر الساحل، حيث كانت القوارب تحمل الفارين إلى قبرص، ومن هناك إلى أصدقاء في رومانيا. آخرون لجأوا إلى السفارة الروسية في دمشق قبل أن يتم إجلاؤهم إلى قاعدة “حميميم”، وكان من بينهم قادة أجهزة المخابرات. أما الآخرون، فهربوا بوسائلهم الخاصة إلى حميميم.”
هذا يشمل عم بشار الكبير، رفعت الأسد، 86 عاماً المصاب بمرض الزهايمر، الذي لم يُبلّغه بشّار بفراره هو الآخر. بعد أكثر من 12 ساعة من الفرار عبر طرقات بلدٍ بدأ الثوار في وضع الحواجز فيها، وبعد توقُّف في “القرداحة”، مسقط رأس عائلة الأسد في جبال العلويين، وصل المُسِنّ المرتبك إلى قاعدة “حميميم” حوالي منتصف الليل، حيث طرده أحد حارس روسي لا يتحدث العربية ولا الإنجليزية.
في النهاية، نجا رفعت الأسد فقط بفضل تدخل أحد كبار المسؤولين في موسكو، ومفاوضات مع أطراف محلية سمحت لطائرته الخاصة بالإقلاع دون أن يتم إسقاطها. “أين نحن ذاهبون؟”، سأل الرجل الذي كرّمته فرنسا بوسام “جوقة الشرف” مقابل “خدمات كان قد أداها لفرنسا”، قبل أن تقومب بمصادرة جميع ممتلكاته. “إلى ماربيا!”، طمأنه مَن حوله كاذبين، في إشارة إلى قصره الإسباني الذي تمّت مصادرته الآن.
كيف تخلى فلاديمير بوتين عن حليفه بشار الأسد؟
تسارعت الأحداث بين 27 نوفمبر، بداية الهجوم الثوار الإسلاميين من محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، و7 ديسمبر، نهاية الدعم الروسي لبشار الأسد الذي استمر تسع سنوات.
في 27 نوفمبر، كان بشار الأسد في موسكو لحضور مراسم تسليم درجة الماجستير في الرياضيات لابنه حافظ. قابل بوتين في 29 نوفمبر، بينما كان الثوار قد سيطروا على خمسة أحياء في حلب وأكثر من خمسين قرية مجاورة. ولكن في اليوم التالي، اضطر الأسد إلى العودة بسرعة بعد سقوط حلب، المدينة الثانية في سوريا.
في موسكو، كان الروس قد قدموا دعماً جويّاً محدوداً فقط لحليفتهم، وعلموا أن جيش الأسد قد بات متهالكاً إلى أبعد الحدود تقريباً. زيارته، طلب الأسد من موسكو المزيد من القوات.
تكشف مصادر مقربة من الديكتاتور عن الأسباب التي قدمها سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، لرفض طلبه. “نحن نبحث عن رجال للفوز في حرب أوكرانيا. فكيف يمكننا المغامرة بإرسال رجال إلى سوريا؟” على عكس عام 2015، عندما تدخلنا، ليست “داعش” هي من يهدد هذه المرة. ثم سنكون عرضة لنقد حاد إذا فعلنا في حين أننا ننتقد جرائم بنيامين نتنياهو ضد المدنيين في غزة».
رداً على الروس الذين نصحوه بـ «الاستعداد للخروج»، قال بشار إنه لا يستطيع أن يطلب من الإيرانيين، حلفائه الآخرين، إرسال رجال، لأن ماهر طلب منهم الانسحاب. قبل أربعة أشهر، وبعد أن تعرضت دمشق لعدة ضربات إسرائيلية ضد أهداف إيرانية، طلب الأسد من شقيقه، الأقرب إلى طهران، أن ينسحب المقاتلون الإيرانيون من سوريا. وقال الأسد للروس: «من المستحيل الآن أن يعود الإيرانيون»، خاصة وأنهم سيكونون هدفًا لإسرائيل إذا عبروا الحدود العراقية-السورية.
في الأشهر الأخيرة، بسبب الحرب في لبنان وموقف حزب الله، تدهورت العلاقات بين الأسد والإيرانيين. قال أحد الزوار المنتظمين للقصر: «في نهاية يوليو، عندما رأيته آخر مرة، قال لي بشار إن حزب الله ارتكب خطأ عندما هاجم إسرائيل دعماً لحماس بعد الهجوم في 7 أكتوبر 2023. وقال: “ليس لدينا القدرة على مهاجمة إسرائيل، لأنه إذا فعلنا ذلك، سنضر بعلاقاتنا مع الروس”». كان هذا الموقف الذي كان يلومه عليه شقيقه ماهر، حيث كان ماهر يأسف لأن بشار لم ينتقد إسرائيل بشكل كافٍ عندما كانت قواتها تقصف الفلسطينيين في غزة.
عند عودته إلى دمشق، أخفى الأسد الرفض الروسي لدعمه عن جيشه وشقيقه. هناك عدة مصادر التقت بماهر أو بكبار الضباط الذين أكدوا ذلك. قال أحد الأشخاص الذين التقاهم ماهر: «كان بشار يقول لشقيقه ألا يقلق. لقدخسرنا حلب منذ عشرة أعوام، وبعد عامين استعدناها بفضل الروس الذين سيساعدوننا مجددًا». أما بالنسبة للضباط في الجيش، فكان بشار يؤكد لهم أنه بعد سقوط حلب، سنستعد لجبهة حماة وبقية أنحاء البلاد»، وفقًا لما ذكره صحفي غادر سوريا بعد سقوط الأسد.
في يوم الأربعاء 4 ديسمبر، جمع بشار الأسد رؤساء أجهزة الاستخبارات ليؤكد لهم أنه «سيشرع بالحرب». لكن جيشه لن يقاوم. يتذكر أحد رجال الأعمال الذين غادروا سوريا: «كان لدي ضباط على الهاتف من حماه يقولون لي إنهم يتلقون رسائل عبر نظام اتصال “تيترا” يتكرر فيها نداء: “انسحبوا! انسحبوا!” كنت أسألهم: “من أين تأتي هذه الرسائل؟” وكانوا يجيبون: “لا نعرف”»، حسب رجل الأعمال الذي غادر سوريا.
يعتقد العديد من المصادر التي تم استجوابها أنه كان هناك خيانة.
وقال أحد رجال الأعمال: «لم نجد أي أثر لوزير الدفاع “علي عباس”، ولا رئيس هيئة الأركان، ولا حتى “سهيل الحسن”، قائد القوات الخاصة. هل غيروا ولاءهم وقبضوا؟». في حين يعتقد آخرون أنهم قد يكونون مختبئين في الجبال العلوية، على أمل شن تمرد ضد السلطة الجديدة.
اتصل بشار بحلفائه العرب، بما في ذلك رئيس الإمارات محمد بن زايد («MBZ»)، الذي نصحه بمحاولة الصمود حتى 25 يناير، موعد وصول دونالد ترامب. في يوم الجمعة، وبعد سقوط حمص، وصل منصور بن زايد، نائب رئيس الإمارات، إلى مطار دمشق على متن طائرة خاصة ثم التقى ببشار، الذي استقبل أيضًا مبعوثًا إيرانيًا هو علي لاريجاني. في نفس اليوم، أقلعت طائرة من دمشق على متنها قادة قبائل عربية متوجهين إلى أبوظبي للقاء محمد بن زايد. «عادوا في اليوم التالي حوالي الساعة 5 مساءً مع تعليمات من محمد بن زايد مفادها: “حافظوا على دمشق”. لكن الوقت كان قد تأخر، لم يكن لديهم أسلحة كافية»، كما يقول رجل الأعمال.
أخيرًا، في مساء يوم السبت في الدوحة، قطر، عقد اجتماع بين دبلوماسيين روس وإيرانيين وأتراك حسمَ مصير الأسد.
في المساء، ورد اتصال روسي أخير يطلب منه مغادرة دمشق إلى “حميميم”، حتى لا ينتهي مصيره كما حدث مع القذافي أو صدام حسين.
قال رجل الأعمال: «عندما تترك ألبومات صورك وراءك، فهذا يعني أنك اتخذت قرارك في نصف ساعة. هذا ما فاجأنا. بشار هرب مثل الجبان بينما كان لديه أسبوع للتحضير لمغادرته». وأضاف: «اتصل بي صديقي من موسكو، وقال إنه رأى زين، ابنة بشار، تخرج من الكلية حيث تدرس. أصبحت ابنة بشار تُسمى الآن “جين”. أما شقيقها الأكبر “حافظ”(اسم جده، الذي كان ديكتاتورًا)، فعليه فقط تغيير اسمه ووجهه!».
نهاية تدعو للرثاء.
إقرأ الأصل بالفرنسية، هنا:
Entre Damas et Moscou, les secrets de la débâcle du clan el-Assad