انتصار الجيش اللبناني في معركة نهر البارد بعد اكثر من مئة يوم يجب ان يكون مدعاة للفخر والاعتزاز، خصوصا في ضوء التضحيات الجمة التي قدمها من شهداء وجرحى بالمئات سقطوا دفاعا عن لبنان في احدى اشرس الحروب ضد الكيان اللبناني. ولكن الفخر والاعتزاز لا يمنعان من طرح بعض الاسئلة الوجيهة التي من شأن الاجابة عليها ان تجنبنا حرباً ارهابية جديدة تفاجئنا ونحن غافلون عنها على النحو الذي حصل في العشرين من ايار الفائت.
ولعل الاسئلة التي نريد من الجيش وحتى من المسوؤولين السياسيين الكبار، وفي مقدمهم وزير الدفاع، وحتى رئيس الحكومة نفسه الاجابة عنها، هي: كيف قامت منظمة “فتح الاسلام”؟ ومن كان يقف وراءها؟ وهل كانت حقا تمثل التقاطع المعروف بين المخابرات السورية وتنظيم “القاعدة” كما هو جار في العراق؟ واي دور ادى السوريون فعليا وفي مختلف المراحل من المعركة؟ وهل صحيح ان ضباطا من المخابرات السورية جرى تهريبهم من المخيم في الايام الاخيرة من المعركة؟ وهل تحولت المخابرات السورية في منتصف المعركة من دعم “فتح الاسلام” الى مساندة الجيش اللبناني للقضاء عليها؟ واخيراً وليس آخراً كيف قتل شاكر العبسي، ومتى واين بالتحديد؟
إن اعداد تقرير مفصل، ولا تدخله السياسة، ولا الحسابات الأبعد، هو من اول واجبات السلطات المختصة التي يتعين عليها ان تقول للبنانيين حقيقة ما حصل، وخلفيات اكثر المعارك دموية التي خاضها اللبنانيون ضد تنظيم ارهابي. ولعل الكشف عن حقيقة الدور السوري الحقيقي اليوم يفيد كثيرا في فهم طبيعة التدخل في الشؤون اللبنانية الذي تمارسه دمشق، خصوصا انها تحاول اليوم الايحاء ان التهنئة بإنهاء ظاهرة “فتح الاسلام” يجب ان يتقاسمها النظام السوري مع لبنان! فهل ذهب شاكر العبسي وجماعته ضحية تبدل الرياح السورية التي استخدمته ثم ضحت به لينحر مع عشرات المسلحين التابعين له كالخراف؟
لا نطرح هذه الاسئلة من باب التشكيك في انتصار الجيش الذي ادى دوره على خير ما يرام، انما نطرحها لان حربا بهذه الاهمية لا يمكن ان تبقى من دون اجوبة واضاءات على الحقائق.
و الآن، بعد الانتهاء من الحرب الميدانية في نهر البارد، هناك حرب اخرى يواجهها لبنان الاستقلال، وهي امضى من تلك التي اشعلها شاكر العبسي ومن وراءه: الحرب على المؤسسات الدستورية التي قطع اهلها شوطا كبيرا فيها عبر محاصرة الحكومة الشرعية، ثم مصادرة مجلس النواب، واخيرا وليس آخراً محاولة تطويق الرئاسة بالفراغ بعد سنوات من التمديد اللاشرعي. واذا كانت الافكار المتداولة من هنا وهناك لم تلامس حتى الآن عمق الازمة المتمثل في صعوبة التآلف بين تيارين في لبنان احدهما مناف لفكرة الكيان واللبننة والدولة ولا ينظر الى لبنان إلا باعتباره مجرد مربع على رقعة شطرنج اقليمية، وآخر يحمل مشروع الاستقلال والحرية والسيادة والتعددية ضمن الوحدة، ويقوم على فكرة الدولة كمرجع واحد وحيد لجميع اللبنانيين بلا تمييز ولا تفرقة. من هنا اهمية ان يقترن مطلق اي حل للرئاسة، وغيرها من الملفات الحساسة، ببحث في عمق الخلاف على الخيارات، وعلى فكرة لبنان نفسه. والحق اننا ان لم نتجه صوب لب المشكلة، فإننا نكون مررنا بجانب الحل الحقيقي، لنستثمر في ازمة مستقبلية اكثر خطورة.
إن المطلوب هو التوافق على الخيارات الكبرى في البلاد، وفي طليعتها فكرة الدولة مالكة وحيدة لأدوات العنف في لبنان ما بعد الاحتلال السوري.
علي حماده
ali.hamade@annahar.com.lb
(النهار)