إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
الولايات المتحدة تعرف أن روسيا في ورطة وأنّ الدولة المطلوب مراقبتها هي الصين التي استفادت قبل غيرها من حرب أوكرانيا وجعلت روسيا في جيبها أكثر من أي وقت.
ليسَ أصدق من فلاديمير بوتين في تفسير طبيعة شخصية فلاديمير بوتين. يكفي قوله إن حرب أوكرانيا “مسألة حياة أو موت” بالنسبة إلى روسيا كي لا يعود الرئيس الروسي لغزا. فهمَ وليم بيرنز مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة (سي.آي.أي) ذلك باكراً، خصوصا أنّه سبق له أن عمل سفيرا لبلاده في موسكو. تحدّث بيرنز قبل أيام في شهادة أمام الكونغرس عن بوتين شارحا أنّ الرئيس الروسي لا يستطيع تصور وجود موقع مهمّ لبلده في العالم من دون السيطرة الروسيّة على أوكرانيا.
بعد أيام قليلة، في الرابع والعشرين من شباط – فبراير الجاري، تحل الذكرى الثانية لبدء الحرب التي شنّها الرئيس فلاديمير بوتين على أوكرانيا، وهي حرب تعتبر الأولى من نوعها في القارة الأوروبيّة منذ نهاية الحرب العالميّة الثانيّة. قد يكون الاستثناء الوحيد الحروب التي نجمت عن تفكّك يوغوسلافيا مطلع تسعينات القرن الماضي. لكنّ تلك الحروب لم تؤد إلى شعور كلّ دولة أوروبيّة بأنّها صارت مهددة في أعقاب سعي فلاديمير بوتين إلى فرض احتلال روسي على أوكرانيا ذات الحدود المشتركة مع دول عدّة بينها بولندا.
ما زال الرئيس الروسي يعتقد أنّ في استطاعته الانتصار في هذه الحرب الأوكرانيّة. لا يدرك أنّ ذلك ليس مسموحا. مثل هذا الانتصار ليس مسموحا به على الرغم من الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش الروسي، وهي انتصارات محدودة من نوع السيطرة على مدينة أفدييفكا التي صمدت طويلا في وجه الهجمات الروسيّة قبل أن ينسحب الجيش الأوكراني منها. انسحب الأوكرانيون بسبب النقص في الذخيرة في وقت ليس ما يشير إلى وعي أميركي، خصوصا في الكونغرس لأهمّية الحرب الأوكرانيّة التي غرق الجيش الروسي في وحولها. سارع الرئيس جو بايدن، في ضوء الانسحاب الأوكراني من أفدييفكا، إلى وضع اللوم على الكونغرس، خصوصا على الأعضاء الجمهوريين. اتصل بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لطمأنته إلى أن الكونغرس سيفرج عن المساعدات المقرّرة لأوكرانيا، وهي في حدود 60 مليار دولار.
لم يستطع الرئيس الروسي إخفاء أنّه في وضع لا يحسد عليه، على الرغم من الانتصار الأخير الذي تحقّق في “أفدييفكا” التي صمدت طويلا في الماضي قبل أن يضطر الجيش الأوكراني إلى الانسحاب منها. لم يعد طموح فلاديمير بوتين السيطرة على “كييف”، كما اعتقد في الأيام الأولى للهجوم الذي شنه على أوكرانيا. بات عليه الاكتفاء بما حقّقه على الأرض. في الواقع، دخلت روسيا بعد سنتين من الهجوم على أوكرانيا حرب استنزاف.
لا يمكن لمثل هذه الحرب إلّا أن تنعكس على الداخل الروسي. يؤكّد ذلك اختيار بوتين اقتراب الذكرى الثانية لبدء الحرب الأوكرانيّة للتخلّص من المعتقل السياسي ألكسي نافالني الذي كان محتجزا في سجن يقع في سيبيريا. يدلّ التخلّص من نافالني على ضعف موقف بوتين في الداخل الروسي من جهة والحاجة التي يشعر بها إلى استعداده للتخلّص من أي مواطن روسي يمتلك حيثيّة ويقول كلمة لا من جهة أخرى. يريد بوتين زرع جو من الرعب في كلّ بقعة من الأرض الروسيّة الواسعة.
يتطلّع فلاديمير بوتين، الذي لم يستطع استيعاب الأسباب الحقيقيّة التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفياتي، إلى إثبات أن روسيا قادرة على استعادة موقع القوة العظمى في العالم. يلجأ إلى تصفية معارضيه ومتابعة الحرب الأوكرانيّة إلى ما لا نهاية في الوقت ذاته. لا يزال الرئيس الروسي يعتقد أنّ في استطاعته تهديد العالم، وأوروبا تحديدا، بالسلاح النووي والصواريخ الباليستية. لا يعرف معنى أن يكون حجم الاقتصاد في الاتحاد الروسي دون حجم الاقتصاد الإيطالي، على الرغم من عدم امتلاك إيطاليا أي ثروات طبيعيّة من نفط وغاز.
يبدو واضحا أن الرئيس الروسي ما زال يتصرّف على طريقة الضابط في جهاز الاستخبارات التي كان اسمها “كي. جي.بي” أيّام الاتحاد السوفياتي. ليس في إمكان بوتين الخروج من الدور الذي رسمه لنفسه والذي يجعله أسير أوهام معروف كيف تبدأ وليس معروفا أين يمكن أن تنتهي. بدأت هذه الأوهام مع التخلّص من كل معارض بالطريقة المناسبة. كان ذلك إمّا عن طريق دس السمّ كما حدث مع ألكسندر ليتفيننكو في لندن… أو تفجير الطائرة التي يستخدمها هذا المعارض، أو المعترض، كما حصل مع يفغيني بريغوجين قائد مجموعات “فاغنر”. قضى بريغوجين مع مساعديه في طائرة أقلعت من مطار في موسكو في آب – أغسطس الماضي. طويت صفحته وطوي التحقيق في الجريمة تماما مثلما سيطوى التحقيق في وفاة ألكسي نافالني الذي يبدو واضحا أنّه قضى تحت التعذيب.
بعد عامين على بدء حرب أوكرانيا، يبدو مفيدا الخروج ببعض الاستنتاجات. من بين هذه الاستنتاجات استفادة روسيا من حرب غزّة بعدما توجّهت كلّ أنظار العالم إلى هذه الحرب التي غيّرت الكثير من المعطيات الدوليّة. من بين هذه الاستنتاجات أيضا أنّ التركيز سيعود قريبا إلى الحرب الأوكرانيّة، خصوصا أنّ أوكرانيا مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى كلّ دولة أوروبيّة، مثلما أن فلاديمير بوتين ربط مصير روسيا بسيطرتها على أوكرانيا.
عاجلا أم آجلا، سيعود الاهتمام الأميركي بأوكرانيا. الأهمّ من ذلك كلّه أن الـ”سي.آي. أي”، تعرف بفضل وليم بيرنز ما هو فلاديمير بوتين. لو لم يكن الأمر كذلك لما أكّدت واشنطن مرارا أن حرب أوكرانيا ستندلع في 24 شباط – فبراير 2022. صدقت واشنطن ولم يصدق فلاديمير بوتين الذي نفى مرارا ولا يزال ينفي أنّه كان في نيته مهاجمة أوكرانيا.
يبقى أنّ الأمر اللافت حاليا يتمثل في أنّ أميركا تعرف أن روسيا في ورطة وأنّ الدولة المطلوب مراقبتها هي الصين التي استفادت، قبل غيرها من حرب أوكرانيا، وجعلت روسيا في جيبها أكثر من أي وقت. لم يكن ذلك ممكنا من دون حرب أوكرانيا ومن دون الحسابات الخاطئة لفلاديمير بوتين.
شو بدك تفسر انسان بلا ضمير عم يتمرجل على دولة صغيرة متل أوكرانيا ويقتل المسحية يروح يتمرجل على دولة بحجم روسية بس بعتبر أوكرانيا ربحة بالنسبة للوقت والحجم والله كبير