تكشف مصادر سياسية مطلعة ان السبب الرئيسي وراء “الاستنفار” الاميركي والفرنسي حيال لبنان في الاسابيع الاخيرة كان معلومات تردد ان سوريا اوصلتها الى الفرنسيين مفادها ان ” حزب الله” يحضر لانقلاب سياسي دستوري في لبنان معتبراً ان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط هما الى جانبه مع حليفيه اي رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون الامر الذي يتيح له قلب الاكثرية في مجلس النواب. وتاليا الدفع نحو حكومة جديدة برئاسة شخصية سنية مقبولة ومستعدة لهذا الدور. وهذه الحكومة تتولى قطع علاقة لبنان بالمحكمة الدولية.
وقد حضر مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان الى لبنان في ضوء تبلغه هذه المعلومات من الفرنسيين والتقى رئيس الجمهورية والنائب جنبلاط من دون سواهما من اجل التحذير من مغبة سيناريوات مماثلة على لبنان وخصوصاً بالنسبة الى رئيس الجمهورية الذي يعتبر حاميا للدستور والامين عليه وعلى اللبنانيين. كما واصلت الولايات المتحدة وفرنسا مواقفهما الداعمة للمحكمة وعملتا على اضاءة هذا الجانب من الازمة امام المملكة العربية السعودية التي وعدت بتقديم التمويل اللازم للمحكمة، كما فعلت الولايات المتحدة قبل ايام قليلة اذ قدمت عشرة ملايين دولار اضافية اعلنت عنها المندوبة الاميركية لدى الامم المتحدة سوزان رايس. وهي خطوة سعودية الى جانب خطوات تتصل باهتمام سعودي توزع على اكثر من مستوى في المملكة حيال التعامل مع الشأن اللبناني.
وبحسب هذه المصادر ليس واضحاً السبب الذي حدا بدمشق على الاضاءة على هذه الاستعدادات لفريق حلفائها وما اذا كان متصلاً برغبتها في استعادة الدور الراعي والممسك بلبنان بطلب من الخارج من اجل درء ما يحضر. الا ان الدور الذي اعتمدته سوريا في الاسابيع الاخيرة لم يلق اي صدى ايجابي لدى الدول الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا وان تكن ابواب الحوار بين اي منهما والعاصمة السورية لا تزال مفتوحة. اذ ان سوريا كانت نجحت في العامين الماضيين بفضل مجموعة عوامل من بينها حملة علاقات ديبلوماسية عامة تولتها زوجة الرئيس السوري واقامتها مع وسائل اعلام عدة ومؤسسات في الغرب فساهمت في تخفيف حدة النظرة الغربية الى سوريا والتشجيع على الانفتاح عليها. وهي أمور ساهمت ايجابا الى جانب التعديل الذي طرأ على الموقف السوري من مسائل تهم الولايات المتحدة او اوروبا ومن بينها لبنان. الا ان الوضع تبدل في الاسابيع الاخيرة ولم يعد الغرب متأثراً بذلك والبعض يعتبر ان خطأ كبيراً ارتكبته دمشق في الدخول المباشر على خط الانحياز في لبنان والتدخل في ازمته من خلال المذكرات القضائية السورية في حق شخصيات لبنانية فأضاءت على دور سلبي لها مجددا في لبنان اقله وفق نظر الدول الغربية التي تطمح سوريا الى علاقات جيدة معها، وكذلك وفق وجهة نظر بعض الدول العربية.
وقد تطورت المسألة على نحو حساس ومعقد بحيث ان اسرائيل وظفت الدخول السوري على الازمة في لبنان وبزيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد له بموقف اسرائيلي تفيد المعلومات انه حمل انذاراً او كان بمثابة تهديد لسوريا ازاء اي دور متطور لـ”حزب الله” في لبنان” بتوجيه ضربات عسكرية اليها وليس الى لبنان فقط، علما ان دمشق كانت تعول على المفاوضات من اجل تجنب الحرب.
ولهذا المشهد الاقليمي خلفية اكثر تعقيدا مع ايران الذاهبة الى مفاوضات جديدة حول ملفها النووي في ظل تشدد غربي متوقع ومع تركيا الذاهبة وفق معلومات موثوق بها الى محاولة استعادة علاقتها مع الغرب والولايات المتحدة بعدما توترت علاقتها مع كليهما بسبب اسرائيل من جهة وبسبب تقاربها من ايران من جهة اخرى والذي لم يعد عليها بالفوائد الاقتصادية المرجوة. ولن تتأخر الاشارات التركية التي توحي بالاتجاهات الجديدة التي لها انعكاساتها ايضا على طبيعة العلاقة التركية مع دول الجوار.
وبسبب هذه العوامل المتداخلة فان التوتر في لبنان خرج عن امكان اعتباره محلياً صرفاً كما ان الغموض هو سيد الموقف على رغم كثرة التكهنات والسيناريوات. وقد لفت تبرير مقاطعة قوى من 8 آذار لجلسة الحوار في بعبدا بثلاثة عوامل من بينها مبلغ عشرة ملايين دولار قدمتها الولايات المتحدة الى المحكمة وموقف رئيس المحكمة الخاصة بلبنان انطونيو كاسيزي وكأنما هذا الامر يشي بأن لهذه القوى ان الامور تتخذ منحى آخر لم تتوقعه. اذ ان كاسيزي اضاء في الايام القليلة الماضية على نقطة كان يعول عليها البعض “في الانقلاب الدستوري” من اجل وقف عمل المحكمة اي من خلال استرجاع الحكومة اللبنانية الاتفاق الموقع مع الامم المتحدة. اذ قال “انه بموجب اتفاق فيينا وفي حال اعتبرت المحكمة غير دستورية (على ما كان قال الرئيس نبيه بري) يمكن ان يكون مصادقا على الاتفاق حتى لو لم تكن السلطات موافقة. وان السلطات اللبنانية وافقت على الاتفاق المعقود في خصوص المحكمة لانه عندما طلب المدعي العام الدولي من لبنان احالة جميع الملفات التي جمعت من السلطات اللبنانية ولجنة التحقيق الدولية امتثل للطلب واحالها علينا من طريق وزارة العدل ولولا احالتها لما تمكن القضاة من اطلاق الضباط الاربعة”. وهو أمر يؤكد ان اي قرار من مجلس النواب او الحكومة اللبنانية لن يغير من واقع الاتفاق الموقع مع الامم المتحدة حول المحكمة وان الموافقة سابقا لا تسمح بالتراجع عنها لاحقاً. الامر الذي يعطل الكثير من مبررات السيناريوات الداخلية او غاياتها من حيث المبدأ.
روزانا بومنصف
rosana.boumounsef@annahar.com.lb