شهدت الحزب الشيوعي الصيني ومن ورائه ذراعه العسكري ممثلا في الجيش الأحمر منذ إحكام قبضته على البر الصيني في عام 1949، تحديات كثيرة وكبيرة، بعضها في صورة المطالبة بالانسلاخ عن التراب الصيني وإقامة دولة مستقلة كما في حالة التبت منذ أوائل الخمسينات، وبعضها الآخر في صورة المطالبة بالانفتاح السياسي والحريات واحترام حقوق الإنسان كما في واقعة ساحة “تيان ان مين” في عام 1989.
وكما هو معروف استخدمت بكين في التعامل مع تلك المطالب مزيجا من سياسات الترغيب (في صورة الوعود المعسولة التي لم يتحقق منها شيئا) والترهيب (في صورة البطش الدموي على غرار ما جرى في ” تيان ان مين ” حينما قامت دبابات الجيش الأحمر بسحق المتظاهرين العزل)
غير أن أحداث الأسبوع الماضي الدموية التي كان مسرحها مقاطعة شينغيانغ الشمالية الغربية أو ما كانت تعرف بتركستان الشرقية قبل دمجها بالصين في الأربعينات من القرن المنصرم، جاءت مختلفة عن سابقاتها سواء لجهة المكان أو الزمان أو الأسباب أو أعداد الضحايا.
صحيح أن قضية هذه المقاطعة قديمة وتعود إلى الحقبة الماوية، وصحيح أن حكومات بكين المتعاقبة حاولت أن تخفي ما كان يجري هناك وتعطي انطباعا للخارج أن الأمن والنظام مستتبين فيها. غير أن الصحيح أيضا هو أن ثورة الاتصالات التكنولوجية فضحت المستور، تماما مثلما فعلت في أماكن أخرى مغلقة من تلك التي عاندت أنظمتها رياح العصر.
وقبل الغوص عميقا في الموضوع لا بد من مقدمة توضح أهمية شينغيانغ بالنسبة للصين والتي تفوق مئات المرات أهمية التبت مثلا، وبما يجعل استتباب الأمور فيها أمرا ملحا للصين كدولة واقتصاد. فهذه المقاطعة التي يوازي مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة ولاية كاليفورنيا الأمريكية ويسكنها نحو 10 ملايين نسمة من قوميات الايغور والكازاخ والقرقيز هي مهمة أولا بسبب ما في باطنها من ثروات معدنية ونفطية.
حيث تشير أدبيات مؤسسة النفط الوطنية الصينية إلى أنها تحتوي على 17.5 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز الثابتة، لكن المؤسسة أضافت انه بسبب الصعوبات الجيولوجية ووجود هذه الثروة في أعماق سحيقة، فانه من الصعب تقدير ما يمكن استخراجه بالفعل. وعلى أية حال هناك أدلة مؤكدة تقول بان المقاطعة تنتج سبع إنتاج الصين من النفط، وان في باطن أرضها ربع إجمالي الاحتياطيات النفطية الصينية، علاوة على أن بها أكثر من خمسي احتياطيات الصين من الفحم.
وشينغيانغ مهمة ثانيا بسبب مرور أنابيب الغاز القادمة من الغرب إلى الشرق (أي من دول آسيا الوسطى إلى شرق الصين) في أراضيها. حيث تم تدشين خط أنابيب بطول 4000 كيلومتر من شينغيانغ إلى شنغهاي في عام 2005 . وفي أوائل العام الماضي تم البدء في العمل بمشروع خط أنابيب جديد مواز بطول 9000 كيلومتر من شمال غرب شينغيانغ إلى مدينة غانسو، وذلك بعد تزايد الطلب على الغاز لإحلاله مكان الفحم كمصدر للطاقة. ومن المحتمل البدء بمشروع خط أنابيب ثالث ورابع في الأعوام القادمة.
وشينغيانغ مهمة ثالثا لأنها كانت على مدى العقود الماضية المكان الأفضل لإجراء التجارب النووية الصينية. وأخيرا فهي مهمة لأن بكين استثمرت فيها على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية الكثير من الأموال بغرض تنميتها وإعدادها لكي تكون منطقة استراتيجية تمارس من خلالها النفوذين السياسي والاقتصادي في دول آسيا الوسطى وبحر قزوين في حقبة ما بعد انهيار خصمها الإيديولوجي (الاتحاد السوفياتي). ويكفي كدليل على الجزئية الأخيرة أن نعلم أن شينغيانغ تحدها كل من كازاخستان وقرقيزستان وطاجيكستان وولاية كشمير المتنازع عليها ما بين الهند وباكستان والتبت ومنغوليا وأفغانستان وروسيا الاتحادية.
أما أسباب اندلاع موجة أعمال العنف الأخيرة التي أصيب فيها المئات ما بين قتيل وجريح، فلئن كانت من جهة انعكاسا وتجديدا للمطالب القديمة لسكان المقاطعة من “الايغور” المسلمين بالانفصال في دولة مستقلة على نحو ما حدث لأبناء عمومتهم في دول آسيا الوسطى من ذوي الثقافة التركية، فإنها من جهة أخرى تنفيس عن غضب طال كبته بسبب سياسات بكين التي اعتمدت نهجا شبيها إلى حد ما بما انتهجه الديكتاتور السوفياتي الراحل جوزيف ستالين أثناء الحرب العالمية الثانية مع الشعب الشيشاني. وبعبارة أخرى عمدت بكين منذ سنوات على تشجيع اثنية الهان البوذية والتي تمثل الاثنية الغالبة في الصين وبعدد يتجاوز 1.2 مليار نسمة، على الهجرة إلى شينغيانغ مع منحهم الأفضلية في تولي الوظائف العامة وإدارة المشاريع الخاصة واقتناص الفرص الاقتصادية، الأمر الذي أثر على أوضاع السكان الأصليين من الايغور سلبا وحولهم إلى أقلية، بل دفعهم إلى مغادرة موطنهم للبحث عن الرزق في مقاطعات صينية أخرى. هذا عدا قيام بكين بالتمييز ضد الايغور واضطهادهم ومنعهم من أداء شعائرهم الدينية بحرية، بل وتقييد حريتهم في السفر خارج مدنهم، طبقا لتصريحات زعمائهم المحليين التي تتناقض مع ما يدعيه المسئولون الصينيون من أن حرية العبادة والانتقال باتت مكفولة للجميع.
وليس من قبيل المبالغة لو قلنا أن هذا المنحى كان احد الأسباب التي أدت إلى ظاهرة التشدد والتطرف في أوساط الايغور، والتي انتهزتها الجماعات الإرهابية في أفغانستان وباكستان للتغلغل في صفوفهم من اجل تلقينهم أفكار تنظيمي القاعدة وطالبان، أو من اجل جذبهم إلى معسكرات التدريب في تورا بورا و وزيرستان و معسكرات حزب الله الآسيوي السرية داخل كازاخستان– على نحو ما اعترف به بعض من قبض عليهم وتم ترحيلهم إلى معتقل غوانتنامو قبل ان يتوزعوا ما بين باكستان وكازاخستان – أو من اجل استخدامهم كأدوات لتنفيذ العمليات الانتحارية والتفجيرية خارج الصين وداخلها على نحو ما حدث من هجمات في منتصف التسعينات في مدن كاشغر وطورفان. غير أن الصين –بعدما تسببت جزئيا في هذا الخراب المتمثل في خروج الايغوريين لتلقي التدريب العسكري والفكر المتطرف – صارت إلى جانب تهديدها بضرب كل من تسول له نفسه المس بالأمن والنظام، تحاول تأليب المجتمع الدولي على الايغور بالقول أنهم إرهابيون، وأن الإرهاب عدو الأسرة الدولية جمعاء، وان الصين كانت في مقدمة الداعمين لمكافحة الإرهاب الدولي منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وبالتالي فعلى الأسرة الدولية ان تقف معها اليوم، مثلما طالب الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية في مؤتمر صحفي عقده للتعليق على أحداث “أورمتشي” (عاصمة شينغيانغ). ومما ردده هذا المسئول الصيني وغيره في تصريحاتهم حول الأوضاع في الأخيرة لوكالة أنباء “شينهوا” الصينية، قولهم أن أعمال العنف والشغب في شينغيانغ ما كانت لتصل إلى هذا المستوى لولا ما يقوم به المجلس العالمي للايغور بقيادة “ربيعة قدير”، سيدة الأعمال الايغورية التي تعيش حاليا في المنفى بالولايات المتحدة الأمريكية، من بعد أن قضت عدة سنوات في المعتقلات الصينية بتهمة المشاركة في أنشطة انفصالية تهدد وحدة تراب البلاد. والجدير بالذكر ان المجلس المذكور يتخذ من الولايات المتحدة مقرا له ويحاول من خلال شبكاته واتصالاته مع أعضاء الكونغرس الأمريكي ونخب الحزبين الجمهوري والديمقراطي شرح انتهاكات حقوق مسلمي الايغور، والمطالبة بدعم فكرة الحكم الديمقراطي الذاتي في شينغيانغ ( حيث اتضح أن لا واشنطون ولا أي من حلفائها الغربيين يريدون تصعيد الموقف مع بكين بالوقوف خلف فكرة انسلاخ مقاطعة شينغيانغ في دولة مستقلة، خصوصا وأن صين اليوم تمثل قوة اقتصادية وصناعية وتجارية وذات حضور بارز على الساحة الدولية، مما يجعل إغضابها أمرا صعبا).
ولعل الأمر المختلف في أحداث الأسبوع الماضي عن أحداث عام 1989 الدموية في ساحة “تيان ان مين”، ان الجيش الأحمر لم يكن مسئولا مسئولية مباشرة عن سقوط الضحايا في الشوارع إلا تأكد له أن الأمور بدأت تأخذ منحى دمويا رهيبا. – وإنما أصابع المسئولية وجهت ابتداء إلى اثنية الهان – بغض النظر عما إذا كان هؤلاء تصرفوا من تلقاء أنفسهم أو كانوا ينفذون مخططا معدا سلفا – فعناصر الهان هم الذين خرجوا بالسيوف والسواطير والسلاسل لمطاردة الايغور للاقتصاص منهم، حينما قام الأخيرون بمظاهرة سلمية في “أرومتشي” احتجاجا على طريقة تعامل الحكومة مع اشتباكات حدثت في شهر مايو المنصرم بين عمال من الهان وآخرين من الايغور داخل مصنع للعب الأطفال في مدينة “شاوغوان” في ولاية “غواندونغ الجنوبية”، حيث قتل اثنان من العمال الايغور. وفي نظر بعض المراقبين لم تكن انتفاضة الهان الدموية (التي سرعان ما رد عليها الايغور بانتفاضة دموية مماثلة) بمستغرب في ظل تزايد افتخارهم واعتزازهم بقوميتهم وأصولهم والذي أدى إلى اتساع الهوة بينهم وبين مكونات الشعب الصيني الأخرى ممن يعتبرون أنفسهم ذو ثقافة مغايرة وأصول مختلفة مثل الايغور و شعب التبت. بل لم تكن الانتفاضة غريبة بسبب ما يعتبره الهان من ارتباط الايغور بجماعات أجنبية متطرفة تسعى إلى تدمير كل ما أنجزته الصين من صعود في العقود الأخيرة.
elmadani@batelco.com.bh
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
بكين في مواجهة صداع من نوع آخر في شينغيانغ تلقيت الاسبوع الماضي تحريضا على التظاهر امام السفارات الصينية تضامنا مع “اخواننا” الايغور الذين تعرفنا عليهم للتو, التحريض جاء من شاب في اواخر العشرينات من العمر ويحمل الجنسية الاسرائيلية , فهو حتما مهدد بالاقتلاع على الطريقة الشيلوكية (فأنى له اثبات يهوديته؟!) .. بما انه يكبرني بعامين فهو اعلم مني بعقدين فطلبت منه معلومات كافية فما هو مؤكد لدي ان ملابسي الداخلية صنع الصين .. بانتظار الرد ذهبت الى “الايكونومست” كمصدر ذو مصداقية معقولة وفوجئت انهم (في اجازة من هذه المصداقية) فالتغطية مليئة بنعتقد ونظن على نحو غير معهود ومعنونة (كابوس بكين؟؟؟!!!)… قراءة المزيد ..