منحت الثورات في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن قطاع الإعلام فرصة ذهبية للخروج من بيت الطاعة والقطع مع إرث ثقيل من التوظيف والتدجين استمر عقودا. وأبصر القطاع ثورة في ما بات يُعرف بـ “بلدان الربيع العربي” عكست إلى حد كبير مستوى الحرية الذي صار واقعا يوميا كاد الناس ينسون معه حقبة الإستبداد.
في الأثناء، ألقت الثورة الإعلامية بتداعياتها المباشرة على دول الجوار، فاهتزت الرتابة السائدة في أكثر من بلد، وصار الإعلام المحلي يتجاسر على تخطي المحرمات والموانع، حتى لو كان المستهدف هو الملك ومحيطه القريب مثلما حدث في الأردن والمغرب.
تغير الإعلام العمومي في بلدان الربيع العربي فلم يعد بوقا حصريا للحاكم وانفتحت أبوابه في وجوه النشطاء والحقوقيين والمعارضين السابقين، بل والمواطن العادي، بعدما كان الظهور في قناة أو محطة إذاعية أو صحيفة داخل بلدهم ضربا من المستحيل بالنسبة لهؤلاء.
وانكسرت القيود التي كانت تحول دون إنشاء صحف خاصة فصدرت مئات اليوميات والأسبوعيات، وإن لم يقتصر الأمر على المهنيين، وإنما حصل على هذا الإمتياز كل من هب ودب. وفيما توارى كثير من حملة المباخر السابقين، إلا أن بعض رموز الأنظمة البائدة مازالوا متنفذين في بلدانهم، وإن من وراء الستار أحيانا.
في تونس
وفي تونس التي انطلقت منها شعلة الثورات العربية، انهارت أركان الإمبراطورية الإعلامية التي أقامها مستشار بن علي عبد الوهاب عبد الله طيلة عشرين عاما حجرا حجرا. غزا المجتمع المدني القناتين العموميتين والمحطات الإذاعية و”فتح” القنوات الخاصة فتحا مبينا تكرست معه إلى حد كبير المصالحة بين الإعلام المحلي والجمهور، الذي لم يكن يثق سوى بما تقوله وسائل الإعلام الخارجية. وبناء على تلك المصالحة تراجع الإهتمام بالفضائيات العربية والدولية لأن الجمهور بات يجد ضالته (إلى حد كبير) في الإعلام المحلي.
واضطرت وسائل الإعلام المملوكة من أفراد الأسرة الحاكمة السابقة، مثل إذاعات “موزاييك” و”شمس أف أم” و”الزيتونة” وصحف “دار الصباح”، إلى مسايرة مناخ الثورة، فيما تمت تسمية متصرفين قضائيين على رأس تلك المؤسسات. واستعاد قطاع الإعلام بريقه الجذاب بعد عقود من التصحر الذي حمل خيرة الكفاءات التونسية على الهجرة.
فرت العناصر الممالئة للنظام السابق من نقابة الصحفيين أو من البلد برمته، في أعقاب سلسلة من الإنقلابات والمضايقات والضغوط التي ظهرت قلة جدواها بعد سقوط رأس النظام في أقل من ثلاثة أسابيع، وانتقل البلد فجأة إلى حال وصفها كثيرون بالإنفلات الإعلامي، ووضع كل طرف مضمونا خاصا به لعبارة الإنفلات.
فعلى الجانب الآخر من اللوحة، يلحظ المتابع استخفافا بالضوابط المهنية والأخلاقية إذ استباح أي شخص أعراض الآخرين، وأقبل عشرات الدخلاء على القطاع “يُسوّدون وجوههم علّهم يصبحون فحّامين” كما يقول المثل التونسي. لكن كان بين هؤلاء فحامون حقيقيون اسودت بشرتهم من كثرة الفحم والحبر الذي ملؤوا به صفحات الجرائد والمجلات في مدح ساكن قصر قرطاج وأصهاره طيلة سنوات.
ويمكن أن تُدرج في هذه الخانة عدة صحف ومجلات كانت تسبح بحمد بن علي وتشوّه صورة خصومه وتنتهك أعراضهم، إلا أنها اكتفت بقلب الأدوار بعد الثورة فصارت تشهر بأسرة بن علي وتمدح معارضيه السابقين، وأخفقت – حتى الآن – جميع الدعوات إلى محاسبة المسؤولين عن تلك “الصحف الصفراء” مثلما يصفها التونسيون.
مع ذلك ظهرت صحف جديدة ورقية والكترونية ضخت دماء حية في الجسم الإعلامي، وترافقت مع عودة صحف كانت محتجبة أو مقفلة إلى الصدور بعد الثورة، أبرزها “المغرب” التي كانت قبل عشرين عاما ونيف مجلة أسبوعية وعادتللظهور يوميا.
الصراع على الشاشة الصغيرة
لكن بقدر انتشار المواقع الاجتماعية وإقبال فئات واسعة من الشباب والنخب على التدوين والتصفح، برزت المحطات الإذاعية والتليفزيونية بوصفها قطب الرحى في المعارك السياسية التي عرفتها ومازالت تعرفها تونس بعد الثورة.
واستطاعت القناة “الوطنية الأولى” التي طالما ازدراها المشاهدون على أيام بن علي، استقطاب جمهور واسع تخطى القنوات المحلية والعربية (انظر سبر الآراء). ويُعزى ذلك إلى أسلوبها الجديد في تغطية الأحداث وكذلك الحوارات التي دأبت على بثها بمشاركة جميع ألوان الطيف. وتسلقت القناتان الخاصتان “حنبعل” و”نسمة” سلم المشاهدة بدرجات متفاوتة بعدما اقتفتا آثار القناة العمومية الأولى. إلا أن انفتاح هذه الأخيرة على المعارضة والمجتمع المدني أثار حفيظة الحزب الذي يقود الائتلاف الحاكم والذي اتهم العاملين في التليفزيون بالإنحياز.
وذهب رئيس الجمهورية منصف المرزوقي في محاضرة ألقاها مؤخرا في الدوحة إلى حد اتهام الإعلام بكونه البؤرة الأولى للثورة المضادة في تونس، في رد على سؤال تم توجيهه إليه لكشف النقاب عن القوى المناوئة للثورة. وكان كافيا أن يُعلن رئيس حركة “النهضة” راشد الغنوشي أن مؤسسة التليفزيون ستوضع على جدول الخوصصة لكي يجتاح السلفيون المعتصمون منذ أكثر من شهر أمام مبنى التليفزيون، ساحة المؤسسة ويكتبون على جدرانها شعارات تُعلن أنها معروضة للبيع، قبل أن ينزلق الإجتياح إلى اعتداءات على الصحفيين استوجبت نقل بعضهم إلى المشفى.
سياسيا عين رئيس الحكومة مسؤولين جددا على رأس المؤسسة ما صب الزيت على نار الإحتجاجات وغذى حركة التضامن مع الإعلاميين، خصوصا أنها ذكرت بتسميات سابقة تم بموجبها تعيين قيادات إعلامية عملت في ظل نظام بن علي على رأس مؤسسات صحفية عمومية. بهذا المعنى رأى خبراء مثل مدير المركز الأفريقي لتدريب الصحافيين الدكتور عبد الكريم الحيزاوي أن الإعلام لم يكمل بعد ثورته تماما سواء على مستوى المهنية أو الإستقلال. واللافت أن الجهات الرسمية لم تستجب حتى الآن لمطالبة المهنيين بنشر قائمة الصحافيين الذين كانوا يتقاضون رشاوى وامتيازات مقابل عملهم مع النظام السابق، وهي القائمة المعروفة بـ”قائمة وكالة الإتصال الخارجي” التي كانت في مثابة وزارة الدعاية أيام بن علي.
واعتبرت نقابة الصحافيين أن استمرار عدد كبير من مسؤولي نظام بن علي في خريطة القيادات الاعلامية الحالية رسالة خاطئة للتونسيين عموما، خصوصا بعدما قامت الحكومة الراهنة ليس فقط بتعيين رؤساء جددا في وكالة الأنباء والإذاعة والتليفزيون والصحيفتين العموميتين الوحيدتين، وإنما أيضا بتسمية المسؤولين عن التحرير في المؤسسات الإعلامية. وقالت النقابــة إنها “تحمل الحكومة المؤقتة مسئولياتها كاملة في ما سيترتب عن هذه التعيينات العشوائية من نتائج خطرة على المهنة والقطاع وترديه، خاصة أن بعض المعينين كان خادما طيعا للنظام الاستبدادي السابق (نظام بن علي) بل إن بعضهم ارتبط اسمه بملفات فساد”.
من هنا بات الإعلام العمومي في قلب التجاذبات السياسية، ما طرح أسئلة كبرى عن مصير العمل الذي قامت به “الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والإتصال” منذ أكثر من عام لوضع خارطة طريق مقتبسة من أعرق التجارب العالمية، الأنكلوسكسونية واللاتينية، في هذا المجال، وهو تقرير تأليفي شامل سُلم للرؤساء الثلاثة ونُشر للعموم في آخر يوم من شهر أبريل.
ويقع مشروع إنشاء مجلس أعلى للإعلام السمعي والبصري في صميم خارطة الطريق تلك، على أن تكون حكما ومرجعية وحارسا لمدى التزام القنوات الإذاعية والتلفزيونية بالأخلاقيات المهنية وبالتوازن في تغطيتها للأحداث. غير أن رئيس الحكومة المؤقتة أعلن في بيانه أمام المجلس التأسيسي يوم 26 أبريل أنه يعتزم إعادة النظر في العمل الذي قامت به “الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والإتصال”، مشككا في جدواه، وداعيا إلى ندوة وطنية لم تشارك الهيئة في إعدادها لمعاودة مناقشة الملف.
مصر.. ثورة بلا إعلام ثوري
مصر، البلد الثاني الذي انتصرت فيه الثورة بعد تونس، عرفت مسارا شبيها بالمسار التونسي، إذ ألقي القبض على أنس الفقي وزير الإعلام في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ورئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون أسامة الشيخ لملاحقتهما قضائيا بتهم تتعلق بالفساد، فيما تمت إحالة عدد من كبار مسؤولي النظام السابق الآخرين إلى المحاكمة. لكن لم يوجد فيها حتى اليوم إعلام ثورة حقيقي بحسب الصحافي عبد الحليم الغزالي.
وأشار الغزالي، الذي عمل في عدة صحف قومية منذ عشرين سنة، إلى صدور صحيفة “التحرير” اليومية خلال أيام الثورة، لكنها سرعان ما احتجبت لتظهر لاحقا صحيفة أخرى بالإسم نفسه “اتضح أن أصحابها من فلول النظام السابق”. أما الصحف التي كانت متداولة قبل الثورة ومنها “المصري اليوم” فركبت الموجة واستفادت من أنها كانت تشتمل على أكبر قدر من الحرية في ظل مبارك، لتوظيف هذا الرصيد بعد نجاح الثورة.
في الجهة الأخرى ظلت “الصحف القومية” (القطاع العام) مثل “الأهرام” و”الأخبار” و”الجمهورية” وفية لمبارك طالما لم يكن قد تبين الخيط الأبيض من الأسود. لكن قبيل سقوط النظام بدأت تتخفف من الولاء الكامل، ولم تحسم “الأهرام” موقفها إلا يوم السقوط، إذ ظهرت بمانشيت “الشعب أسقط النظام”. وبعد تلك اللحظة الفارقة لوحظ تراجع في الإقبال على “الصحف القومية” مقابل ارتفاع الإقبال على الصحف المستقلة، ومنها “الشروق” و”المصري اليوم” و”الدستور” و”التحرير”.
ورأى الغزالي في حديث مع swissinfo.ch أن من المشاكل الكبرى للثورة المصرية اليوم، عدم الإتفاق على قيادة وعلى مبادئ اساسية اسوة بالثورة الفرنسية أو الإيرانية، ما جعل الكاتب سيد ياسين يعتبرها انتفاضة وليست ثورة كما قال. وأشار إلى أن النجوم في الإعلام “ظلوا هم أنفسهم مع تغيير الطاقية فقط، فكثير من المقدمين والصحافيين صاروا ثوارا بقدرة قادر بينما هم من الثورة المضادة، بل إن بعضهم مثل جماعة تليفزيون “سي بي سي” كان لهم ضلع في أحداث العنف التي شملت المجمع العلمي ومجلس الوزراء ومحمد محمود”.
وعلى صعيد الإعلام المرئي والمسموع اعتبر الغزالي أن التليفزيون الرسمي سقط لأنه ظل يدافع عن النظام إلى أن انهار، ولاحظ أن النجوم في عهد مبارك مازالوا هم أنفسهم نجوم اليوم مع تغيير البدلة، ما يعني أن الثوار لم يأتوا إلى التليفزيون العمومي. وأضاف “لا توجد وسيلة إعلامية يمكن أن نقول عنها إنها بنت الثورة. إنها ثورة بلا إعلام”. وأشار إلى بعض المحاولات “ومنها محاولة الإعلامي أسعد طه تأسيس قناة تعبر عن الرأي العام وتتحرر من نفوذ رأس المال بواسطة الإكتتاب، لكن لم يُكتب لها النجاح لأسباب قانونية، مع أنها من المخارج الممكنة لتجاوز المشهد الراهن”. وفي النتيجة يضيع الإعلام بحسب الغزالي بين “إعلام عمومي منحاز وإعلام مملوك لرجال أعمال، وهو منحاز أيضا لأنه يُساير مصالح أصحابه”.
ولدى سُؤاله عن مصير هامش النقد الذي كان متاحا في ظل مبارك، أوضح الغزالي أن المشاهدين كانوا قبل الثورة يواظبون فعلا على مشاهدة برنامج العاشرة مساء على قناة “دريم” بالنظر لسقف الحرية العالي نسبيا، فيما كان عمرو الليثي يقدم بنجاح برنامج “واحد من الناس” الذي تضمن نقدا قاسيا للحكومة. وهو يرى أن الهامش لم يتغير كثيرا اليوم مع إقراره بزيادة جرعة الحرية، لكن التنوع وكثرة المواضيع شتتا اهتمام الرأي العام، الذي بات مشغولا بصراع الإسلاميين والليبراليين حينا، ومناكفات المجلس العسكري والإخوان المسلمين أحيانا أخرى، فالبلد يعج بالأزمات التي إما لم تكن موجودة أو كانت مكتومة في عهد مبارك.
وفي رأي الغزالي أن إعلاما راديكاليا هو وحده الكفيل بدعم الثورة وبلورتها لكي تتحول إلى ثورة حقيقية، إعلام يتيح لمن يسمون أنفسهم بالثوار الحقيقيين حرية التعبير عن أنفسهم، فمشكلة الثوار أن الإعلام الراهن لا يعبر عنهم، لأنه اشتغل مع “الإخوان” ومع فلول مبارك، وبالتالي لم يستطيعوا الوصول إلى الناس، وإن وصلوا تصل صورة مشوهة عنهم مفادها أنهم يريدون الصعود أو أنهم هامشيون. ويشدد الغزالي على أننا في مرحلة “الإعلام الخبيث” أو المُخاتل لأنه يعمل لصالح أجندات خفية، “فهو في الظاهر حرية وفي الجوهر تسلط وفساد ودكتاتورية”.
من جهة أخرى، تطرق الغزالي إلى معضلة الإعلانات التي مازالت تهيمن خاصة على التليفزيونات الخاصة، إذ كثيرا ما يُقطع بث البرامج لوضع فاصل إعلاني من دون مقدمات، وأحيانا يُنهى بث البرنامج قبل الأوان لإفساح المجال أمام سيل لا يتوقف من الإعلانات من دون العودة إلى البرنامج. ويرى أن البديل هو الإكتتاب لأنه الوسيلة الوحيدة للتحرر من غطرسة رأس المال وجعل الإعلام بأيدي الإعلاميين وليس البارونات أمثال سيد البدوي ونجيب ساويرس ووليد دعبس وورثة أشرف مروان…
وانتقد اعتماد القنوات الخاصة المصرية على البرامج الحوارية (التوك شو) التي تقوم على تدوير حفنة من الضيوف بينها، وهي تحوز على الإهتمام بسبب ذلك، غير أن الناس لا يجدون فيها ما يمكن أن يعبر عن معاناتهم مثل أزمة البوتاغاز والإنفلات الأمني ومشاكل قطاع الصحة وأزمة التعليم والتهاب الأسعار… وأشار الغزالي هنا إلى الدور المتنامي للإعلام الجديد، إذ أن إقبال الشباب على المواقع الإجتماعية “بات وسيلة التعبير عن تلك المشاكل المعيشية، وهو ضرب من التعويض عن قصور الإعلامين العمومي والخاص”. لكنه نبه في الوقت نفسه إلى محدودية انتشار الإعلام الجديد، “فهو نخبوي لأن امتلاك حاسوب أو تسديد اشتراك في الإنترنت ليس مُتاحا للجميع”.
ليبيا.. الدولة لم تحدد سياستها بعدُ
أما في ليبيا فيتوزع المشهد الإعلامي بعد الثورة على ثلاثة ملامح الأول يمثله إعلام الدولة والثاني القطاع الخاص والثالث إعلام المدن الكبرى، وهي ظاهرة خاصة بليبيا. فبعد تواري صحف العهد السابق وهي “الزحف الأخضر” و”الفجر الجديد” و”الجماهيرية” و”أويا” و”الشمس”، استمرت صحيفة “قورينا” التي صارت تسمى “قورينا الجديدة” لكن بارتباك، فيما ظهرت مئات الصحف الجديدة التي صمد بعضها واحتجب البعض الآخر. ومن الصحف الجديدة البارزة “الأحوال” و”الميادين” و”الكلمة” في بنغازي و”ليبيا اليوم” (قريبة من “الإخوان”) و”المسار”، بالإضافة إلى “فبراير” الصادرتين عن المؤسسة العامة للصحافة (الدولة).
وفي هذا السياق ظهرت إذاعات كثيرة وتحولت الإذاعات التي كانت تحت سيطرة القذافي إلى ملكية الدولة. أما المحطات التليفزيونية فلها قصة اخرى في ليبيا إذ باتت لكل مدينة من المدن الكبرى محطتها التليفزيونية الخاصة، ومنها قناة بنغازي ومصراتة والزنتان والزاوية… واعتبر الإعلامي المخضرم مجاهد البوسيفي أن من نقاط القوة البارزة في الإعلام الليبي اليوم التنوع، فهناك الإسلامي والليبرالي والوطني، “وهذا جيد فالتنوع يقتضي وجود الوسائل التي تمكن من تكريسه، وكذلك الكوادر القادرة على ذلك، وهي الآن في طور التكوين، وأعتقد أننا سنحصل على صحافيين جيدين. وسيتطور الإعلام ليشكل سلطة بفضل هذا التنوع” كما ذكر في تصريحات لـ swissinfo.ch.
ولدى سؤاله عن واقع قنوات الدولة الثلاث قال إنها مازالت ضعيفة فنيا وأنها مخترقة من تيارات سياسية وخاصة “الإخوان المسلمون”، بالإضافة لكونها لا تحمل توجها إعلاميا محددا للدولة. أما الرموز الإعلامية للعهد السابق فقد أبعدت من القطاع، لكن البوسيفي حذر من بقاء إعلاميين لم يكن موقفهم واضحا من ثورة فبراير في مواقعهم السابقة، وهي أحيانا مواقع حساسة، لكن ذلك لا يؤثر كثيرا في توجهات الإعلام، لأن المهم هو أن الدولة لم تحدد سياستها الإعلامية.
وبعدما كانت القنوات المحلية تحت سلطة الميليشيات عادت أخيرا إلى الدولة. وذكر البوسيفي عددا من هذه القنوات، مثل “ليبيا الحرة” التي قال إنها تابعة لـ”الإخوان” وقناة “العاصمة” ذات الخط الليبرالي التي يملكها رجل الأعمال جمعة الأسطى، و”ليبيا تي في” التي يشرف عليها علي الصلابي وسليمان دوقة، و”ليبيا أولا” التي تبث من داخل ليبيا مشيرا إلى أن “هويتها غير واضحة وبرامجها فقيرة” وقناة “ليبيا الأحرار” التي قال إنها أنشئت في ظروف استثنائية في الدوحة باعتبارها صوت الثورة، واتخذت منحى ليبراليا وطنيا. ورأى أن عليها أن تنتقل الآن إلى مرحلة أخرى لأن الثورة انتهت، واصفا إياها بكونها باتت اليوم شبيهة بمشروع خاص. ولفت البوسيفي الإنتباه إلى أن تمويل القنوات الليبية أجنبي في أغلبه معتبرا ذلك وضعا غير طبيعي. ويتمثل التحدي الكبير لهذه المحطة في التحول إلى محطة مهنية بالمعايير الموضوعية المتعارف عليها، وهذا يقتضي “تشكيل مجلس إدارة وتوضيح هويتها القانونية”، على حد قوله.
في سياق متصل، تطرق البوسيفي إلى مستوى تكوين الصحافيين المحليين معتبرا إياه غير كاف عدا قلة نادرة، وشدد على ضرورة وضع برامج تدريب ضخمة والإستعانة بخبرات أجنبية، مؤكدا أن الصناعة الإعلامية كانت مزدهرة في ليبيا حتى أواسط السبعينات قبل ضربها وتحجيمها، واستدل بوجود 11 صحيفة يومية في ليبيا لدى صعود القذافي إلى سدة الحكم في 1969 واستمرت في الصدور إلى 1973 – 1974.
اليمن.. ثورة استغنت عن الإعلام الجديد
الثورة اليمنية أبصرت مسارا مختلفا تماما عن شقيقاتها على صعيد الإعلام، إذ من المفارقات أن الإعلام الجديد، وبخاصة الفيس بوك، لم يكن منتشرا ولم يلعب دورا بارزا في تثوير الشباب والمجتمع. وفي هذا الصدد، قالت الإعلامية الشابة صفاء كرمان لـ swissinfo.ch: “إن من يملك حاسوبا في المجتمع اليمني ينتمي بالضرورة لأسرة برجوازية جدا، وهذا ما يفسر ضآلة عدد المنخرطين في الشبكات الإجتماعية”. واستدلت بأن أهم صفحة على الفيس بوك في اليمن وهي “عين اليمن الإخبارية” لم تحصد أكثر من 60 ألف متصفح، وأعلى سقف يمكن أن تصل إليه هو 100 ألف متصفح، بينما تصل الصفحات السورية إلى 400 ألف متصفح والمصرية إلى مليونين.
وبسبب الفقر المنتشر في المجتمع وضعف إمكانات الأسرة اليمنية اعتمدت الفئات الثائرة على آليات البنية التقليدية “بالنظر إلى أن الأواصر قوية داخل المجتمع، فصار الناس يتناقلون الأخبار ويتنادون للمظاهرات باستخدام الوسائل التي اعتادوا عليها منذ القديم”، كما قالت صفاء، وهي شقيقة الناشطة توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل. بل إن الكهرباء اللازمة لتشغيل الحواسيب ظلت مقطوعة في غالبية مناطق اليمن بما فيها العاصمة صنعاء، ومازالت كذلك إلى اليوم.
أما الإعلام التليفزيوني في اليمن فشهد تحولا مهما. إذ في الوقت الذي قاتلت القنوات القريبة من الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من أجل تشويه صورة الثورة وبث البلبلة في صفوف المعارضين (ومن تلك القنوات “العقيق” و”اليمن أولا” التي يقف وراءها نجله أحمد علي صالح)، تحولت قناة “يمن شباب” الناطقة باسم الثورة، وقناة “سهيل” (التي كانت موجودة قبل الثورة وهي على ملك الشيخ حميد الأحمر)إلى مصدر مهم للمعلومات عن تطورات الثورة وسير الأوضاع في اليمن.
بعضُ الإعـلام خرج من عباءة الأنظمة ليدخل تحت جناح سلطات المال
لو يحدثنا الأستاذ رشيد عن الأعلام في قطر؟