قيل في البطريرك الماروني نصر الله صفير الكثير. أبرز ما نطق به محبوه، قولهم عنه أنّ “مجد لبنان أعطي له”. كُثُر عادوه واعتبروه رجل دين لا يجب أن يتعاطى السياسة، وساقوا بحقه الحملات بأساليب مختلفة، وفقاً للظروف، أو المراكز التي يشغلونها.
لا داع لتذكير اللبنانيين بالحال المزرية التي يعيشها البلد منذ زمن، وليس من أحد لا يعرف أنه محكوم على هذه المساحة الصغيرة، أن تعيش “محاصرة” من كل الجهات. وإذا لم تجد من يحاصرها من الخارج القريب أو البعيد، تقرر أن تحاصر نفسها بنفسها.
يدرك صفير كل ما يحصل، ويعلم جيداً أن المطلوب “لحظة وعي” تتجلى لدى كل اللبنانيين بمختلف طوائفهم ومشاربهم، كي يُخرجوا البلد من “المعمعة” التي يحيا بها ولها. يعلم، أيضاً، أن هناك البعض من المسلمات التي لا يمكن تجاوزها. فالوطن لجميع أبنائه، والدولة هي الحاضن الأوّل والأخير لهم. هويتها العروبية التي لا غبار عليها لا تمنع أن يكون لها ـ أي للدولة ـ قرارها الخاص. سيادتها على قرارها هي السبيل الوحيد كي تقف من بين كل هذا الركام المشتت في أرجاء الجمهورية.
لكن لبنان، على صغر مساحته، لا يستطيع أن يخرج من زواريب 18 طائفة، تتناحر في كل حين. أي متغيّر خارجي يجعل من إحداها تشعر بهذا الكم من “السلطة” والرغبة بـ”الحكم”. الجميع توالى على هذا الدور من دون استثناء. تبقى الأقليات خارج اللعبة. قد يأتي اليوم الذي تدخل فيه مع الكبار، وتنتحل هاجسهم. ليس بغريب. هذا هو الـ”لبنان”.
هذه الطائفية، أيضاً يعلم دقتها “بطريرك انطاكية وسائر المشرق”. يحرص على تفادي مواجهتها، بالرغم من أنه راعٍ لطائفة مارونية عريقة، متأصلة في هذا الوطن، ولها تاريخها “الناصع” في الدفاع عنه حينما يتطلب الأمر.
البطريرك الماروني، يهتم لمصالح طائفته بحكم موقعه وإيمانه الذي لا يستطيع أي كان مجادلته فيه. هي حرية المعتقد التي يبدو أن الكثيرين لا يقيمون لها اعتباراً. لكنه في الوقت نفسه يظلل الكثيرين ممن لا ينظرون للأشخاص بحكم انتمائهم الطائفي. فمن يستمع لـ”مجد لبنان” في مواقفه مما يحصل على امتداد الوطن، لا يستطيع أن يرى فيه سوى رجل وطني. همّه لبنان أولاً وأخيراً.
عيّنة من المواقف التي صدرت وتصدر عن البطريرك صفير كفيلة بالرد على كل “حملات” البعض ضده.
في سلاح “حزب الله”، قال صفير ما لم يتجرأ على قوله أحد من السياسيين “المناهضين” للحزب، أو الذين يدعون أنهم حريصون على الوطن وعلى دولته. حزم أمره وقال لمن يهمّه الأمر: حالة “حزب الله” في لبنان أمر “شاذ” قياساً على الأوضاع الدولية حيث يكون لكل دولة جيش نظامي. على “حزب الله” أن يكون “وطنياً” أكثر من انجذابه إلى إيران.
يجاهر البطريرك صفير بمواقفه الحازمة وله كل الحق. البعض ينتقده لأنه لا يترك مناسبة إلا ويتحدث عن سلاح “حزب الله” وخطره على الدولة والكيان. هناك الكثيرون من السياسيين، يتناولون “حزب الله” من وقت لآخر وفقاً للأحداث وما تقتضيه الحاجة. صفير، الوحيد الذي يتجرأ على مواصلة “انتقاده” لأنه الوحيد القادر على القول أن “علّة” لبنان هي في سياسة الحزب التي لا رابط لها مع مصالح الوطن في كثير من الأحيان.
بعيداً عن هذه “العلّة”، يُسجَّل لصفير حرصه على كل لبنان قبل حرصه على طائفته. يشجع الحوار بين اللبنانيين، ولكن الحوار “البنّاء”. يريد السلم الأهلي، ولكن ليس على شاكلة ما كرّسه “اتفاق الدوحة”. يأمل بموقع رئاسة قوي يكون لكل الوطن. ينظر إلى حكومة وفاق وطني غير مكبّلة بإرادات “شخصية” وطموحات خارجية. ينفتح على الجميع ويحتضنهم حتى ولو قالوا فيه “العجب”. ينبري للبنان قويّ بدولته ومؤسساته. لبنان المتصالح مع نفسه ومع أشقائه العرب، والمشرّع أبوابه للتواصل الحضاري مع كل العالم، إلخ…
أخيراً، وبعيداً عن “الواقع الطائفي” لهذه الـ10452 كلم2، فلنفترض لو أن بطريرك لبنان، هو رئيس جمهورية لبنان.
ayman.sharrouf@gmail.com
* كاتب لبناني- بيروت