قوى 14 آذار، وتيار المستقبل بشكل خاص، تجهد لاعادة فتح ابواب العلاقة مع الرئيس نبيه بري. عبّر عن ذلك الترحيب الذي لاقاه خطاب الاخير في مدينة النبطية، وذلك من قبل الرئيس فؤاد السنيورة والنواب بهية الحريري ونهاد المشنوق وباسم الشاب. السنيورة ثمّن كلمة برّي لما تضمّنته من تشديد على الوحدة الوطنيّة والاسلاميّة ونبذ للفتنة وحض على المصلحة العربيّة العليا. الحريري نوهت بالخطاب ورأت أنّ “كلامه كان مريحا جدا وبمثابة صرخة ونداء ينطلق من استشعاره خطورة المرحلة”، وأشارت إلى أن “لدى الناس قلقا كبيرا من الأوضاع والفلتان الأمني ومن عدم وضوح الرؤية، وان كنا لا نستطيع ان نغير الواقع لكن نستطيع ان نخفف من وطأته”.
والنائب نهاد المشنوق اشاد ببري، عن طريق رده على نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم (حول اعتباره الدعوة الى نشر اليونيفيل على الحدود مع سورية مشروعا إسرائيليا أميركيا): “ليت الشيخ قاسم يتعلم من الرئيس نبيه بري دروسا في نصوص الوحدة الوطنية بدلا من لغة التخوين التي لا تشبه إلا قائلها”.
كما ان النائب باسم الشاب، عضو كتلة المستقبل، شدد على أهمية “فتح قنوات حوار مع بري”، وعلى “أهمية فتح حوار مع فريق شيعي في هذه الأزمة، لأنه إذا لم ننفتح ونتحاور سندفع ثمن ما يحصل في سورية”، منطلقا من “أهمية الكلام المعتدل والوطني الذي قاله الرئيس بري في النبطية”.
هذه المواقف الايجابية من خطاب بري لا تعكس بالضرورة تحولا او تغييرا في مواقفه المعلنة، سواء لجهة نبذ الفتنة او تأكيد وحدة اللبنانيين وعلى ضرورة الحوار. ببساطة ليس هناك ما يزيد لا نوعا ولا كمّا عما يقوله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في هذا السياق. ولا ما تقوله قيادات الثامن من آذار عموما لجهة الخطاب السياسي العام.
للمراقب ان يلاحظ ان المشكلة الابرز في علاقة تيار المستقبل بفريق 8 آذار تكمن في اصل قيام الحكومة الحالية. واذا كان الترحيب المستقبلي قائما على الاشادة والتسليم بشخصية الرئيس بري الحوارية، فهذا يعني ان المشكلة يمكن ان تطوى بجوهرها، حتى لو لم تُشكل حكومة جديدة يكون تيار المستقبل الممثل الشرعي والوحيد للطائفة السنية فيها.
ويبدو ان تيار المستقبل، من خلال المواقف الآنفة، يقرّ بأن شرط عودته الى الحكومة تتطلب رضىً وقبولا من الرئيس بري. وهو ينطوي على اقرار وتسليم بأن مثل هذه العودة تتطلب موافقة شيعية ما، يفضلها المستقبل من الرئيس بري.
لا يبدو أنّ تيار المستقبل، ولا قوى 14 آذار، تجرؤ على التفكير، وبالطبع لا نقول السعي، في البحث عن خيار آخر بديل عن بري في رئاسة مجلس النواب. فالمستقبل وهذه القوى باتت تسلّم عمليا بان رئاسة الحكومة اصلا باتت اشبه بحلم . لذا تبدو مواقف تيار المستقبل وكأنّها تلهث وراء اشارة، ولو غير مقصودة، من برّي، وذلك من أجل البناء عليها والتمسك بها. فيما تؤكّد الوقائع أنّ الاسلوب السياسي الذي اعتمدته قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر تجاه قوى 14 آذار اثبت نجاعته. فالاستئثار بالحكومة والانقلاب على مقولات التوافق واعتماد الضغط الامني والتخويف بدت الاسلوب الافضل في التعامل مع قوى 14 آذار.
لم يخرج الرئيس بري في النبطية ليطالب مثلا بحكومة وحدة وطنية، ولم يظهر اي نوع من الرغبة في مراجعة السلوك السياسي الذي اعتمد في اقصاء قوى 14 آذار عن الحكومة ورئاستها. ولا أظهر أي نوع من المراجعة تدلل على انه وحلفاءه اخطأوا في الخيارات التي اعتمدت على هذا الصعيد. ببساطة لم يظهر بري اي اشارة الى ان خللا ما حصل في اداء الحكومة على المستوى الوطني العام ولا الميثاقي. اذاً لماذا هذا الترحيب من تيار المستقبل بما يشبه اللهاث لالتقاط ولو كلمة حوار من الرئيس بري؟
يبدو ان تيار المستقبل بات يعاني من أعراض “اللهاث وراء السلطة” بعد وعكة “الخروج من السلطة”. وهي أعراض تدفعه الى التلهّف للبحث عن طريق العودة إلى السلطة، كيفما اتفق، ولو من بوابة بري.
في الختام لنتذكّر: بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005، كادت أقلام 14 آذار وإعلامها وسياسيوها يصدّقون أنّ برّي بات جزءًا من 14 آذار لكنّه “محرج”. وكتبت مئات الأطنان من الأوراق عن “تمايز” برّي. وكرّر “المستقبل” الـ “أمل” مرة بعد مرة بعد مرة، عاما تلو عام تلو عام. وهو اليوم يكرّره. وحده برّي يستمع إلى المدائح ويضحك في كنبته المريحة. وحده يعرف أنّ كلمة واحدة في خطاب عابر تجعل “المستقبل” مثل عاشق يظنّ طرفة عين عشقًا، ويظنّ اللفتة تطليعة عميقة.
برّي كان يلاعبكم، ولستم أنتم من يلاعبه.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد