آخر ابداعات باسيل صفقة لم تتم، بينه وبين حزب الله، تمر حكما عبر رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وممرها الالزامي حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي لم يكن مطلوباً منه سوى أن « يبصم » على « الصفقة »!
رئيس التيار العوني، جبران باسيل، يسعى بشتى الطرق الى تعويم نفسه سياسيا، بعد سلسلة النكسات التي طالته وتياره وعمه الرئيس منذ وُضِع إسمه على قائمة المُعاقبين اميركيا بتهمة الفساد والربح غير المشروع. وقبلها « حملة التشهير » التي طالته عن حق في انتفاضة 17 تشرين الاول/ اكتوبر 2019، وما تلاها من هجمات مبرّرة عليه بوصفه ابرز معرقلي الحلول وخطط الانقاذ الاقتصادي ما لم تكن عبره وعبر تياره والموظفين الذين يعينهم!
ما سمته وسائل الإعلام « الصفقة »، كان عبارة عن « تسهيل » من قبل باسيل وتياره وكتلته النيابية لـ« قبع » المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفا القاضي طارق البيطار، إنفاذا لرغبة حزب الله، على قاعدة حصر التحقيقات التي يقوم بها البيطار بالموظفين والاداريين المشتبه بتورطهم في التفجير مباشرة او المتهمين بـ« الاهمال »! على ان يعين المجلس النيابي المحكمة التي ستحاكم النواب والوزراء والرؤساء السابقين. وتتولى هذه المحكمة حصرا محاكمة الوزراء والنواب المدعى عليهم من البيطار، وهم علي حسن خليل (المحسوب على نبيه برّي وحزب الله « فيفتي فيفتي »!)، يوسف فنيانوس (ظاهريا محسوب على فرنجية، ولكنه في خانة حزب الله فعلياً!)، غازي زعيتر ونهاد المشنوق، فضلا عن رئيس الحكومة السابق حسان دياب.
لقاء رفع الغطاء عن البيطار، كان يُفترَض ان يمارس حزب الله والرئيس نبيه بري الضغط على اعضاء المجلس الدستوري، من الطائفة الشيعية، للتصويت بقبول الطعن المقدّم من نواب التيّار العوني بقانون الانتخابات لصالح ومنع المغتربين من التصويت في اماكن سكنهم، وحصر تصويتهم بستة نواب يمثلون القارات الست.
وفي مقابل “قبع” البيطار، وقبول الطعن العوني، يتم السماح عرضاً بتسهيل انعقاد مجلس الوزراء، المتوقف عن الانعقاد بسبب « الفيتو » الذي يضعه ما يُسمّى « الثنائي الشيعي »، امل وحزب الله، على دعوة مجلس الوزراء للانعقاد، طالما أن المجلس لم “يَقبع” البيطار، بناء على تهديدات « وفيق صفا » للقضاة.
إلى هنا، الحد كانت الصفقة مريحة للجميع: فهي تزيل مخاوف حزب الله من القاضي بيطار، وتزيل مخاوف التيار العوني ورئيسه من تصويت المغتربين، وتفتح الباب امام استئناف الحكومة اجتماعاتها.
عندما كادت الصفقة ان تبلغ خواتيمها، دخل طمع باسيل مجددا على الخط، وأدخل على مندرجات الصفقة، المزيد من الطلبات!
طلبات باسيل كانت إقالة قائد الجيش واستبداله بضابط يعينه باسيل، إقالة رئيس مجلس القضاء الاعلى، « القاضي سهيل عبود »، تلبية لرغبة حزب الله وعون، لأن « عبود » يقف سدا في وجه تدخلات باسيل في القضاء، فضلا عن عدم سماحه بـ« قبع” القاضي بيطار، إضافة الى إقالة جميع القضاة الذين لا يوالون باسيل، من المدعي العام غسان عويدات، الى المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم!
كما أدخل جبران باسيل على بند اجتماعات الحكومة المقبلة، استئثاره بما يُسمّى « حصة المسيحيين » من التعيينات الادارية في الفئتين الاولى والثانية، والبالغ عدد المراكز المخخصة للمسيحيين فيها حوالي 62 مركزا!
والى ما سبق طالب باسيل بالاتفاق على إقالة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة واستبداله بآخر عوني على الارجح يكون على الأرجح « منصور بطيش »! وفوق كل ذلك، طالب باسيل الحزب الإيراني بـ« وعد » بتبنّيه كمرشح وحيد للحزب للرئاسة الاولى! وهذا، كتعويض عن تعرضه لعقوبات اميركية وصفها باسيل بـ « السياسية » نتيجة تحالف تياره مع الحزب الايراني!
عند ارتفاع سقف المطالب الباسيلية بحجة انه يريد إزالة « منافسيه » على منصب رئاسة الجمهورية، من القاضي سهيل عبود الذي اتهمه باسيل بانه يسعى الى المنصب الرئاسي، الى قائد الجيش العماد جوزيف عون، مروراً بحاكم المركزي رياض سلامة، ترنحت الصفقة وصولا الى درجة الالغاء! فالرئيس نبيه بري رفض إقالة « المدعي العام المالي، علي ايراهيم »، بحجة انه غير متورط في قضية المرفأ! فكان رد باسيل ان رأس ابراهيم لارضاء الشارع المسيحي، مقابل “قبع” القاضي بيطار، فهو لا يستطيع التضحية بالبيطار لقاء استمرار ابراهيم في منصبه، وسيبيع قضية “قبع” ابراهيم في اطار البروباغندا العونية في مكافحة الفساد.
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي التقى الرئيس بري، « ليتبلغ منه » آخر مستجدات « الصفقة »، اصطدم بالرئيس بري، بعد ان رفض جملة مطالب باسيل، متوجها الى الرئيس بري بالقول، « لا استطيع الموافقة على هكذا صفقة، خصوصا لجهة حصر التعيينات المسيحية بالتيار العوني ومن يسميه باسيل »!
ورفض إقالة حاكم المركزي، وقائد الجيش!
فما كان من الرئيس بري سوى ابلاغ الرئيس ميقاتي بأن وقت مقابلته انتهى! بكلام آخر، قام رئيس مجلس النوّاب بطرد رئيس الحكومة! وهذه « سابقة » تاريخية و« إهانة » غير مسبوقة لممثّل أكبر طائفة في لبنان!
ميقاتي غادر غاضبا، واعلن انه غير معني بالصفقة!
ولكن معلومات أشارت الى ان ميقاتي اتصل بالفرنسيين والاميركيين ليبلغهم شروط عودة الحكومة الى الاجتماع!
فجاءه الرد حاسما، بان احداً لن يمس القاضي بيطار، وان هذه الخطوة من شأنها ان تفقد لبنان آخر ما تبقى له من سمعة دولية وتعرض المزيد من المسؤولين لعقوبات اميركية واوربية وعربية على حد سواء!
عدم موافقة الرئيس ميقاتي على الصفقة، ابطلت اتفاق القوى السياسية، يعني الحزب الايراين وحركة “امل“، وجبران باسيل. فالتأم المجلس الدستوري وأخذ “لا قرار” الاتفاق على البت بالطعن المقدم من التيار العوني بقانون الانتخابات! وبسبب تعذّر اتخاذ قرار، فقد اصبح القانون بصيغته المقرة في اللجان النيابية ساري المفعول، وتاليا اعطي المغتربون الحق في التصويت في اماكن تواجدهم.
كل ذلك ادى الى خروج باسيل عن طبعه الهاديء ظاهريا ليعلن مسؤولية الثنائي الشيعي عن “لا قرار” المجلس الدستوري عبر تمنّع العضوين الشيعيين عن التصويت اضافة الى العضو الدرزي وإلى عضو عن طائفة الروم الأرثوذكس، في حين صوت مع قرار الطعن الاعضاء الموارنة والكاثوليك والسنّة، وعددهم سنة اعضاء! وعندما لم تتأمن الغالبية للتصويت، اصدر المجلس الدستوري “لا قراره” بشأن الطعن! وبحسب قانون المجلس فإن عدم توفر موافقة 7 اعضاء من عشرة على الطعن، لا يكون قراره نافذا. ولذلك، فضّل رئيسه « القاضي طانيوس مشلب »، عدم اصدار قرار برد الطعن.