منذ أشهر، تلّح بعض الأنظمة الملكية السنّية في الخليج- وعلى رأسها “دولة الإمارات”- على وجوب نشر قوات عربية على الأرض لمكافحة “داعش”، وخصوصاً في العراق، حسب مراسل جريدة “الفيغارو” الفرنسية، جورج مالبرونو. وتستند هذه الرغبة إلى محصّلة مفادها أن عمليات القصف الجوي- وهي بمعظمها عمليات أميركية- لن تسمح بالقضاء على التهديد الذي تمثّله “الدولة الإسلامية”.
وكان مسؤول إماراتي رفيع المستوى قد أكّد لـ”الفيغارو”، في الربيع الماضي، أنه ”ليس بوسعنا أن نترك الجيش الأميركي يحرّر “الموصل” بواسطة الغارات الجوية، وبمؤازرة أرضية من الميليشيات الشيعية التي ستقوم بعد ذلك باضطهاد السكان المحليين من السُنّة فور تحريرهم من الجهاديين”. وأضاف المسؤول الإماراتي أن بلاده مستعدة لإرسال قوات إلى العراق من أجل ”تأطير” القوات العراقية التي ستخوض المعركة ضد ”داعش”.
وقد تعزّزت فرضية نشر قوات على الأرض مؤخراً بعد تصريحات جون كيري يوم الأربعاء التي أعرب فيها عن ”قناعته” بأن دولاً معينة في الشرق الأوسط سترسل جنوداً إلى سوريا لمواجهة الدولة الإسلامية، معترفاً بالتأثير المحدود للعمليات الجوية ضد الجهاديين الذي يختبئون بين المدنيين.
من هي الدول التي قصدها جون كيري؟ الأرجح أن وزير الخارجية الأميركية كان يفكّر بالإماراتيين وبالأردنيين. فبعكس الجيش السعودي الذي لا يملك خبرة قتالية، فإن جنود دولة الإمارات وطيّاريها يملكون قدرة عملياتية حقيقية، وهذا علاوة على قواتهم الخاصة التي قامت قبل أيام بتحرير رهينة بريطاني كانت تحتجزه “قاعدة اليمن”.
أما بالنسبة للأردنيين، فهم يملكون علاقات راسخة مع القبائل السنّية في غرب العراق التي تخضع الآن لحكم “داعش”. وهذا ما يشير إلى نقطة مهمة، وهي أن سنّة العراق وسوريا هم الأكثر أهلية للقتال ضد “داعش”. وهذا شرط أن يملكوا مصلحة في ذلك. ويعني ذلك أن سياسة التمييز ضد “السُنّة” التي تمارسها حكومة بغداد ينبغي أن تتوقّف، لكي يقبل السُنّة بالتعاون مع جنود عرب. والواقع أن ذلك بات ملحّاً: فالميليشيات الشيعة العراقية التي تشرف عليها إيران تلعب دوراً متزايداً في القتال ضد “داعش”. ويلفت أحد العاملين في الإستخبارات إلى أن “مؤتمر باريس، في شهر يونيو، كرّس مشاركة الميليشيات الشيعية في الحرب”.
إيران حليف ممكن؟
هناك أمر مؤكد: ليكون فعّالاً، فإن أي انتشار لقوات عربية في العراق ينبغي أن يكون منسّقاً مع بغداد.. ولكن، أيضاً، مع حليفها الإيراني. إن الإتفاق النووي الذي تم التوصل إليه قبل أسابيع يفتح آفاقاً معيّنة للتعاون ضد “داعش”. وتقول طهران، التي أقامت منطقة أمنية داخل أراضي العراق للحؤول دون تسلّل الجهاديين، أنها لا تنوي التورّط في المعركة المقبلة من أجل تحرير مدينة ”الموصل”. ويضاف إلى ذلك أن التفاهم السعودي-الإيراني، الذي لا بدّ منه من أجل إنجاح أي انتشار لقوات عربية داخل العراق، لا يبدو مطروحاً في أجل قريب.
ويبدو السيناريو أكثر تعقيداً في سوريا. فالإماراتيون، وهم الخليجيون الوحيدون الذي يخوضاً حرباً ضد جهاديي ”داعش”، لا يرغبون في إرسال قوات إلى سوريا. وقال لنا مسؤول عسكري فرنسي: “في ٢٠١٣، حينما أراد الرئيس فرنسوا أولاند أن يقصف قوات الأسد، جاءنا وفد إماراتي ليعلن أن بلاده مستعدة للمشاركة في القصف، ولكن ضد الجهاديين وليس ضد الأسد”!
أما بالنسبة للثوار المعتدلين، الذي يمكن لهم أن يلعبوا دور إسنادٍ أرضي إلى جانب المقاتلين الأكراد، فلم يعد لهم وجود عملياً. وبات البرنامج الأميركي لتدريب الثوار المعتدلين طي النسيان بعد أن قام الفرع المحلي لـ”القاعدة” باختطاف ٦٠ عنصراً انتشروا في شمال سوريا فور انتهاء تدريباتهم في تركيا.