مصادر باكستانية قالت لـ”الشفّاف” أن الرئيس مشرّف كان مجتمعاً مع عدد من المسؤولين العسكريين والأمنيّين والسياسيين لبحث إمكانية فرض حالة الطوارئ حينما قام إنتحاريان بتفجير أنفسهما على بعد 2 كليومتر فقط من مقرّه في “روالبندي”، في 30 أكتوبر الماضي، أي قبل 4 أيام. وكانت ذريعة اللجوء لحالة الطوارئ هي التدهور الأمني الخطير الحاصل في كل أنحاء البلاد، خصوصاً أن 300 من جنود الجيش الباكستاني ما يزالون محتجزين لدى جماعات أصولية من غير أن يتمكن الجيش من إطلاق سراحهم. وهذا، علماً أن عملية التفجير قرب مقرّ مشرّف اعتبرت ردّاً طال انتظاره على عملية إقتحام “المسجد الأحمر” في إسلام آباد التي سقط فيها عدة مئات من القتلى، بينهم عشرات الأطفال من يتامى الهزة الضربة التي ضربت باكستان قبل سنتين.
وأضافت المصادر الباكستانية أن فكرة فرض حالة الطوارئ تحظى بدعم كامل من رئيس الحكومة شوكت عزيز، وقيادة الحزب الحاكم بما فيها شودري شجعات حسين، ورئيس الجمهورية السابق فاروق ليغاري، والوزير الفيدرالي إعجاز الحق (إبن الديكتاتور الراحل ضياء الحق)، ووزير السكك الحديدية شيخ رشيد، ووزير العدل الدكتور شير أفغان، وكذلك رؤساء حكومات الأقاليم الثلاثة. وقد مارست هذه الشخصيات ضغوطاً على مشرّف لإعلان حالة الطوارئ منذ إعلان بنازير بوتو عزمها على العودة إلى باكستان. وتعتبر هذه الشخصيات أن إعلان حالة الطوارئ هو المخرج الوحيد للحؤول دون هزيمة الحزب الحاكم في الإنتخابات النيابية في شهر يناير المقبل، حيث يتوقّع أن يحرز “حزب الشعب” بقيادة بنازير بوتو أغلبية قد تصل إلى الأغلبية المطلقة. وهذا ما حدا الرئيس السابق فاروق ليغاري إلى مطالبة مشرّف بتأجيل الإنتخابات النيابية لمدة سنة كاملة، مع تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وقد أعلن الجنرال مشرف في خطاب بثه التلفزيون انه قرر فرض حالة الطوارئ للتصدي لتزايد مد التطرف وما وصفه بحالة الشلل التي أصابت الحكومة بسبب تدخل القضاء.
ووصفت الولايات المتحدة التحرك بأنه “مخيب جدا للامال”.
وتدهور الامن الداخلي في باكستان بشكل حاد في الشهور الاخير في ظل موجة من الهجمات الانتحارية التي نفذها متشددون يستلهمون نهج تنظيم القاعدة بما في ذلك هجوم أدى الى مقتل 139 شخصا.
وسرت تكهنات بشكل متزايد بأن مشرف الذي صعد الى السلطة عام 1999 في انقلاب قد يعلن حالة الطواريء بدلا من أن يجازف برفض المحكمة العليا اعادة انتخابه رئيسا للبلاد.
وقالت قنوات تلفزيونية ان كبير قضاة المحكمة العليا افتخار تشودري جرى ابلاغه بان “خدماته لم تعد مطلوبة”. وأدت اقالة تشودري من قبل في مارس اذار الى بداية تراجع شعبية مشرف.
وأعيد تشودري الى منصبه في يوليو تموز لكن الشرطة رافقته الى منزله يوم السبت من المحكمة العليا حيث رفض هو وقضاة اخرون التصديق على مرسوم اعلان حالة الطواريء.
وذكر شهود أن قوات أمن باكستانية نشرت عند محطات التلفزيون والاذاعة في اسلام أباد يوم السبت وأن معظم الخطوط الهاتفية قطعت. وقطع بث معظم القنوات التلفزيونية الخاصة.
وأغلقت قوات أخرى المنطقة التي يوجد بها مبنى الرئاسة والجمعية الوطنية والمحكمة العليا.
وسمع دوي أعيرة نارية في عدد من أحياء مدينة كراتشي حيث تتمتع زعيمة المعارضة ورئيسة وزراء باكستان السابقة بينظير بوتو بدعم قوي. وعادت بوتو التي توجهت لدبي يوم الخميس في زيارة شخصية الى باكستان يوم السبت.
وكانت الولايات المتحدة التي تعتبر مشرف حليفا مهما ضد تنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان المجاورة قد دعته في وقت سابق الى الامتناع عن اتخاذ اجراءات شمولية.
وقال المتحدث باسم مجلس الامن القومي التابع للبيت الابيض جوردن جوندرو “هذه التحرك مخيب جدا للامال.”
وأضاف “يتعين على الرئيس مشرف أن يفي بتعهداته باجراء انتخابات حرة ونزيهة في يناير وأن يتنحى عن منصبه قائدا للجيش قبل أن يؤدي اليمين الرئاسية مرة أخرى.”
ومن المقرر أن تجري باكستان انتخابات برلمانية في يناير كانون الثاني في اطار التحول الى الحكم الديمقراطي المدني.
وكان مشرف بانتظار قرار المحكمة العليا بشأن شرعية اعادة ترشيح نفسه للرئاسة الشهر الماضي بينما لايزال قائدا للجيش. وكان قد وعد بأنه سيستقيل من منصبه كقائد للجيش اذا حصل على فترة ولاية ثانية.
وكانت المحكمة قد ذكرت يوم الجمعة أنها ستنعقد يوم الاثنين في مسعى لحسم القضية بسرعة.
وقال اعتزاز احسان المحامي الباكستاني البارز واحد زعماء المعارضة للصحفيين انه جرى احتجازه.
وأضاف “رجل واحد احتجز الامة بأكملها رهينة .. حان وقت رحيل الجنرال مشرف.”
وهتف زملاؤه المحامون “اذهب يا مشرف اذهب” فيما اقتادت الشرطة احسان وهو يلوح بعلامة النصر الى مؤيديه.
وقالت فرزانة شيخ وهي خبيرة في شؤون باكستان بمؤسسة “تشاتام هاوس” في لندن ان اعلان مشرف لحالة الطواريء “هو تحرك وقائي من جانبه كما هو واضح بهدف التصرف قبل أن تصدر المحكمة العليا قرارا ربما كان سيبطل اعادة انتخابه المثير للجدل كرئيس.”
وبدأت مشاكل مشرف في مارس اذار عندما أقال تشودري بسبب مزاعم انه أساء استخدام منصبه. واتهمه منتقدون بأنه يحاول الضغط على المحكمة حتى لا تعرقل اعادة انتخابه.
وفي يوليو تموز أمر مشرف الجيش باقتحام المسجد الاحمر في اسلام أباد بعد حصاره لمدة أسبوع لسحق زعيم حركة تستلهم نهج طالبان الافغانية كان متحصنا بالمسجد هو وأنصاره.
كما يواجه مشرف تحديا سياسيا قويا من بوتو التي خرج الاف من أنصارها لاستقبالها في كراتشي في أكتوبر تشرين الاول عندما عادت بعد أن أمضت ثمانية أعوام في المنفى الاختياري. وأدى هجوم انتحاري على موكب احتفالا بعودتها الى مقتل 139 شخصا.
ولدى وصولها الى باكستان يوم السبت توجهت بوتو مباشرة من مطار كراتشي الى سيارتها المدرعة ولوحت لمئات من أنصارها الذين هتفوا “تعيش بوتو”.
وقبل اعلان حالة الطواريء كانت هناك تكهنات على نطاق واسع بأن بوتو ستبرم اتفاقا مع مشرف لتقاسم السلطة بعد الانتخابات وهو تحالف شجعت الولايات المتحدة على ابرامه.
ووصف رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف يوم السبت قرار مشرف بانه صورة من صور الاحكام العرفية.
وفي مقابلة مع قناة سي.ان.ان-اي.بي.ان التلفزيونية الاخبارية الهندية قال شريف “نحن في طريقنا الى وضع فوضوي.”
وقالت بريطانيا انها تشعر “بقلق بالغ” ودعت مشرف الى اجراء انتخابات. واعرب وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند عن “قلق عميق” حيال قرار مشرف اعلان حال الطوارىء ودعاه الى التحرك “وفقا للدستور”.
وقال ميليباند في بيان “كل اصدقاء باكستان يساورهم القلق جراء مستجدات اليوم”. واضاف “ندرك المخاطر التي تهدد السلام والامن في البلاد, لكن مستقبل باكستان واستقرارها وتنميتها الاقتصادية ومكافحة الارهاب تتطلب احترام القانون والقواعد الديموقراطية”.
وتابع “انا قلق جدا للاجراءات التي اعتمدت اليوم والتي تبعد باكستان عن اهدافها”. وشدد على ان “من الضرورة بمكان ان تتحرك الحكومة وفقا للدستور” وان تحترم تعهدها اجراء انتخابات تشريعية وفق الجدول الزمني المحدد.
وقال حسين حقاني وهو مدير بمركز العلاقات الدولية بجامعة بوسطن في ولاية ماساتشوستس ان مشرف تجاوز صلاحياته.
وقال “انه (مشرف) يخاطر بزيادة تقسيم أمة منقسمة بالفعل. في الماضي كان الجنرالات يعلقون الدستور للاطاحة بحكام لا يتمتعون بشعبية من السلطة. هذه هي المرة الاولى التي يعلق فيها حاكم لا يتمتع بشعبية الدستور لانقاذ منصبه.”