إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
عيّنَ مرشدُ الثورة في إيران علي خامنئي السبت، “علي باقري كني” عضوا في المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية. يُذكر أن باقري كني عمل مساعدا للشؤون السياسية لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في حكومة الرئيس َإبراهيم رئيسي، ثم أصبح القائم بأعمال وزير الخارجية بعد رحيل عبد اللهيان قبل أن يستَلِم “عباس عراقتشي” منصب وزير الخارجية في الحكومة الإيرانية الجديدة.
ويُحسَب باقري كني سياسيا وفكريا على الجناح المحافظ المتشدد. عمّه هو “محمد رضا مهدوي كني”، رئيس الوزراء الإيراني الأسبق الذي ترأس “مجلسَ خبراءِ القيادة” وكان من أبرز الشخصيات المحافظة. وشقيقُهُ “مصباح الهدى باقري كني” صهر خامنئي، إذ تزوج مصباح الهدى من هدى خامنئي.
وفي السابق شغل باقري كني منصب أمين سر “لجنة حقوق الإنسان” في إيران ونائب رئيس السلطة القضائية للشؤون الدولية، بين 2019 و2021.
واللجنة هي جزء من السلطة القضائية الإيرانية، وتُعرَف بالملاحقات السياسية، والانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان للمتَّهمين، وفق موقع “يونايتد أغانست نوكليير إيران”.
وحاول باقري خلال السنوات الماضية صرف الانتقادات الموجهة إلى إيران، بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وفق “يونايتد أغانست نوكليير إيران”.
ارتبط اسم باقري كني بالمفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، وقاد فريق بلاده التفاوضي في فيينا وعدد من العواصم العربية، وكان مساعدا لكبير المفاوضين الإيرانيين “سعيد جليلي”، منافس “مسعود بزشكيان” في الانتخابات الرئاسية، كذلك ترأس الحملة الرئاسية لجليلي في الانتخابات الرئاسية في 2013.
يذكر المراقبون أن باقري كني أظهر مراراً عداءه للاتفاق النووي خلال السنوات الماضية، معتبراً أنه شكَّلَ منفذا لتدخل الأجانب في إيران. كما أعلن تحفظه على المفاوضات مع الغرب والولايات المتحدة. غير أنه سعى في وقت لاحق لإحياء الإتفاق بعدما قررت حكومة رئيسي الاستمرار في المفاوضات النووية.
لم تسجل المفاوضات النووية في عهد باقري كني أي اختراق في سبيل إحياء الاتفاق النووي أو التوصل إلى اتفاق نووي جديد. لكنها في سياق إدارة التوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية تُوِّجت عبر الوسطاء، وخاصة الوسيط العماني والقطري والسويسري، بصفقة لتبادل السجناء مع الإدارة الأمريكية في 2023، شملت الإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة في كوريا الجنوبية بقيمة ستة مليارات دولار، وإفراج طهران عن خمسة إيرانيين يحملون الجنسية الأمريكية بعد أسابيع من نقلهم الى الإقامة الجبرية خارج السجن. وأفرجت واشنطن عن خمسة إيرانيين كانت تحتجزهم لأسباب ترتبط بانتهاك العقوبات المفروضة على إيران.
لذا بات واضحا لدى المراقبين أن هدف وزارة الخارجية الإيرانية في عهد رئيسي وعبد اللهيان، من خلال قيادة باقري كني للمفاوضات النووية، لم يكن السعي لإحياء الإتفاق النووي بقدر ما ارتبط بإحراز نقاط تقدم تتعلق بملفات أخرى مثل ملف المعتقلين الإيرانيين في الخارج، وملف الأرصدة المالية المجمدة، وملف الدفاع عن السياسات الإقليمية لإيران، حيث كانت المفاوضات النووية موضوعا “للمساومة” حول مسائل أخرى.
ويسعى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من خلال تعيين عراقتشي وزيرا للخارجية، لإرسال رسالة للغرب بأنه يرفض تعيين شخصيات محافظة ومتشددة للتفاوض معها، في إشارة إلى باقري كني، وأن وجود عراقتشي على رأس الخارجية الإيرانية، وهو أحد الأعضاء الرئيسيين في فريق وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف الذي قاد مفاوضات الوصول إلى اتفاق نووي في 2015، يعكس نية إيرانية للتفاوض، لا مجرد المساومة، للوصول إلى تفاهمات مع الغرب قد تقود إلى عودة الإتفاق النووي القديم أو السعي لإبرام اتفاق جديد.
وكان خامنئي صرح في لقاء أخير مع حكومة بزشكيان بأنه “لا ضرر من التعامل مع العدو، ولكن لا تثقوا به” في إشارة إلى ضوء أخضر من طرفه لبدء مفاوضات مع الولايات المتحدة حول مختلف المسائل ومنها المسألة النووية.
كما تحدث عراقجي عن نيته استئناف المفاوضات مع واشنطن، مؤكداً أن وزارة الخارجية الإيرانية ستتخذ إجراءات في الفترة الجديدة لإدارة التوترات مع أمريكا وتحسين العلاقات مع الدول الأوروبية، وسيكون هدف الوزارة إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات.
ويبدو أن التوجه الإيراني حول المفاوضات مرتبط بتطورات أحداث عدة داخلية وخارجية تريد أن تستغلها طهران لصالحها، بدءا من الاحتجاجات في الداخل، مرورا بحرب أوكرانيا وروسيا، ومقتل قائد حماس إسماعيل هنية والأحداث في غزة، ثم الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وانتهاء بالملف النووي والعقوبات المفروضة عليها ووضعها الاقتصادي المختل.
فالسلطة الإيرانية لا تريد للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أن يعود إلى السلطة، لذا هي مستعدة لتقديم “تنازلات” للإدارة الأمريكية الحالية. كذلك هي مستعدة أن “تستثمر” مقتل هنية و”وعود” الرد الانتقامي ضد إسرائيل بمعية سياسة “الصبر الإستراتيجي”، للحصول على مكاسب بدلا من تحويل المنطقة إلى ساحة نزاع تعزز خسائرها السياسية والاقتصادية. كذلك هي قد تسعى لربط مواقفها تجاه حرب روسيا وفقا لما تقرره أوضاعها الجيوسياسية والاقتصادية. لذا، قد تدفعها الظروف، حسب قاعدة المصالح العليا، والمكاسب المتوقعة، السياسية والاقتصادية، لقبول التفاوض مع “العدو”.