يمكن القول ان الانتهاء مرحليا من الوضع الليبي والاستيلاء على معقل العقيد القذافي في طرابلس وتحوله الى مطارد في الصحراء الليبية ، سيسمح للدول الغربية وبالتحديد دول حلف الناتو التفرغ للوضع السوري واللجوء الى فرض مزيد من الضغوط الدولية نظام الرئيس بشار الاسد .
هذه التطورات المتسارعة دفعت طهران الى توجيه رسالة امنية تحذيرية عبر تسيير عدد من القطع البحرية في البحر الاحمر قبالة السواحل السعودية وعلى مرمى حجر من الدائرة الامنية لتل ابيب، في تكرار للرسالة التي حملتها هذه القطع بعيد سقوط النظام المصري ومرورها في قناة السويس وصولا الى مياه البحر الابيض المتوسط. وهو اجراء يأتي بعد تحذيرات صدرت عن المندوب الروسي الى الامم المتحدة من ان تدخل الناتو في سوريا وسقوط النظام السوري سيمهد الطريق امام الناتو لشن حرب ضد ايران بعد ذلك.
الرسالة الايرانية سارعت اسرائيل الى ترجمة مضامينها بارسال زوارق عسكرية الى البحر الاحمر لمراقبة التحركات الايرانية الاستفزازية . لكن الهدف الذي حملته الرسالة الايرانية هو التلويح بالتصعيد لابعاد اي خطر قد ينتج من اي تغيير في تركيبة السلطة في سوريا ويطال استقرار ايران ودورها الاقليمي وموقف حلفائها في المنطقة، اضافة الى رسالة قد تكون اكثر وضوحا وهي مقايضة الاستقرار في سوريا بالاستقرار في منطقة الخليج ودوله التي ترى طهران ان هذه الدول ستواجه وضعا اكثر تعقيدا من الوضع السوري في حال تعممت الحالة البحرينية على هذه الدول.
من هنا يمكن تفسير الموقف الصادر عن الخارجية الايرانية الذي اكد على ان “امن السعودية من امن ايران”، والذي يحمل بعدا آخر يعني بان ضرب استقرار ايران سيدفع طهران للقيام بخطوات دفاعية قد تكون ترجمتها بالمساعدة على ضرب الاستقرار في دول الخليج او على الاقل رفع الضغط عن اطراف داخل هذه الدول واطلاق يدها للتحرك والتخلي عن الهدنة التي اختارتها بناء على ظروف مرحلية مع هذه الانظمة.
موقف القيادة الايرانية من الوضع السوري ليس خافيا على احد. فهي وقفت الى جانب الرئيس السوري في تصديه لموجة الاحتجاجات الشعبية والضغوط الدولية المطالبة بتقديم تنازلات داخلية واقليمية اهمها التخلي عن تحالفه الاستراتيجي مع ايران وفك الارتباط مع حركات المقاومة في المنطقة خصوصا حزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد الاسلامي في فلسطين .
الموقف الايراني عبّر عنه مرشد النظام آية الله علي خامنئي عندما اعتبر ان ما تتعرض له سوريا من ضغوط دولية وعربية ليس سوى مؤامرة تستهدف استقرار وامن سوريا بسبب موقفها الداعم للمقاومة، وان دوائر القرار الدولي تسعى لتعويض خسائرها بسبب الثورات العربية واعادة التوازن الى المعادلة السياسية في المنطقة بعد سقوط النظام المصري بقيادة الرئيس حسني مبارك الحليف الرئيس لها. وبالتالي فان الهدف النهائي لكل هذه الضغوط على دمشق هو محاصرة ايران وتحجيم دورها الاقليمي خصوصا في العراق وتأثيراتها على الملفات الاخرى في لبنان وفلسطين وافغانستان والمستوى المتقدم من علاقاتها مع القيادات المصرية الجديدة .
وفي مقابل هذا الموقف الذي يرقى الى حدود الموقف الاستراتيجي المغلف بالايديولوجيا في الحديث عن استهداف خط المقاومة والممانعة بوجه الاطماع الاسرائيلية والاميركية في المنطقة والعالم الاسلامي، فان البراغماتية الايرانية لا تقطع الطريق على التفكير بمداخل سياسية اخرى قد تساهم في تقليل الخسائر ان لم تستطع وقفها او الحؤول دونها .
من هذا المنطلق يبدو ان دوائر القرار التابعة لحرس الثورة الايرانية وباشراف من مكتب المرشد الايراني قد ادركت مبكرا ان تغييرا ما سيحدث في سوريا بعد موجة الاعتراضات الشعبية التي بدأت في 15 آذار الماضي. وان على طهران القيام بخطوات تضمن استمرار تواجدها على الساحة وفي القرار السوري مهما تكن النتائج التي ستسفر عنها الاحتجاجات.
موقف القيادة الايرانية من الاوضاع السورية باتهام التحركات الشعبية في هذا البلد بانها مؤامرة غربية، وبالتحديد اميركية واسرائيلية تريد الانتقام من النظام السوري بسبب مواقفه الاقليمية غير المنسجمة مع الارادة الغربية، خصوصا موقفه من المقاومة وعدائه لاسرائيل. هذا الموقف سبب لها الكثير من الحرج في الداخل وفي الخارج بين حلفائها واصدقائها. خصوصا لجهة التناقض في التعاطي مع الانتفاضة السورية والتحركات التي شهدتها بلدان عربية اخرى في تونس ومصر والبحرين واليمن ووصفتها بانها ثورات وانها متأثرة بروح الثورة الاسلامية الايرانية وتستلهم مسارها التاريخي ضد الظلم والاستبداد.
الذرائعية الايرانية في الموقف من الاحداث السورية واضحة ويصعب الدفاع عنها، وهي تنسحب ايضا على حلفاء ايران في المنطقة. ولا تقف عند حدود التفتيش عن اسباب لما يقوم به النظام في دمشق من اعمال قمع وعنف ضد المتظاهرين والمحتجين، بل يصل الى حد الرمي بكل ثقلها لابعاد امكانية خروج الرئيس السوري من دائرة القرار في هذا البلد وما له من انعكاسات سلبية على كل المشروع الايراني.
القيادة الايرانية وفي قراءة واقعية لتبعات سقوط النظام السوري، لا تستبعد ان تدخل المنطقة بحرب واسعة لا احد يمكنه تقدير حجمها والدائرة التي ستشملها. اضافة الى امكانية نشوب حروب متنقلة داخلية في عدد من دول المنطقة قد تقود الى تقسيمها او تفتيتها.
من هنا تأتي اللهجة المتشددة والتصعيدية التي اظهرتها طهران في الفترة الاخيرة مع بعض الاصدقاء القدامى والحاليين في المنطقة المعنية مباشرة بالاحداث السورية، اضافة الى تصعيد موقفها مع الدول الغربية فيما يتعلق بموضوع الملف النووي ما دفع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى التلويح بامكانية القيام ضربة وقائية ضد المنشآت النووية الايرانية في حال استمرت بالاصرار على طموحاتها النووية .
الموقف الايراني ينطلق من تعقيدات الوضع الاقليمي خصوصا الحالة السورية والارباك الدولي في التعامل معها والخوف من تدحرج نتائجها على الداخل السوري والخارج الاقليمي .
الدعوة الايرانية للحكومة السورية بضرورة الاستماع الى مطالب الشعب المشروعة ، والتي لاقاها في منتصف الطريق موقف الامين العام لحزب الله الحليف اللبناني لايران السيد حسن نصرالله بضرورة قيام السلطة السورية باصلاحات في النظام ترضي القاعدة الشعبية المعترضة وتساهم في تجديد النظام والسلطة، قد يكون ترجمة بصوت مرتفع لمخاوف هذين الطرفين من انعاكسات تدهور الوضع السوري وخروج الاسد من دائرة القرار في سوريا والمنطقة. ما قد يضعهما امام تحديات متعددة لم تكن في حساباتهما، او قد يضعهما امام خيارات صعبة هما بغنى عنها وعن تبعاتها.
وتحاول ايران من خلال الموقف الاخير ممارسة نوع من الضغط على حلفيها الاسد لاتخاذ خطوات عملية والتسريع في تنفيذ الوعود الاصلاحية التي اطلقها لتنفيس احتقان الشارع قليلا ولجم التصعيد الدولي الذي يعمل على تضييق الخناق على سوريا والنظام .
وترى طهران ان التسريع في الخطوات الاصلاحية في سوريا قد يساعد على تشكيل حكومة وحدة وطنية او وفاق وطني تشارك فيها المعارضة ويكون فيها حصة لمعارضة الداخل واخرى لمعارضة الخارج .
وانطلاقا من هذا الحرص، فان اللقاء الذي كشف عنه مؤخرا بين جهات ايرانية واطراف في المعارضة السورية وجرى في العاصمة الفرنسية باريس يصب باتجاه تشكيل نقطة ايرانية متقدمة على طريق ضمان موقعها في أي معادلة مقبلة.
التحرك باتجاه المعارضة من قبل ايران ، قد يعني رسالة ايرانية للرئيس الاسد بانها لن تقف مكتوفة الايدي بانتظار سقوطه وعجزها عن تأمين مصالحها مع البدائل. وقد يعني رسالة ايضا بان على الاسد التحرك سريعا لوقف التدهور. وقد يعني ايضا اعترافا ايرانيا ضمنيا بان المجتمع الدولي لن يتراجع عن خطواته التصعيدية ضد سوريا حتى يحقق على الاقل احد هدفين: الاول انهاء النظام السوري والمجيء بنظام اكثر طواعية ويستجيب للمطالب الدولية بانهاء التحالف مع ايران ووقف الدعم لحزب الله وحركتي حماس والجهاد الاسلامي في فلسطين وكف اليد عن التدخل في العراق، والثاني فرض تنازلات على الاسد وجره للاعتراف بالمعارضة شريكا في الحكم وبالتالي الحد من نفوذه المطلق والتأسيس لرحيله بعد مرحلة انتقالية تشارك فيها المعارضة عبر عملية ديمقراطية.
يبدو ان المجتمع الدولي بدأ يدرك ان امكانية اخراج الاسد من السلطة من خلال التحركات والاحتجاجات التي استمرت اكثر من ستة اشهر يبدو امرا مكلفا يقارب الصعوبة خصوصا في ظل تراجع امكانية التدخل العسكري المباشر الذي تحاول اطراف من المعارضة في الخارج جر حلف الناتو اليه. لاعتبارات عدة لعل اهمها الاستنزاف الذي حصل في ليبيا والازمة الاقتصادية المتفاقمة والموقف الروسي المعارض بشدة لاي قرار بعقوبات ضد سوريا يصدر عن مجلس الامن الدولي حتى الان، اضافة إلى تعقيدات الموقف التركي الذي يشكل رأس الحربة الاقليمية للناتو في المنطقة والمرشح ان يكون الجهة التي تتولى القيام بالعملية العسكرية بعيدا عن الناتو لكن بدعم منه وتكليف غير معلن.
من هنا فان القيادة الايرانية يبدو انها استبعدت من اعتباراتها عودة الامور في سوريا إلى ما قبل 15 آذار/ مارس الماضي. لذلك فهي تضغط للتوصل مع المجتمع الدولي إلى تسوية ترضي جميع الاطراف الدولية والايرانية والسورية وحتى الاقليمية. وهي تسوية تقوم على مساعدة الاطراف السورية ، في النظام والمعارضة، على الحوار والتوصل إلى حل وسط يلتزم فيه النظام بتنفيذ الاصلاحات التي وعد فيها مقابل مشاركة المعارضة في السلطة في اطار حكومة وفاق او وحدة وطنية والعمل على تهدئة الشارع الشعبي بخطوات جدية ومقنعة.
وعلى غرار السياسة التي اتبعتها طهران مع الاحداث المصرية والتي ادت في نهايتها إلى رحيل الرئيس حسني مبارك – الذي لم تخف مساعيها للتخلص منه- وتغيير سياسات النظام المصري تجاه إيران، واعتبرت ان ما حدث في مصر الثورة وما سيحدث هو في مصلحتها لانه ساهم في التخلص من نظام متشدد في مواقفه المعادية لها إلى نظام على الاقل لا يشهر العداء لها، وهذا بحد ذاته يعتبر انجازا للسياسة الايرانية واستراتيجيتها التوسعية في المنطقة. وهي في سوريا تسعى لان تكون غير بعيدة عن أي تغيير قد يحدث في هذا البلد – في حال لم تستطع وقفه او منعه – وهي بالتالي تعمل على الاقل ان تكون شريكة في أي معادلة جديدة انطلاقا من مبدأ تخفيف الخسائر او الحد منها.
ان التوصل إلى تسوية مع المجتمع الدولي حول الوضع في سوريا يضمن لطهران بقاء الاسد في السلطة مع مشاركة من المعارضة، وسيوفر لها ولحلفائها في المرحلة القادمة والمدى المنظور ترتيب اوراقهم انطلاقا من قراءة الواقع السوري الجديد. وهي مرحلة قد تضمن لايران وحلفائها الحد او التقليل من الخسائر المباشرة التي قد تحدث في حال ازيح الاسد عن السلطة، وبالتالي يفسح لها المجال لوضع خطط للتعامل مع المستجد السوري بناء على الواقع الجديد.
والتوافق الإيراني الغربي الاقليمي على تسوية في الوضع السوري في الشراكة بين النظام والمعارضة سيوفر على جميع الاطراف والمنطقة معهم الانزلاق نحو المواجهة العسكرية التي قد تكون نتيجة اما لحرب يفتحها النظام السوري مع اسرائيل ويجبر فيها اطرافا حليفة له في المنطقة – أي حزب الله وايران والفلسطينيين – للدخول إلى جانبه في هذه الحرب، واما قد تكون نتيجة لقرار يتخذه حلف الناتو بالتدخل العسكري المباشر في سوريا، وهو ما سيدفع إيران وحلفائها هذه المرة إلى التدخل والمواجهة على اعتبار ان المستهدف بعد سوريا لن يكون سوى إيران وحزب الله في لبنان .
fahs.hassan@gmail.com
كاتب لبناني- دبي
ايران وتداعيات بقاء او ذهاب الاسد
من السخف القول ان ايران مع المقاومة والمقاومين بل هي تستغلهم لصالح مشروعها القومي الطائفي مستخدمة كل الاساليب لبقاءها بعيدة عن مرمى الحجر والجلوس مع الغرب لتقاسم النفوذ لكن هناك من سيخرب خططها والقادم ليس ببعيد.
ايران وتداعيات بقاء او ذهاب الاسد نهاية القذافي وبداية النهاية للبعث السوري لا أشك في أن الشعب المغربي يستعد للاحتفال بعيدين: الفطر وانفطار النظام الليبي، فكان هباء منبثا. كما أن الشعب السوري لن ينسى الشعب المغربي وهو يتظاهر معه في محنته. مع هذا، عليّ أن أحذر إخوتي المغاربة من منظر انهيار النظام الليبي بقوة السلاح وقصف الناتو، والعقبة هي ليست في كنس هذا المجنون ولكن في بناء ليبيا من جديد. نحن نعلم من قوانين الكون بأن البناء لا يقارن بالهدم، وأن الصعود يحتاج إلى طاقة وأن الهبوط لا يحتاج إلى طاقة. وأهم ما في الدرس الليبي التورط في حرب أهلية… قراءة المزيد ..