جابر احمد الشفاف -خاص
ساهمت الانهر منذ القدم في تشكيل الحضارات الانسانية. فحضارات مثل الحضارة الفرعونية والسومرية والعيلامية ارتبطت بوجود انهر عظيمة مثل النيل ودجلة والفرات و الكرخة وكارون. وقد ظلت اواصر العلاقة بين النهر والانسان وثيقة لدرجة بحيث لما يمكن لنا الحديث عن استقرار الجماعات البشرية دون الحديث عن وجود انهار عظيمة.
كما يزخر التاريخ القديم بالكثير من الروايات حول الانهار، فان التاريخ الحديث والمعاصر يحدثنا عن مثل هذه الحكايات ايضا، كما بقيت بالاضافة الى دورها الذي لا حدود له في المحافظة على حياة الانسان واستمرار ديمومته الحضارية، بقيت ايضا حلم يحرك الاحاسيس الانسانية، وارتقى موضوع المياه في وعي الناس الى درجة حتى ان البعض منهم اخذ يطرح ان الحروب المستقبلية سوف تنشب بسبب الصراع على المياه.
وظلت واحة الاهواز – عربستان وعلى مدى التاريخ وبفضل تدفق انهار معطاة كانهر كارون و الكرخة والجراحي والدز من اخصب الواحات المجاورة لبلاد” السواد ” وهناك بعض الاحصائيات التي تقول ان 35 % الى 40 % من المياه الجارية في ايران موجود في اقليم عربستان.
وظل نهر كارون من بين اكثر الانهر اهمية في اقليم عربستان – الاهواز – ومثلما اصبح اليوم مطمعا من قبل النظام الحاكم في ايران، كان ايضا مطمعا من قبل الاستعمار الغربي الذي دخل الاقليم في بداية القرن التاسع عشر و القرن العشرين، فالاول مرة حاولت عام 1871 شركة بريطانية تسمى “كري بل كمباني” تتخذ من مدينة بوشهر مقر لها إن تحصل على امتياز لتسيير رحلات لها في نهر كارون بين مدينتي المحمرة وشوشتر وقد توقعوا آنذاك إن افتتاح مثل هذا الخط سيقلص مسافة نقل البضائع بين ساحل الخليج ومدينة أصفهان الإيرانية من 35 يوما إلى 10 أيام، إلا إن جهود هذه الشركة بشان الملاحة في نهر كارون لم تتوفر لها عوامل النجاح لمدة طويلة ولم تستطيع تنفيذ ما كانت تصبوا إليه.
وفي عام 1878 م استطاع ا الطبيب الفرنسي ” تولوزان ” على امتياز منح حق الملاحة في نهر كارون مع ذلك لم تخمد حرارة المصالح البريطانية في السيطرة على كارون، ولتحقيق هذا الهدف قام القبطان ” هنري ولكو ” مساعد مدير الاتصالات التلغرافية في إيران في الأول من ديسمبر بكتابة مذكرة حول الموانع الطبيعية التي من شأنها إن تعرقل الملاحة في نهر كارون وبعد عدة اشهر قدم احد المهندسين الإيرانيين المعروفين وهو الميرزا عبد الغفار نجم الملك، دراسة مفصلة حول هذا الموضوع واقترح على أثرها إن تسير في نهر كارون باخرتان صغيرتان حمولة كل منها أربعة أطنان، حيث تعمل الأولى بنقل البضائع من المحمرة إلى مدينة الأهواز ومن ثم نقل البضائع يدويا لتفادي الممر الصخري الموجود في هذا النهر، عند مدينة الأهواز والذي يحول دون سير البواخر إلى الأعلى، ثم تقوم بواخراخرى بنقلها مباشرة إلى مدينة شوشتر.
وبعد الأخذ والعطاء استطاع البريطانيين في نهاية المطاف من تحقيق حلمهم، عندما حصلوا في 30 أكتوبر من عام 1888 على امتياز حق الملاحة في نهر كارون الى مدينة الاهواز وفتح هذه ألممر إمام جميع البواخر الدولية ولجميع الدول وبدون استثناء.
لقد كانت عربستان تاريخيا بلد زراعيا وكان يتواجد فيها الكثير من السدود ولقد قدر البعض إن السدود التي كانت مقامة في عربستان تقدر به 11 سد إلا انه واستناد إلى تقرير قد كتب بتاريخ 1882 انه هذه السدود كلها قد دمرت بفعل الاهمال و الحروب وخاصة التي خاضها كريم خان الزند ضد امارات كعب البو ناصر في عهد الشيخ سلمان الكعبي.
وبعد وقوع اقليم الاهواز – عربستان – تحت السيطرة الايرانية البهلوية ظل موضوع مياه الاقليم والاستيلاء عليها ونقلها الى العمق الايراني حلم يراواد الانظمة الايرانية جميعا، الا ان الظفر في الثروة النفطية قد اجلها بعض الشيء، في حين نجحت الحكومة الايرانية في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، في اقامة سد عملاق على نهر الدز والذي والذي هو احد الراوفد الهامة لنهر كارون، وذلك من اجل انتاج الطاقة الكهربائية و الري، در على الشركات الاجنبية العاملة في مجال الطقاقة والكهرباء الكثير من الارباح.وتوسعت احلام الايرانيين تجاه المياه الاهوازية التي هي ومن سؤ الحظ تنبع كلها من جبال تقع في العمق الايراني حيث استطاعت ايران الجمهورية الاسلامية من بناء 23 سداعلى مجاري الانهار المتجه نحو نجد الاهواز وهي نهر الدز والكرخة ومارون وكارون وانجز منها حتى الآن خمسة سدود وخمسة قيد التنفيذ والباقي من المقرر تنفيذها خلال السنوات القادمة و كان اهمها تلك السدود التي اقيمت على نهر كارون وروافده والتي تبدلت خلال العقود القليلة الماضية الى كارثة حقيقية تنذر بموت هذا النهر الذي كان يوما من الايام تبحر في مياهه البواخر التجارية ناهيك عن تأثيره على الوضع الزراعي بكافة جوانبه وخاصة زراعة النخيل حيث يواجه النخل الاهوازي الموت وذلك بسبب ارتفاع نسب الملوحة والتلوث.
ولقد اثار موضوع مياه نهر كارون و نقلها الى المدن ايرانية الاخرى مثل رفسنجان يزد، كرمان، اصفهان، محلات وكاشان ردود فعل غاضبة من قبل جماهير الشعب العربي الاهوازي ومن مناصري البيئة الا انه على الرغم من ذلك، فقد ادارت القوى المتنفذة في النظام وعلى رأسهم رفسنجاني واللوبي المتنفذ من الاصفهانيين واليزديين الظهر لتلك الجهود و افشلت جميع المحاولات الداعية لاعادة النظر في تنفيذ هذه المشاريع او ايقافها. ورغم ان عدداًَ من مندوبي العرب في مجلس الشورى الايراني حاولوا استجواب وزير الطاقة الايراني عام 2003 واحالة هذه الاستجواب الى اللجنة المختصة الا انه وبسبب العناصر المتنفذة الآنفة الذكر في المجلس لم تتم الاستجابة على ما طرح.
لقد وضعت خطة نقل مياه كارون الى المدن الايرانية وخاصة رفسنجان في عهد رئاسة هاشمي رفسنجاني وذلك من قبل شركة خاصة تسمى “شركة اعمار رفسنجان” وقد اقرت هذه الخطة من قبل الحكومة انذاك دون ان يطلع عليها المجلس وتستدعي الخطة اقامة سد على نهر كارون في منطقة تسمى جنقون وبروجن الواقعة في مقاطعة (جهار محال والبختيارية) ومن ثم حفر نفق بطول 55 كيلومتر ثم تجري عملية نقل المياه عبر انابيب عملاقة لمسافة تصل الى 340 كيلومتر، حتى ايصال المياه الى مدينة رفسنجان. وقد قدر مساعد مشروع شركة “مهاب قدس ” المرتبطة به وزارة الطاقة الكلفة الاولية لهذا المشروع به 550 مليون دولار الا ان الخبراء المختصين يعتقدون ان كلفته ستتجاوز حدود المليار دولار وان هذا المشروع سوف يمول من قبل ثلاث بنوك على ضمانة الجمهورية الاسلامية وقد تم تامين الوثيقة التي تضمن المبلغ وقد بدأت شركة اعمار رفسنجان ومنذ مدة ببيع حصص المياه.
قدرت مؤسسة دراسة منابع المياه الايرانية وعلى ضوء المسوحات التي اجرتها وكذلك ما سجلته اجهزة قياس منظمة المياه والكهرباء في اقليم الاهواز وخلال 30 عاما نسبة المياه على النحو التالي:
1. يقدر المعدل العام لتدفق المياه الواردة الى نهر كارون 24 مليار مترمكعب وان نسبة الملوحة قبيل وصوله الى الحد الفاصل بين جهار محال البختيارية واقليم الاهواز تصل الى 600 وحدة ” وحدة قياس الملوحة ” وبعد اجتيازه هذه المنطقة واختلاطه مع مياه الفروع الاخرى يصل معدل الملوحة 1500 الى 2000 وحدة.
2. ان ملوحة هذه المياه قبل وصولها الى منطقة تلاقي الفروع الاخرى تبقى محافظة على وحدتها وهي 600 وحدة وبذلك تكون قابلة للشرب والسقاية الا ان الاستهلاك الجائر لمصادر المياه الاساسية التي تغذي هذا النهر فان نسبة الملوحة سوف ترتفع مما يتذر بعواقب وخيمة.
3. المعيار الانحرافي للمياه وهو من المؤشرات التي توصلت اليها الدراسات في تحديد النسبة السنوية لزيادة اوقلة المياه وبالتالي تحديد في سنوات الجفاف ويستخرج المعيار الانحرافي من العدد الكلي لتدفق المياه واستنادا الى الدراسات التي قامت بها منظمة المياه والكهرباء في اقليم الاهواز فقد قدر المعيار الانحرافي للمياه به 5 مليار مكعب.
4. تعد التنقية الطبيعية للنهر او الحفاظ على بيئته من المؤشرات في التوزيع العادل لمياه نهر بهذا الامتداد مثل نهر كارون مع الاخذ بعين الاعتبار حصوله على كمية المياه العذبة كما هو ساير انهر البلاد الاخرى وحجم المجاري الآسنة للمدن والزراعة و الصناعة والتي تقدر 1700 مليار مترمكعب ان هذه الكم الهائل من المياه الاسنة اي مياه المجاري بحاجة الى تدفق مياه يصل مقداره الى 6 مليار مكعب وان الرقم لابد من حذفه من المعدل العام للتدفق ولا بد من برمجته وفي غير ذلك يبقى غير صالح للاستهلاك في مختلف المجالات.
5. قدرت قسم البرامج الزراعية والصناعية في الاقليم ان ستهلاك المياه في الوقت الراهن وخلال السنوات ال 10 القادمة والذي يشمل حاجة المشاريع الزراعية الكبرى مثل مشروع توسعة قصب السكر و مشاريع تربية الاسماك ووجود اكثر 2000 مضخة منصوبة على ضفافه تعود للفلاحيين المحليين بالاضافة الى الاستهلاك الصناعي للزيادة وممكن ان ترتفع الى 11 مليار. و بالتالي فان اي انحراف لروافد هذا النهر وخاصة استخدامه للزراعة سيترك بالغ الاثر على مستقبل النهر ذاته ومستقبل شعب اعتمد تاريخيا على الزراعة وتربية الماشية لان الاراضي الاهوازية وبتربتها الخصبة الغنية القابلة للزراعة على مدار الفصول الاربعة والتي تقدر بما يقارب 4 ملاين هكتار فريدة من نوعها وانه وبسبب انسياب المياه من الاعالي نحو المنحدرات فان اراضيها لا تحتاج الى رصد ميزانية مكلفة.
على صعيد آخر، اضاف قائم مقام مدينة المحمرة محمد رضا آملا زادة ان هذه المدينة بالاضافة الى مدينة عبادان واجهت هذا العام نقصا في المياه بلغ مقداره 2|9 مليار مترمكعب في حين ان المياه المخزنة خلف السدود المقامة على نهر كارون تبلغ 700 مليارمتر مكعب.
هذا ونتيجة لهذه الاوضاع فقد تعالت التصريحات محذرة من مبغة نقل مياه كارون، الا ان حكومة رجال الدين في ايران بدلا من معالجة هذه المشكلة اصدرت وخلال الموسم الزراعي الماضي مرسوما منعت بموجبه الفلاحين العرب الاهوازيين من زراعة المحصولات التي تستهلك مياه كثيرة وذلك تجنبا لوقوع ازمة في المياه وقد افادت بعض التقارير الحكومية الصادرة عام 2007 – 2008 الى ان حجم الخسائر الاولية لذي لحقت ببعض مزارع القمح للعام ماضي وصلت الى 100% وقدرت قيمتها الاجمالية به 6 مليارات ريال ايراني وان من بين 4500 هكتار مزروعة بالقمح هنلك 3000 هكتار اتلفت بالكامل كما ان 21 الف هكتار من الاراضي الواقعة في منطقة الشعيبية الواقعة على بعد 36 كيلومتر جنوب غرب شوشتر وهي اراضي قابلة لزراعة مختلف انواع البقوليات والقمح لم يتمكن اصحابها من استثمارها بسبب شحة مياه نهر كارون.
ان نقل المياه الى الاقاليم الفارسية الاخرى بالاضافة الى تأثيرها المباشر على النشاط الزراعي في اقليم عربستان – الاهواز سوف تترك اثارا سلبية في عدة مجالات منها:
اولا: انخفاض حجم الطاقة الكهربائية لان وجود البون الشاسع في الارتفاع بين السهل الاهوازي والجبل والذي يقدر ارتفعه به 2000 متر، فانه في حال اقامة السدود على فروع واصول نهر كارون سيقلل من اندفاع المياه، مما يؤثر على انتاج ميزان توليد الطاقة الكهربائية ولربما يتسبب في توقف بعض العنفات المولدة للطاقة عن الدوران.
ثانيا: الحاق الاضرار الجسيمة ببيئة المنطقة، منها جفاف الاهوار و القضاء على الثروة السميكة والحيوانية.
ثالثا: الحاق الكثير من الاضرار بالمواطنيين لا يمكن التنبأ بحجمها الكارثي.
رابعا: ان انخفاض تدفق المياه سوف يسمح لمياه البحر المشبعة بالمولحة الى اعالي النهر و كما اسلفنا سابقا سوف يلحق اشد الاضرار بالنخييل والاشجار المثمرة الاخرى.
خامسا: سوف يجعل المدن العربية الكبرى مثل عبادان، المحمرة مدينة الاهواز المكتظة بالسكان عرضة لوجود ازمة حادة في المياه.
سادسا: الاخلال بالسياحة وخاصة في نهر كارون.
لقد اصبح واضحا ان سياسة الجمهورية الاسلامية التي صمت آذاننا “بواحدة من طين و اخرى من عجين” قد عزمت الامر على نهب الثروات المائية بعد ان نهبت من قبل الثروات النفطية وها هي تعمل اليوم ولاعتبارات سياسية واقليمة ودولية لافقار شعبنا عبر شتى السبل وفي مقدمتها المياه التي جعل الله منها كل شي حيا وحيث كانت السبب الاساسي في نشوء الحضارات و المجتمعات البشرية.
مصادر هذه المقالة:
معلومات شخصية حصل عليها الكاتب سبق وان نشرقسما منها في موقع مركزدراسات الاهواز.
“تاريخ الاهواز منذ عهد الافشار حتى المرحلة الراهنة“، تاليف موسى سيادة، ترجمة كاتب هذه المقالة.
الصحف وتصريحات المسؤولين الايراينين، راجع التقارير الاسبوعية الصادر بالفارسية عن مركز دراسات الاهواز خلال العام الماضي وخاصة التقارير من رقم 167 الى173.