تشير القراءة الاولية في نتائج الانتخابات الاميركية الى مفارقة وإن كانت لا تشكل سابقة في تاريخها إلا أنها ترتبط بالانتخابات التي سبقتها والتي قادت الى البيت الابيض اول رئيس اسود من اصول إسلامية وبأغلبية اصوات موصوفة.
وتتمثل المفارقة في ان الناخبين الاميركيين عاقبوا رئيسهم باراك اوباما وحزبه الديمقراطي واقترعوا للنواب الجمهوريين في حين انهم، أي نفس الناخبين، منحوا ثقتهم لاعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي.
وفي دلالة هذا الامر ان اعتراض الناخبين الاميركيين جاء على خلفية السياسات الداخلية للإدارة الحالية في حين ان السياسة الخارجية لم تشكل عاملا ضاغطا عليهم، بدليل التصويت لصالح الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، خصوصا إذا عرفنا ان مجلس النواب الاميركي يهتم بالسياسات التشريعية التي تطال مصالح المواطنين المباشرة في حين مجلس الشيوخ يرسم السياسات الاسترتيجية الداخلية والخارجية.
في الادارات الاميركية لا يمكن لاي رئيس ان يحدث تغييرا دراماتيكيا في السياسات الداخلية والخارجية قبل حلول موعد الانتخابات النصفية أي بعد سنتين من انتخابه رئيسا للمرة الاولى. فكيف الامر بالرئيس الحالي اوباما الذي دخل الى البيت الابيض وفي انتظاره تداعيات أزمة إقتصادية، هي نتيجة سياسات امتدت منذ نهايات القرن الماضي؟ ويبدو ان الناخب / المواطن على عجلة من امره بحيث اعتقد ان لدى الرئيس وفريقه أدوات سحرية لمعالجتها والعودة الى زمن الازدهار الاقتصادي إنطلاقا من شعور بعظمة الولايات المتحدة وقدرتها وقوتها الاقتصادية، فضلا عن القرارات المؤلمة التي إتخذتها الادارة الحالية لجهة توريط الدولة أكثر فأكثر في الاشراف على الاقتصاد للحؤول دون تفاقم الازمة والحد ما امكن من تداعياتها.
وفي المقابل نجحت الادارة الحالية في تقديم ابرز ما وعد به الرئيس الاميركي باراك اوباما في الداخل وهو مشروع الضمان الصحي الذي واجه معارضة شرسة من الجمهوريين، علما ان هذا الامر فيه الكثير لخدمة المواطنين الاميركيين وإزاحة أعباء مالية إضافية عن كواهلهم.
ومع ذلك إنعكس الوضع الداخلي لجهة استمرار مفاعيل الازمة الاقتصادية، خصوصا معدل البطالة الذي ما زال على ارتفاع، على آراء الناخبين فصوتوا بنسبة 48% ضد سياسات الادارة الحالية.
هذا على المستوى الداخلي، ولكن ماذا على مستوى السياسات الخارجية. فهل حققت الادارة الحالية المعجزات التي وعدت بتحقيقها أثناء الحملات الانتخابية للرئيس اوباما؟
للتذكير، تركزت حملات اوباما والديمقراطيين في الملفات على انتقاد سياسات الرئيس السابق جورج بوش في العراق وافغانستان وسجن غوانتانامو والحرب على الارهاب والعلاقات الملتبسة بين الولايات المتحدة واوروبا وروسيا والصين والعالم الاسلامي.
ففي العراق اعتبرت الادارة الحالية ان حرب بوش غير مبررة لا في الزمان ولا في المكان وتاليا يجب الانسحاب من العراق وفق جدول زمني يتم القييد بمواقيته. ومع ان المرشح اوباما قال إن الانسحاب من العراق سيكون مسؤولا، إلا أن النتائج الى الآن لا تبشر بمسؤولية ما عن مآل الوضع العراقي، حيث حصل ما حذر منه الجمهوريون من ان ايران ستملأ الفراغ الاميركي في العراق وستتراكم الازمات. وهو ما يشهده الوضع العراقي بعد الانتخابات بحيث لم تستطع القوى السياسية تشكيل حكومة بعد إنقضاء أكثر من تسعة اشهر على الانتخابات التشريعية فضلا عن التداعيات السياسية للأزمة العراقية على دول الجوار في سوريا ولبنان وفلسطين.
فجاءت النتائج وكأن الادارة الحالية سلّمت العراق لايران التي تختلف معها في الكثير من الملفات وابرزها المشوع النووي الايراني المثير للجدل في العالم.
افغانستان كانت بدورها هدفا للحملات الانتخابية لاوباما بحيث اعتبر أن أخصامه في الحزب الجمهوري اضاعوا بوصلة الحرب على الارهاب وتناسوا افغانستان والقاعدة، وانه فور استلامه السلطة سيعيد توجيه الحرب الى مسارها الصحيح وملاحقة القاعدة والقبض على اسامة بن لادن وسوقه امام العدالة.
ولكن ما حصل هو ان الادارة الحالية قررت وارسلت 30 الف جندي الى افغانستان لم يستطيعوا ان يحققوا بوصولهم تغييرا جذريا في مجرى الحرب على القاعدة. بالعكس، اصبحت القاعدة في كل مكان من العالم من اثينا الى اليمن والعراق وافغانستان والهند وباكستان………
كما ان السلطة الافغانية التي تواصل الادارة الاميركية رعايتها اثبتت انها فاسدة وتتلقى اموالا من طهران، كما انها تفاوض الطالبان من اجل تحقيق الاستقرار في البلاد. والعبوات الناسفة التي تزرع على جوانب الطرقات ما زالت تفتك بجنود “إيساف” في حين تفتك الطائرات الاميركية من دون طيار بالمدنيين وبالمسلحين المتمردين على حد سواء.
انه فشل إضافي يضاف الى رصيد الرئيس اوباما.
سجن غوانتانامو الذي وعد الرئيس اوباما بإقفاله وإنهاء وصمة العار على جبين الولايات المتحدة ما زال مفتوحا. وما زالت الادارة الحالية حائرة في أمر نزلائه من الذين ما زالوا قيد الاعتقال من دون ان يظهر ما يبشر بقرب إقفال هذا السجن، خصوصا بعد ان اكتشفت الادارة خطورة النزلاء على امنها إذا كانوا خارج السجن.
مزيد من الفشل للادارة الحالية
العلاقات مع العالم الاسلامي ارادها الرئيس اوباما من خلال كلمته التي القاها في جامعة القاهرة إفتتاحا لعهد جديد بين الولايات المتحدة والمسلمين. إلا أنه أغفل جانبا مهما في الالتباس الذي يرافق هذه العلاقة وهو القضية الفلسطينية. فالعلاقات الاسلامية والعربية مع الولايات المتحدة معيارها الرئيسي حل القضية الفلسطينية، في حين ان الرئيس اوباما طلب من المسلمين والعرب تفهم موقف بلاده الراعي والداعم لاسرائيل ومطالبا أياهم بمزيد من الانفتاح على إسرائيل، ما ينم عن جهل بطبيعة الصراع في المنطقة الذي لا يدخل فيه حساب النوايا الطبية والعلاقات العامة ومراعاة الحساسيات الاسرائيلية على إختلافها من دون مراعاة لابسط الحقوق الانسانية والسياسية والاجتماعية للشعب الفلسطيني.
وفي الواقع لا يوجد مشكلة اقتصادية ومشكلة تبادل تجاري بين المسلمين والعرب والولايات المتحدة، ولا مشكلة تبادل ثقافي، بدليل اعداد الطلاب الذين يقصدون التعلم في جامعاتها ولا مشكلة من اي نوع. فالخلاف واضح وعنوانه القضية الفلسطينية وطريقة مقاربة الرئيس اوباما تبدو ساذجة.
ايضا مزيد من الفشل في مقاربة قضية العصر
العلاقات مع اوروبا، كانت ايضا موضوع الحملة الانتخابية للرئيس اوباما حيث وجه الانتقاد تلو الانتقاد للرئيس بوش معتبرا ان قراراته منفردة وانه يملي على الاوروبيين والعالم مواقفه ويفرض عليهم الموافقة عليها من دون ان يشاركهم في صياغتها.
وما قام به الرئيس اوباما لم يختلف كثيرا في الشكل ولا في المضمون عن سلفه بوش. فما زالت القرارات تتخذ في واشنطن وعلى سائر العالم الموافقة عليها، خصوصا في افغانستان حيث كان الرئيس بوش دعا اوروبا الى الانخراط اكثر فأكثر في المواجهات مع الطالبان، في حين ان الرئيس اوباما الذي كان وعد بمشاركة العالم في القرارات والخيارات ارسل 30 الف جندي اميركي الى كابل ودعا الاوروبيين الى مزيد من المساهمة بالجنود في وقت كانت الدول الاوروبية تعد نفسها بسحب جنودها من افغانستان!
ايضا مزيد من الاخفاقات في هذا الملف.
اما روسيا والصين فالعلاقات معهما ليست بأفضل حال من المراحل السابقة. فبعد ان تنازل الرئيس اوباما عن مشروع الدرع الصاروخي الذي كان سلفه قرر نشره في اوروبا الشرقية مثيرا خلافات حادة مع الروس، ما زال الموضوع الايراني موضع خلاف وتباين في وجهات النظر بين الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية بحيث تتعرض الادارة الاميركية لمزيد من حفلات الابتزاز عند كل استحقاق ايراني خصوصا لجهة فرض مزيد من العقوبات على طهران او تقليص التبادل التجاري الحساس معها. فتدفع واشنطن تعويضات مسبقة لروسيا والصين لقاء موافقتهما على اي مشروع قانون لمعاقبة ايران، كما ان الادارة الحالية فشلت في التوصل الى اتفاق مع بكين يوقف او يحد من حجم الارتهان الاقتصادي الاميركي لها، ولم تستطع فرض سياستها المالية على بكين لجهة رفع سعر العملة بما يريح الاقتصاد الاميركي ويعيد التوازن المختل الى الميزان التجاري بين البلدين.
إزاء ذلك اعتبر مراقبون ان الناخب الاميركي الذي تحمس لوعود الديمقراطيين والرئيس اوباما بالتغيير وجد نفسه امام نسخة منقحة عن الرئيس بوش في السياسة الخارجية ونسخة غير مطورة كثيرا في الداخل.
ويشير مطلعون الى ان الرئيس اوباما لم يستطع الافادة من الفوز الساحق الذي حققه في الانتخابات التي اوصلته الى البيت الابيض فكان يحكم مع مجس نواب ومجلس شيوخ موالين له، إلا أنه لم يستطع نقل الرأي العام الاميركي من ضفة الى أخرى فإنقلب عليه. وهو كما ظهر أكثر من الكلام في حملاته الانتخابية من دون ان يحسب حسابا لامكان تحقيق الوعود التي يبدو ان بعضها لا يتلاءم والسياسات الاميركية التاريخية خصوصا في المجال الاقتصادي حيث تعتبر الرأسمالية جزءا من فلسفة الحياة وليست ترفا فكريا. فضلا عن تشعب شبكة المصالح الاميركية التي ارتبطت بها تاريخيا خارج الولايات المتحدة، وهذا ما يواجه به الديبلوماسيين الاميركيين حول العالم بسؤاله: هل ستفعلون شيئا؟ ماذا ستفعلون؟
وفي الغالب تكون الاجابات رومنسية من نوع “قال الرئيس اوباما”!
اوباما : أكثَرَ من الوعود ففشل في الداخل والخارج – اثناء مسيرة جلن بك (Glenn Beck rally) نشرت بعض وسائل الاعلام “الليبرالية” الخبر على ان (79% يؤيدون سياسة الحرب) وفي اليوم التالي حرص القائمون على المسيرة على توضيح (العكس) : وهو ان المطلوب اصلاح ضريبي , ليس بتخفيض الانفاق الحكومي فحسب , بل بتحجيم الحكومة الى الحدود الدنيا , مما يعني (ضمنا) تجفيف مصادر الانفاق لأي حرب قائمة او قادمة .. ولكن “جلن بك” كواجهة سيبقى يثرثر بخطر “الارهاب” وضعف اوباما في مجال الامن (لزوم الفرز السياسي) .. ومن ذلك اعتبار الناطق باسم الحزب الجمهوري الحرب في افغانستان (خيار اوباما)… قراءة المزيد ..