من أحمد حجاجي
الكويت (رويترز) – أسفرت الانتخابات البرلمانية التي عقدت يوم السبت في الكويت عن فوز ملحوظ للمعارضة وفي مقدمتها الحركة الدستورية الإسلامية (الإخوان المسلمون) فيما تراجع تمثيل النواب الشيعة إلى ستة نواب في المجلس الجديد مقارنة مع تسع نواب في المجلس السابق وانخفض عدد مؤيدي الحكومة بشدة.
وقدر محللون عدد المعارضين الإسلاميين والليبراليين والمستقلين والقبليين في المجلس الجديد بنحو عشرين نائبا من إجمالي النواب البالغ عددهم 50 نائبا في مؤشر واضح على رفض شرائح واسعة من الشعب الكويتي للقرارات التي اتخذتها الحكومة تحت مظلة البرلمان السابق لاسيما المتعلق منها بالتقشف وتقليص الدعم المقدم لبعض السلع والخدمات.
وفي الكويت يتعذر تقدير أعداد المؤيدين والمعارضين بدقة في ظل حظر عمل الأحزاب السياسية بشكل رسمي ومع تفضيل بعض المرشحين المنتمين لتيارات سياسية عدم الإعلان عن هويته السياسية للاستفادة من الزخم القبلي والعائلي.
وقالت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن نسبة التغيير في مقاعد مجلس الأمة الجديد بلغت ستين في المئة مقارنة بالمجلس السابق الذي سيطر النواب الحكوميون على الغالبية العظمى لمقاعده.
وعاد عدد من النواب المعارضين الذين قاطعوا الانتخابات التي جرت مرتين خلال السنوات الأربع الماضية فيما مني اثنان من الوزراء الثلاثة الذين اختاروا خوض غمار الانتخابات بالفشل ونجح الثالث. كما مني التيار السلفي المؤيد للحكومة بخسارة فادحة.
كما أسفرت الانتخابات عن فوز عدد من الوجوه الشابة التي تشارك للمرة الأولى في الانتخابات وحصلت على مراكز متقدمة جدا معبرة عن مفاجأة تعكس الرغبة الشعبية في التغيير.
ونجحت أيضا النائبة السابقة صفاء الهاشم وهي ليبرالية مستقلة في اقتناص مقعد وحيد للمرأة في البرلمان الجديد.
* مرزوق الغانم
ووصف رئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم الذي أعيد انتخابه مرة أخرى المرحلة المقبلة بالحساسة والحرجة والمهمة جدا لكنه عبر عن سعادته بحجم المشاركة الذي وصفه بالكبير من قبل المواطنين في الانتخابات.
وقال الغانم لرويترز إن “أي أمر نريد أن يكون فيه تقدم أو تنمية أو تطوير لابد (له) من الأساس. والأساس لأي من هذه الطموحات هو الاستقرار السياسي.”
وأضاف أن المجلس الجديد يجب أن يكون “حكيما يثبت الاستقرار السياسي حتى تبنى على قاعدة الاستقرار طموحات المواطنين.”
وحول وجود معارضة قوية في المجلس الجديد قال الغانم إن “كل التوجهات السياسية مطلوب أن تبدي وجهة نظرها في قاعة عبدالله السالم (قاعة البرلمان).. لكن يجب على الجميع أن يحاول الحفاظ على الاستقرار السياسي. وأن يكون هدفه تنمية البلد بما فيه مصلحة البلاد والعباد وليس أهدافا أخرى.”
* الانتخابات والإصلاح
وخلال الحملة الانتخابية صب المرشحون جأم غضبهم على المجلس السابق الذي كان يوصف بأنه صديق للحكومة وتم في عهده تمرير كثير من القرارات غير الشعبية ومنها خفض الدعم عن بعض السلع وزيادة أسعار البنزين والمحروقات وزيادة تعرفة الماء والكهرباء.
وتحت ضغط الهبوط الكبير في أسعار النفط الذي يشكل نحو 90 في المئة من إيرادات الدولة لجأت الحكومة خلال السنتين الماضيتين وبالتشاور مع صندوق النقد الدولي لإجراءات تقشفية نالت من شعبيتها وشعبية النواب المؤيدين لها.
وحصلت الحكومة في يونيو حزيران على موافقة البرلمان على الخطة التي أعلنتها لإصلاح أوضاع الاقتصاد على المدى المتوسط وعرفت بوثيقة الإصلاح الاقتصادي وتهدف إلى إصلاح الميزانية العامة وإعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد وزيادة دور القطاع الخاص وتفعيل مشاركة المواطنين في تملك المشروعات العامة وإصلاح سوق العمل.
وقاطعت المعارضة الانتخابات التي جرت مرتين في السنوات الأربع الماضية في ديسمبر كانون الأول 2012 ويوليو تموز 2013 اعتراضا على تغيير النظام الانتخابي من خلال مرسوم أميري صدر في 2012 واعتبرته المعارضة موجها لتقليص حظوظها في الفوز.
وكانت المعارضة فازت بغالبية مقاعد البرلمان في الانتخابات التي جرت في فبراير شباط 2012 قبل أن يتم حل مجلس الأمة بحكم من المحكمة الدستورية العليا.
* مجلس مزعج
وقال إبراهيم الهدبان أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت لرويترز إن الحملة الانتخابية أوضحت أن “بعض القرارات الحكومية التي اتخذت في الفترة السابقة كانت قرارات ليس لها شعبية بين المواطنين.”
ومن هذه القرارات رفع أسعار البنزين بما يزيد عن 80 في المئة لبعض الأنواع وسحب الجنسيات من بعض المواطنين وهي قضية مثيرة للجدل حيث تقول الحكومة إنها لا تسحب الجنسيات إلا ممن اكتسبوها بطرق غير شرعية فيما تدعي المعارضة أن بعضها يتم سحبه على أسس سياسية إضافة لقانون البصمة الوراثية الذي أقره البرلمان الماضي وتعارضه قطاعات شعبية معتبرة.
وقال الهدبان إنه “تم توجيه اللوم للنواب الذين كانوا في المجلس ولم يعترضوا على هذه القرارات.. فتم في تصوري معاقبة هؤلاء النواب.”
وقال محلل سياسي آخر لرويترز مفضلا عدم الكشف عن اسمه نظرا لمقاطعته للانتخابات إن “المزاج الانتخابي كان معارضا في هذه الانتخابات ولم يكن هناك رضا عن المجلس السابق.”
وأضاف أن “الحكومة لا يزال لديها أغلبية في المجلس.. لكن سيكون من الصعب عليها تمرير ما تريد.. سيكون مجلسا مزعجا بلا شك وقد لا يعمر طويلا.”
* الحركة الدستورية الإسلامية
وحول عودة نواب الحركة الدستورية الإسلامية للبرلمان وتحقيق فوز واضح بعد المقاطعة قال الهدبان إن مقاطعة الحركة للمجلسين السابقين “خدمتها” ولو كانت شاركت فيهما واعترضت على القرارات الحكومية لخدمها ذلك أيضا.
وحول الضغط الإقليمي والعربي على تيار الإخوان المسلمين قال الهدبان “إن الشعب الكويتي غير مقتنع بما أثير.”
وأضاف أن “تنظيم الإخوان موجود منذ الخمسينات في الكويت.. وكلما زادت الاتهامات من قبل الأنظمة العربية تجاه الإخوان كلما تعاطف الناس معهم.”
ولم يتم الإعلان بعد عن الأرقام الرسمية للمشاركة لكن كان ملحوظا تزايد الإقبال على التصويت مع عودة المعارضة للمشاركة وتزامن الانتخابات مع تحسن الطقس بشكل كبير وميله للبرودة مع تساقط خفيف للأمطار في بلد يقاسي صيفا شديد الحرارة.
وأشاد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح “بالمشاركة الكبيرة للمواطنين الكرام بهذه الانتخابات وتجاوبهم لتأدية هذه المسؤولية الوطنية وبروح التعاون التي سادت بين المرشحين والناخبين خلال عملية الانتخابات.”
قدرت صحيفة القبس الكويتية نسبة المشاركة في الدوائر الخمس المختلفة بما بين 65 في المئة إلى 70 في المئة وهي نسبة تعتبر مرتفعة نسبيا مقارنة بانتخابات ديسمبر كانون الأول 2012 التي بلغت نسبة المشاركة فيها نحو 39 في المئة ويوليو تموز 2013 التي زادت قليلا عن 50 في المئة.
وأرسل أمير الكويت برقيات شكر إلى كبار القيادات في الدولة على “الجهود الكبيرة التي بذلتها وعلى المشاركات الفعالة لتهيئة الأجواء المناسبة التي مكنت المواطنين الكرام من أداء واجبهم الوطني في انتخابهم لأعضاء مجلس الأمة 2016 بكل سهولة وهدوء ويسر وشفافية.”
وتأتي هذه الانتخابات بعد أن حل أمير الكويت مجلس الأمة الذي سيطر عليه النواب المؤيدون للحكومة في أكتوبر تشرين الأول الماضي ممهدا الطريق لإجراء انتخابات جديدة وقال إن “تحديات أمنية” في المنطقة ربما يكون من الأفضل معالجتها بالتشاور مع الإرادة الشعبية.
وهذه هي سابع انتخابات تجرى منذ تولي الأمير الحالي مقاليد الحكم في 2006 حيث عطلت التوترات السياسية التطور الاقتصادي في هذا البلد الغني بالثروة النفطية وعضو منظمة أوبك.
ويبلغ عدد المواطنين الذين لهم حق التصويت في الكويت 483 ألف ناخب نحو 48 في المئة منهم من الرجال و52 في المئة من النساء. ويبلغ عدد سكان الكويت 4.4 مليون نسنة منهم 1.3 مليون من المواطنين و3.1 مليون من الوافدين.
وتتكون الكويت من خمس دوائر انتخابية يتم اختيار 10 نواب من كل دائرة ويحق لكل ناخب الإدلاء بصوته لمرشح واحد فقط في الدائرة المقيد فيها ويعتبر باطلا التصويت لأكثر من ذلك.
ويعتبر الوزراء غير المنتخبين في مجلس الأمة أعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم ولا يزيد عددهم عن 16 وزيرا.
ويقوم مجلس الأمة بدور كبير في عملية التشريع والرقابة على الحكومة. لكن أمير البلاد له الكلمة النهائية في القرارات الهامة في هذه الدولة التي عرفت تجربة ديمقراطية نسبية تعتبر فريدة بين دول الخليج.