رقصت المعارضة البحرينية الموالية للنظام الإيراني فرحا يوم أن جاءها خبر – لم تتأكد صحته – حول قرار حكومة كوريا الجنوبية بوقف تزويد البحرين بالغاز المسيل للدموع، الذي يُعد من الوسائل القديمة المعترف بها دوليا للإستخدام في السيطرة على أعمال الشغب وفض التجمعات والاحتجاجات، والذي كانت شركة بريطانية هي أول من صنعته في خمسينات القرن الماضي من خلال خلط رذاذ الفلفل الأسود مع ثلاث مواد كيميائية. بل عـَدّت الأمر بمثابة إنتصار ساحق لها ولأعوانها من دكاكين الغرب الحقوقية على وطنها.
لكن الرموز ذاتها ومن والها صممت صمت القبور حول قرار الحكومة اليابانية منع كبرى شركاتها المصنعة لرافعات الأثقال، والمعروفة بإسم “تادانو” من تزويد إيران بمنتجاتها عقابا للأخيرة على إستخدام تلك الرافعات في أغراض الإعدام وإزهاق الأرواح. واللبيب بالإشارة يفهم سبب إختلاف موقفي المعارضة.
إن إستخدام الغاز المسيل للدموع عمل تمارسه كل دول العالم لتفريق المظاهرات الغوغائية المهددة للأمن والنظام وسلامة الممتلكات والأرواح، تستوي في ذلك دول العالم المتقدم والعالم النامي وما بينهما. فمثلا لو تحدثنا عن دول العالم المتقدم نجد أن الشرطة الايطالية استخدمت هذا السلاح في تفريق الاحتجاجات التي اندلعت أثناء قمة مجموعة الثماني في جنوة في عام 2001، واستخدمته الشرطة الكندية في تفريق الاحتجاجات المناهضة للعولمة في مدينة كيبيك أثناء قمة 2001 لقادة الأمريكتين، واستخدمته الشرطة الامريكية في الخميس الدامي في بيركلي بولاية كاليفورنيا فـي1969 واثناء حصار واكو الشهير في 1993، وفي بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا لقمع الاحتجاجات المناوئة لقمة مجموعة العشرين في 2000. واستخدمته الشرطة البريطانية في منطقة توكستيث في ليفربول عام 1982، وفي المظاهرات التي إندلعت في لندن في يناير 2011 إحتجاجا على السياسات الضريبيبة، وفي القضاء على أعمال الشغب التي إندلعت في أغسطس 2011 من توتنهام وعمت مناطق مختلفة.
أما إستخدام رافعات البناء في تنفيذ أحكام الإعدام هو إسلوب يملك براءة إختراعه حكام طهران وحدهم لأنهم أول من إبتدعه في التخلص من خصومهم ومناوئيهم السياسيين، ربما لأنها الأقل كلفة، والأكثر سرعة، والأشد ترهيبا لمن قد تسول نفسه معارضة نظام الولي الفقيه. فمثلا بدلا من استخدام 10 مشانق منفصلة لتنفيذ عشرة إعدامات، مع ما يستهلكه ذلك من وقت وجهد، فإن رافعة واحدة كفيلة بعمل كل شيء في ثوان.
وتقول الإحصائيات الموثقة أن حكومة طهران درجت علانية ومنذ وقت طويل في إتباع هذه الطريقة المتوحشة في تنفيذ من تصدر بحقهم حكم الإعدام لأسباب سياسية وغير سياسية. فمنذ وصول الخميني إلى السلطة نفذ نظامه حكم الإعدام في الآلاف من الإيرانيين، وكان جلّ هؤلاء من المعارضين السياسيين ولاسيما من أبناء إقليمي الأحواز وبلوشستان/سيستان المستائين مما يتعرضون له في وطنهم من تهميش وتمييز على أساس طائفي وعرقي.
وعلى الرغم من التقارير الإعلامية الكثيرة التي تحدثت عن هذه الجرائم، والحملات التي دشنها المعارضون الإيرانيون في الخارج لفضح هذه الإنتهاكات فإن الحكومات الغربية ومعها الإدارة الأمريكية، التي تصدّع رؤوسنا ليل نهار بإسطوانه حقوق الإنسان المشروخة، لم تتحرك إزاءها وإكتفت بالتنديد بها عبر منظماتها الحقوقية. والأمر الآخر الأكثر مدعاة للدهشة والحيرة هو أن مجموعة 5+1 التي أبرمت الصفقة الأخيرة مع حكومة طهران حول برنامجها النووي المثير للجدل لم تثر – لا من قريب أو بعيد – الموضوع مع المفاوض الإيراني، ولم تلزم طهران بالتوقف عن ممارسة هذه الإنتهاكات الوحشية لحقوق الإنسان. وربما بسبب هذا اللاكتراث الغربي واصل الرئيس الإيراني الحالي الموصوف بـ”المعتدل” ما بدأه أسلافه من إعدامات برافعات الأثقال. حيث تقول التقارير والاحصائيات الموثقة أن عهد روحاني، الذي بدأ فقط في العام الماضي، شهد 430 حالة إعدام كان جلها بالرافعات وجرت في الهواء الطلق في مدن نوشهر، وبابول، وقائم شهر، وشيراز، وجهرم، وشهر كورد، وإيلام، وكرج، وغيرها بهدف خلق أجواء الرعب في المجتمع.
وفي السياق نفسه لا بد من التذكير بأنه على الرغم من تصديق إيران على إتفاقية حقوق الطفل والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فإنها من أكثر دول العالم تنفيذًا لحكم الإعدام في الأحداث إلى الدرجة التي نالت معها إدانة دولية. ويعتبر سجل هذه الدولة هو بؤرة اهتمام حملة “أوقفوا إعدام الأطفال”. وتفيد بعض التقارير بأن 54% من إجمالي الإعدامات التي تنفذ في العالم تطبق في إيران، وأن إيران تحتل منذ سنوات المرتبة الثانية بعد الصين في تنفيذ وإصدار عقوبة الإعدام، على الرغم من التفاوت الكبير بين البلدين في عدد السكان.
وحدها اليابان رأت في ما فعلته وتفعله طهران عملا مقيتا يستوجب العقاب. فلم تتردد، رغم مصالحها التجارية الكبيرة مع الإيرانيين، في إصدار قرار ملزم لـ”شركة تادانو المحدودة” يقضي بوقف مبيعاتها من الرافعات لإيران. صحيح أن القرار الياباني جاء متأخرا، أي كان من المفترض أن يصدر قبل أكثر من ثلاثة عقود، لكن أن يأتي الشيء متأخرا أفضل من ألا يأتي أبدا. ويبرر نيتن كارلتون رئيس العلاقات العامة في حملة “التحالف ضد إيران النووية” تأخر القرار الياباني، بأن الشركات التي تبيع منتجاتها إلى الإيرانيين لا تحمل عادة أي فكرة مسبقة عن المجالات التي قد تستخدم فيها خلافا للمجالات التي صـُنعت من أجلها. وأضاف قائلا: أن “لإيران ملفاً أسود في سوء استخدام ما تستورده من الخارج من بضائع، وسلع”. أما رئيس الحملة المذكورة “مارك والاس” فقد لعب دورا هاما من خلال مقالاته في صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” في تسليط الأضواء على مبيعات شركة “تادانو” لرافعات الأثقال إلى إيران، الأمر الذي أجبرها على إلغاء كافة العقود المبرمة مع الحكومة الإيرانية.
وشركة “تادانو” لمن لا يعرفها هي شركة تأسست في عام 1948، وتعتبر واحدة من أكبر الشركات المُصنّعة للرافعات الهيدروليكية في العالم حاليا. ويضم خط إنتاجها مجموعة متنوعة من المنتجات؛ كالرافعات الخاصة بالأراضي الوعرة والأراضي الزراعية، والشاحنات الرافعة، والرافعات الحاملة للشاحنات، ومنصات الرفع، وغيرها من المنتجات والمعدات المماثلة. وفضلاً عن إحتلالها منزلة رائدة في تكنولوجيا الرافعات، تتمتع تادانو بسمعة قوية أيضاً بفضل خدماتها وجودة ومتانة منتجاتها المنتشرة في أكثر من تسعين دولة حول العالم.
وبحسب موسوعة ويكيبيديا فإن هذه الشركة، منذ أن قدمت أول رافعة هيدروليكية في اليابان في عام 1955، إستمرت في إختراع تقنيات هيدروليكية والكتروميكانيكية جديدة ومتطورة بغية توسيع أسطولها. واليوم، تفخر تادانو بانتشار رافعاتها في المدن وفي الأراضي الريفية النائية على حد سواء، حيث تعمل هذه الرافعات بكفاءة عالية في المشاريع الحضرية التطويرية وفي مواقع البناء في المناطق القروية النائية، مؤدية مهام الرفع والنقل والصيانة والإصلاح، ومقدمةً بذلك أدوات أساسية لكافة الصناعات والإنشاءات حول العالم.
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
elmadani@batelco.com.bh