يشكل انخراط حزب الله في القتال داخل سورية احد ابرز عوائق تشكيل الحكومة على قاعدة (9.9.6)، انّ لم يكن الوحيد كما يشدد اكثر من مسؤول في قوى 14 آذار، فيما يعتبر حزب الله انّ هذا الشرط ليس الا محاولة تعطيل تشكيل الحكومة. فحزب الله لا يريد للبنانيين انّ يتعاملوا مع قتاله في سورية باعتباره اخلالاً بمسار العملية الدستورية في البلد، او انّ الحكومة التي يريد تشكيلها معنية باتخاذ موقف النأي بالنفس مما يجري في سورية، وبالتالي هي ليست في موقع المطالب بتبرير او رفض هذا الانخراط.
على انّ ما يطالب به خصوم حزب الله بضرورة انسحابه من سورية، وما يعلنه رئيس الجمهورية من ضرورة الالتزام باعلان بعبدا، لم يعد تحققه امراً ممكناً، بحسب ما تشير اليه وقائع القتال في سورية. تلك التي، وان كانت تشهد تقدما لمقاتلي النظام وحلفائه ومن بينهم حزب الله في ريف دمشق وفي القلمون، إلا انّ هذا التقدم لا يوفر، على ما تؤكد مصادر سورية، الضمانة التي تتيح لحزب الله العودة الى لبنان مع ضمان عدم قيام ما يسميها “الجماعات التكفيرية” باللحاق به الى لبنان، لا سيما انّ الجماعات الاسلامية، سواء كانت تكفيرية او غير تكفيرية، تتحول الى القوة الابرز في مواجهة النظام، وهي لم تعد تبدي اهتماما او تضع شروطا لوقف القتال مع حزب الله، بل باتت تعتبر انّ المعركة مفتوحة معه سواء خرج من سورية او لم يخرج، كما اكد لـ”البلد” مسؤول بارز في أحد الالوية الاسلامية غير التكفيرية في معايير حزب الله.
من هنا يمكن القول انّ فرص انسحاب حزب الله ليست واردة انطلاقا من مسار المواجهات السورية، التي لا تؤشر الى انّ مؤتمر جنيف 2 سيحمل ضمانات لحزب الله كي يخرج من سورية. وليس هناك ما يشير الى انّ النظام السوري قادر على ممارسة فعل غير القتال والتدمير، ان لم يكن القتال هو فرصة البقاء الوحيدة له. في المقابل تطمح بعض الدول في الاقليم، وفي مجلس الامن، ان توظف قوة حزب الله في قتال المجموعات الارهابية في سورية. وهو قتال لا يوحي، كلما جرى الانخراط والتوغل فيه، بأنّ نهاياته واردة او يمكن ان تكون نهايته قريبة، هذا من دون انّ نتورط في الحديث عن منتصر ومهزوم بين “الاسلاميين”.
انطلاقا من ذلك يبقى انّ على المعنيين بتشكيل الحكومة الانطلاق من هذه الحقيقة، اي انّ حزب الله لن ينسحب من سورية، او بات غير قادر على الانسحاب منها، لذا فالسعي الى تشكيل حكومة من الحياديين يمكن ان يكون خيارًا موضوعياً، طالما انّ “اعلان بعبدا” هو المعيار الموضوعي والقانوني والدستوري، الذي بتبنيه، يوفر الحدّ الادنى من المصداقية للدولة اللبنانية في موقفها تجاه العلاقة مع سورية وتجاه المجتمع الدولي، وقبل ذلك حيال اعادة الاعتبار لمعايير الدولة في العلاقة بين المواطن والسلطات الدستورية.
على انّ خيار تشكيل مثل هذه الحكومة، وان كان حقّا دستورياً في عهدة الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، كما لمجلس النواب واجب منحها الثقة او حجبها، فإنّ المبادرة الى تشكيلها ضمن القواعد القانونية والدستورية هي بالتأكيد افضل من حال تصريف الاعمال اليوم، وواجب ازاء محاولة ترسيخ منطق القوة خارج القانون كسبيل وحيد لفرض الحكومات او حلَها.
وبالتأكيد فانّ الرضوخ لهذا المنطق التهويلي يوفر المزيد من الثقة لاصحابه باعتماد هذا السلوك. وبالتالي فانّ نداء البطريرك الماروني بشارة الراعي امس للمسؤولين اللبنانيين والذي خاطبهم فيه: “نداء الرب موجه، بنوع خاص، إلى المسؤولين السياسيين ذوي الإرادة والنوايا الحسنة”، وقال لهم: “لا تخافوا من اتخاذ خطوات جريئة وبطولية لإخراج لبنان من أزمته السياسية أولا بتأليف حكومة جديدة، جديرة وقادرة، اليوم قبل الغد..”، هو نداء في الدرجة الاولى موجّه الى رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف، لأنّ الخطوة الجريئة برسمهما اليوم، فهل يُقدِمان ام يبقيان شاهدين على الفراغ والعجز؟
الجرأة هنا ليست تهوراً كما يهوّل على رئيس البلاد، ولا مجازفة بالدستور كما يقول من يسفّه الدستور، بل هي من صلب الصلاحيات الدستورية للرئيسين. والى هذا الاساس، يحتاج اللبنانيون من رئيس البلاد والرئيس المكلف، الى خطوة تعيد الاعتبار الى المؤسسات الدستورية. واختيار حكومة من الكفاءات والوجوه التي تحظى باحترام الناس وثقتهم هو عمل تاريخي لأنه يساهم في تظهير صوت فئة من الشعب اللبناني الى حيث يجب، وهي بظنّي الفئة الاوسع. تلك التي، وان حاول البعض القول زوراً إن ليس في لبنان من هو حيادي تجاه قوى 8 آذار و14 آذار، إلا انّ اختيار مجموعة من الوزراء الاكفّاء، وبهذه المواصفات، امر ليس صعباً ولا يحتاج الى جهد، بل الى قرار ينتظره الكثير من اللبنانيين الذين لا يريدون ان يصادَروا بمقولة انّ الشعب اما مع هذا الفريق الآذاري او مع ذاك.
alyalamine@gmail.com
البلد