لا يكاد يمر يوم إلاّ ويحدث في لبنان ما يشير إلى أنّ التفلُّت الدستوري والقانوني والسياسي والأمني، والذي تقوم به أطراف سياسية مشاركة في الحكومة اللبنانية، والميليشيات المسلحة الكبرى والصغرى، لا يتم مصادفةً، ولا يتّسم بالتردد أو التهيب، بل المقصود من ورائه ضرب الطائف والدستور والعيش المشترك، وإسقاط إمكانيات التوافق الوطني على قاعدة التوازُن، وبناء المستقبل بالمشاركة والمواطنة والاستقلال الوطني والانتماء العربي.
فمن نيويورك وباريس عاد رئيس الجمهورية للتأكيد على الحاجة لميليشيات حزب الله في الجنوب رغم وجود الجيش الوطني اللبناني وإنجازاته التي أثبتها قي معركة “فجر الجرود” والقوات الدولية، وفي نقضٍ واضح وصريح للقرار الدولي رقم 1701. كما ذهب الرئيس إلى أنّ لبنان ملتزم بالنأي بالنفس في الحرب السورية، رغم وجود ميليشيا حزب الله المشارك في الحكومة في سورية قاتلاً ومهجِّراً منذ أكثر من أربع سنوات.
ومن نيويورك ولبنان عاد وزير الخارجية اللبنانية للتأكيد على التطبيع مع النظام السوري القاتل والمهجّر لشعبه وللبنانيين بحجة إعادة اللاجئين.
وفي بيروت قام الحزب القومي السوري الحليف لحزب الله وللنظام السوري باستعراض لجناحه العسكري “نسور الزوبعة” الذي شارك في قتل السوريين ودعم النظام القاتل، سدَّ فيه شوارع العاصمة الرئيسية لساعات دون أن تحرك وزارة الداخلية وقواها الأمنية أو وزارة الدفاع وقواها العسكرية ساكناً.
وفي بيروت أيضاً أصدرت المحكمة العسكرية أحكاماً بالإعدام والمؤبد والأشغال الشاقة في قضية الشيخ أحمد الأسير وعبرا بصيدا باعتبار اعتدائهم على الجيش، في حين غُيّب الدور الذي تولاه حزب الله في معركة عبرا ولم نشهد محاكمة أو إدانة جهات أُخرى اعتدت على الجيش والقوى الأمنية، في ما يشبه الشتاء والصيف على السطح الواحد.
وانتهت مطالبة رئيس الجمهورية بعد الأمين العام لحزب الله بمحاسبة المسؤولين منذ العام 2014 عن دخول الإرهابيين إلى جرود عرسال ورأس بعلبك وبقائهم فيها وخطفهم وقتلهم لعسكريين لبنانيين إلى اتهام رئيس بلدية عرسال السابق بالتعاون مع داعش ولا أحد غيره، باعتباره المتسبب في حصول هذا الشر كله! ولم تسجّل مطالبة بمحاكمة من سهّلوا خروج عناصر “داعش”بحافلات مكيفة،ومحاولة تحجيم الانتصار الذي حققه الجيش في “فجر الجرود”.
إنّ كلَّ هذه الظواهر والمظاهر تؤشر إلى تصدع الدولة ومؤسساتها، وسيطرة حزب الله على الحياتين السياسية والأمنية، وإلى حصول انحرافات خطيرة في السياسة الخارجية للبنان؛ في ظلِّ الفساد الحاصل في الإدارة، وتحديات الحصار الذي يتعرض له لبنان في ماليته العامة وقطاعاته التجارية والمالية والاقتصادية؛ بسبب الميليشيات المسيطرة على أمنه، وقضائه، ومطاره ومرفئه والمرافق العامة الأُخرى.
ولذلك فإنّ الهيئة التحضيرية لحركة المبادرة الوطنية تؤكد على ما يلي:
أولاً: ضرورة بسط سيادة الدولة على كامل التراب اللبناني تطبيقاً لاتفاق الطائف وقرارات الشرعية الدولية والتصدي لظواهر التفلُّت من حكم القانون، وممارسات الفساد والإفساد.
ثانياً: إستنكار الاستمرار في الخضوع لمنطق التسوية التي أتت برئيس الجمهورية وبالحكومة الحالية، والتي تحولت إلى استسلامٍ باهظ الكلفة على لبنان ونظامه ودستوره وحكم القانون فيه، وسياسته الخارجية، وانتمائه العربي.
ثالثاً: التصدي لهجمة التطبيع مع النظام السوري وللحملة الشعواء على اللاجئين السوريين ومحاولة شيطنتهم، بزعم إعادتهم، والتأكيد على ضرورة عودتهم الآمنة إلى سورية بضمانة الأمم المتحدة، وليس بضمانة نظامٍ قاتل، يعتبر رئيسه أن تهجير ملايين المواطنين السوريين جعل النسيج الاجتماعي أكثر انسجاماً!
رابعاً: إنّ السبيل الأفضل ليصبح التصدي أفعَل يكمن في استمرار العمل على توسيع حركة المبادرة الوطنية التي ترمي لإطلاق حملة استنهاضٍ وطنيٍّ كبير لتصحيح المسار بالمعارضة الديمقراطية من طريق جمع شمل المجموعات المدنية والتنموية العاملة على الأرض، وتشجيع مجموعات جديدة، تعمل جميعاً معاً على تطوير المشروع الوطني الجديد.
خامساً: ستعقد الهيئة التحضيرية اجتماعاً دورياً لمتابعة المستجدات والتفكير والتدبير في إحدى القضايا الوطنية، وصولاً خلال أسابيع إلى الإعلان عن البيان التأسيسي للحركة، في اجتماع كبير.
4 تشرين الأول / اكتوبر 2017
بيروت – أوتيل مونرو