التعامل مع الهاشميين في اليمن باعتبارهم جماعة عرقية مغلقة على نفسها …لها أجنداتها الخاصة والى حد ما الغامضة, كان احد دوافع السلطة في خوض حرب صعدة وفي استسهال نتائجها وتبعاتها.
المشكلة قديمة ولها جذورها التاريخية والسياسية. ومثلما كان لها علاقة بحكم الأئمة الهاشميين لأجزاء واسعة من اليمن, فقد كان لها ولا يزال علاقة بالصراع على السلطة ومواقعها بين ما عرف بالعدنانين والقحطانيين داخل الصف الجمهوري نفسه. غير أن خطورة استمرار وترسيخ هذه النظرة النمطية اليوم تأتي من كونها تلغي المواطنة وتميز بين حامليها وتعكس نفسها على حقوق وتطلعات شرائح واسعة من أبناء المجتمع ليس لهم علاقة بذلك الصراع الانتهازي على السلطة، ولا بما افرزه من عقد نفسية وعنصرية لدى بعض النخب القحطانية والعدنانية في الشمال .
لقد تفاقمت المشكلة حين استمرأت بعض أطراف النخبة لهذه الثقافة الصراعية والانعزالية, وحين ذهب كل واحد منها ليستثمر نتائجها سياسيا ووجاهيا. إما بالحفاظ على مواقعه في السلطة القائمة أو بالحث عن مواقع شراكة إلى جانبها وعن وجاهات اجتماعية ومذهبية خارجها. ودائما عبر التخويف من الآخر والتحريض ضده, وباستمرار كانت الضحية من هذا الصراع الفوقي والانتهازي التافه هي المواطنة وبنائها القيمي والأخلاقي لدى الإنسان اليمني الفرد، وبما يعني تقسيم أبناء المجتمع الواحد إلى جماعات مغلفة يتم الانتقاص من حقوق أفرادها المدنية والسياسية لصالح الرموز الانتهازية التي تدعي تمثيلها أو التحدث باسمها.
ووفقا لهذه المنطلقات والدوافع العنصرية فقد كان مجرد ظهور حسين بدر الدين الحوثي كشخصية اجتماعية مؤثرة.. لها أتباع ومريدين خارج إطار السقف المرسوم له من قبل السلطة يكفي لاستنفار عديد من أطراف السلطة وبعض من امتداداتها الاجتماعية والمذهبية ضده والى جانب القضاء عليه وكان مجرد طرح عناوين كبيرة مثل الثورة والجمهورية والخطر الذي يهددهما من قبل هذا “أمسيد” يكفي لإخراج محزون هائل من العقد والأمراض التي برعمتها صراعات ما قبل الوحدة اليمنية المباركة بين تلك النخب, حتى أن بعض هولا كانوا يستغربون وجود جرحى أو جثث قتلى بين صفوف الحوثيين من غير الهاشميين دون ملاحظة أن الناس أحرار فيما يعتقدون والى أي جماعة ينتمون.
لقد نجحت السلطة وعلى مدار ثلاث سنوات من الحرب في إسكات القبائل والأحزاب والعديد من التيارات الفكرية والمذهبية. ولم يكن لكل هذه الأطراف أن تصمت أو تتواطىء في ومع حرب صعدة لولا خوفها او تخويفها من خطورة مشروع الهاشميين الغامض في صعدة وفي اليمن عموما .
وفيما وجد الهاشميون أنفسهم خلال هذه الحرب داخل غيتو تهمة الحوثية، كان لابد أن يظهر الانتهازيون منهم ليستثمروا هذه الحرب وليمدوا من سعيرها والى درجة لم يكن لدى البعض منهم من حرج أن يقتل جميع أنصار بدر الدين الحوثي إذا كانت النتيجة هي أن يتم التعامل معه كأقلية مكفولة الحقوق دوليا أو أن يحصل احدهم على منصب وزاري في هذه التشكيلة الحكومية أو تلك، مقابل أن يظهر على التلفزيون ويقسم بالله العظيم بان حسين الحوثي وأنصاره مارقين عن الدين والمذهب ومن أتباع اليهود والنصارى وحلفاؤهم من المجوس والصفويين!!
النظرة النمطية إلى الهاشميين كجماعة مغلقة هي التي دفعت السلطة لان تبدأ الحرب ببيان يكفر جماعة حسين الحوثي ويغطي الحرب عليه من قبل علماء زيود وهاشميين. وهي الدوافع ذاتها التي كانت وراء تعيين يحي الشامي محافظا لصعدة ثم في عزله عنها وقد كانت في كل هذا على خطأ كبير.
حين خرج حسين بدر الدين الحوثي وجماعته في مران على السلطة الغاشمة لم يكونوا حينها يمثلون الهاشميين أو الزيود. وعلى خلاف ذلك فقد كان ظهورهم احد تعبيرات الخلاف داخل تلك الأطر السلالية والمذهبية مثلهم مثل بقية الناس والجماعات حين تختار خياراتها السياسية والفقهية بعيدا عن أثقال وتبعات الأسرة والمذهب والمنطقة الجغرافية. غير أن السلطة أصرت ومنذ البداية على التعامل مع حسين الحوثي وأفكاره ومعتقداته باعتباره جزء من (جماعة مغلقة) لها أجنداتها الخاصة والغامضة تجاه اليمن ونظامها الجمهوري. وإذا كان هذا قد ساهم في تحييد وتغييب الرأي العام عن الحرب، إلا انه قد فشل وكان لابد أن يفشل في حل المشكلة عبر الطائرات والصواريخ طويلة وقصيرة المدى.
عبد الملك الحوثي وعبدالله عيضة الرزامي مواطنان يمنيان لا يمثلان سوى أنفستهما ومعتقداتهما ولا يحق لأي شخص من غير جماعتهم أن يدعي تمثيلهم أو استثمار دمائهم ومن يعمل فهو إما كاذب أو انتهازي يبحث له عن موقع صغير.
إيقاف نزيف الدم في صعدة وحل مشكلتها يبدأ بتطهير أنفسنا من عقد الماضي الصراعي وفي التعامل مع الحوثيين كمواطنين لهم مثل ما لنا حق التعبير والتنظيم وفقا لدستور الجمهورية اليمنية وقوانينها النافذة ثم في تجريد أي جماعة ميليشية من السلاح وجعله حكرا على الدولة وفقا للقانون والدستور أيضا. لكن هذا لن يتم إلا بعد أن نرفع أصواتنا جميعا ضد الحرب والى جانب السلام الأهلي بين اليمنيين.
نقلا عن صحيفة الثوري