بات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مع كبير مستشاريه إسفنديار رحيم مشائي يشكلان كابوسا يقض مضاجع آيات الله المتشددين في إيران,ولم يعد يخلو خطاب أوتصريح سياسي لأحدهم من انتقاد أو اعتراض على سلوكيات الرئيس ومستشاره, فالدعم الواسع الذي حصل عليه نجاد فترة إعادة تنصيبه لولاية ثانية من المرشد الأعلى السيد علي خامنئي ورجال دين متشددين أمثال:مصباح يزدي وجنتي وأحمد خاتمي,تبخر فور تعيينه لمشائي مستشارا أولا ضمن حلقته الضيقة , محدثا بذلك شرخا كبيرا في علاقته مع طبقة رجال الدين المحافظين.
فالسيد مشائي هو الشخصية الأكثر إثارة للجدل في إيران إذ لم نقل إثارة للشغب, وهو معروف بمواقفه الصادمة وصراحته المحرجة وآرائه الغريبة عن أجواء أصحاب القرار في إيران,ونزوعه بإيعاز من الرئيس طبعا, إلى تعميم فكرة القومية عند الإيرانيين مقابل الإسلامية, ما فهمه رجال الدين دعوة لعلمنة إيران,وتطويقا لعروشهم الدينية ,هذه العوامل إضافة إلى عوامل سياسية ودينية أخرى, كانت من أبرز الأسباب التي قسمت معسكر المحافظين في إيران إلى معسكرين, فباتوا محافظين متشددين من أتباع المرشد الأعلى ومحافظين جددا من أتباع الرئيس,نتج عن ذلك صراع على السلطة بينهما,لم يعد بالإمكان إخفاء ملامحه .
فالمحافظون الجدد بقيادة نجاد,يسعون حثيثا, إلى كف يد الولي الفقيه المدعوم من قم,في ما يتعلق بشؤون الدولة,وهم يتحينون الفرص أو يصنعونها للتخلص من هذه الهيمنة, ويخططون لصرف اهتمام وعمل آيات الله أو حصرهما في شؤون الدين والفقه وإخلاء الساحة السياسية لرجالها,في هذه الأثناء يبدو معسكر المحافظين المتشددين نادما على التأييد المطلق الذي منحه لنجاد في جولة الإنتخابات الرئاسية في حزيران 2009 بعد استشعاره بأن السحر قد إنقلب على الساحر,و هم يخشون يوما يفتح فيه عهد نجاد وأعوانه تاريخ خروجهم من السلطة, إضافة إلى أن وضع خامنئي الصحي يزيد من قلق آيات الله من أن يستغل نجاد المتعاظمة سلطته, هذا الوضع ويعمد مع فريقه إلى سد المنافذ أمام مد رجال الدين في الدولة ومحاصرة بعضهم في قم وتصدير بعضهم الآخر إلى النجف, لذلك تشتد الحملة على نجاد من قبل آيات الله الذين تأكدوا أن في تصرفات الرئيس وفريقه, تهديدا مباشرا لسلطتهم وإيذانا بانتهاء عهود سيطرتهم على أمور البلاد والعباد.
وفي حين طار أحمدي نجاد إلى لبنان بحثا لنفسه عن مأوى سياسي وشعبي بعد أن انفض شعبه من حوله,واستجداء لدعم إقليمي تنفيسا للعقوبات الدولية,و برهانا يثبت من خلاله للشعب الإيراني مدى تأثير سياساته على العالم,يبدأ المرشد الأعلى اليوم زيارة رسمية إلى مدينة قم,حاملا معه جرس إنذار لمراجع التقليد,بأن سلطتهم على المحك,خاصة وأن الرئيس الإيراني قد حرص في خطاباته الرسمية والشعبية التي ألقاها في لبنان على عدم ذكر اسم المرشد الأعلى ولو لمرة واحدة,ما أثار حفيظة المرشد ومن خلفه ,و أثبت بالصوت والصورة الإنفصال الحاصل بين الرئاسة والقيادة.
ويصف مراقبون أن زيارة المرشد لمدينة “قم” تشكل منعطفا في تاريخ ولاية الفقيه وليس في تاريخ المدينة، بعد إنقطاع رسمي دام 15 سنة. فالمرشد الأعلى ما زال ناقما على ما تمثله المدينة كونها لم تعترف بمرجعيته، لكن حرب الإلغاء التي يشنها نجاد وفريقه جعلته يعض على الجرح وييمم شطرها، كما أن أحد أهداف الزيارة الأساسية وفقا لمعلومات إصلاحية هو سعي خامنئي لتحصيل إذن الإجتهاد لنجله “مجتبى” من مراجع التقليد.
ويتردد أن أحمدي نجاد بعد أن أخذ حاجته من صديقه اللدود(خامنئي) وانصرف إلى ترتيب شؤونه مع أصدقائه المقربين مستبعدا كل الشخصيات المحافظة المحسوبة على المتشددين قد بدأ بتحضير أحد أتباعه المخلصين لخلافته في الرئاسة القادمة، شخصية يمكن إدارتها في الظل، بحيث يبقى هو المحرك الأساسي للعملية السياسية. في هذه الأثناء ينشط المتشددون في إتجاهين أساسيين: الإتجاه الأول يتركز على إنتقاد نجاد ويقوده رئيس مجلس صيانة الدستور آيه الله جنتي، والإتجاه الثاني ينصب على مهاجمة مستشاره المثير إسفنديار رحيم مشائي ويقوده رجل الدين المتشدد أحمد خاتمي(شقيق الرئيس السابق محمد خاتمي) والأب الروحي لأحمدي نجاد آية الله مصباح يزدي.
في حين تتحضر المعارضة للدخول على الخط, وبحوزتها خطاب سياسي معتدل وبرامج إصلاحية مغرية أهمها:ترتيب البيت الإيراني ,ووقف مزاريب المساعدات المادية لمنظمات خارج الحدود والمصالحة مع المجتمع الدولي, ويشاع أن الترويكا الخضراء(موسوي وخاتمي وكروبي)تنوي ترشيح حسن أحمد الخميني ,حفيد الإمام الخميني والعدو اللدود لمجتبى خامنئي,لدورة رئاسة الجمهورية القادمة.
الإيرانيون ينتظرون بفارغ الصبر,أن يتخلصوا من حكم الملالي,وإن كانت هذه الخطوة سوف تقودهم إلى ديكتاتورية أخرى, فلن تكون دينية على الأقل,لكن خوفهم يتعاظم من مغبة سقوط الحكم في قبضة الحرس الثوري ومن خلفه الباسيج,ليتحول النظام إلى ديكتاتوري عسكري من الدرجة الأولى,في حال لم تتنبه المعارضة لهذا الفراغ وتعجم عودها وتتحرك في اللحظة المناسبة للسيطرة على السلطة.
وعليه فالصراع على الجمهورية الإسلامية أو فيها, يدور بين ثلاثة إتجاهات,المحافظون المتشددون,والمحافظون الجدد والإصلاحيون ,لكن من سيحقق الغلبة وإلى من ستعود السلطة؟الجواب النهائي يحتاج إلى ثلاث سنوات بعد!