” أيها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا”
زياد ابن أبيه
في سبعينيات القرن العشرين خرجت جماعة لا ندري ما كنهها، ترصدت الشباب الذين كانوا يطيلون شعرهم، ويعلقون السلاسل، ويلبسون الشارلستون (على ما أظن شكل الهبيز)، هذا ما حدث في مدينتي الحالمة “تعز”).
وكانت فرقعات تلك الجماعات تتصدر أخبار حيّنا كل يوم. وكنا كلما سمعنا جلبتهم وضجيجهم في الشارع سارعنا، نحن الصغار قبل الكبار، لنستقصي ما الحدث. ولأننا صغار لم نستوعب ما يحدث. ما عرفته آنذاك، هو ما حدث لجارنا الآتي من أمريكا: لقد أمسكت به تلك الجماعة بصحبة بعض أصدقائه، لينتفض “سوق الصميل” عن بكرة أبيه، كلٌّ يشاهد المشهد السينمائي الفانتازي، أو يشاهد مسرحية ساخنة من العيار الثقيل. لقد جرجرتهم تلك الجماعات مثل الأغنام ، حتى “الدائرة” (مقر الشرطة) في نهاية سوق الصميل، ضربوهم، ومزقوا بناطيلهم، وقصوا شعورهم “صلعة”، أو بشكل مشوه. ومما كنت أسمعه، هتافات:
هذا الموس
احلق شعرك يا خنفوس
وهتافات أخرى لم أعد أتذكرها.
كان شكل جارنا يرثى له. ومما سمعته: “يستاهلوا! الخنافيس، يخربوا أخلاق العيال، ويتشبهوا بالنصارى”، وألفاظ بذيئة أطلقت عليهم (…).
بجانب أخبار جارنا، كنا نسمع أخبارا متصاعدة عن عدد الفتيات اللواتي قبض عليهن وهن ينزوين مع أحبائهن في مكان بعيد من المدينة.. سمعنا عن العديد من المُحبات والعاشقات، كيف “شلحتهن” جماعات “الفضيلة والشرف” أساورهن وقلائدهن الذهبية، وعن مجموعة منهن لا تملك شيئاً غير العشق اقتدن إلى السجن المركزي.
قد تكون تلك الحوادث صحيحة، أو كاذبة، لكن أخبارها كانت تصلنا أولا فأول، إلى مدارسنا، وبيوتنا، وتجعل آباءنا وأمهاتنا ينتفضون علينا، ويتحولون إلى متلصصين وأحياناً جلادين، يختتمون كل حميتهم بـ”الله يلعن من يدرّس بناته”.
أتذكر، حالات البؤس التي كانت تعلم وجوه الناس في تلك الأيام. فقد كانت تقدم لنا مساعدات غذائية للمدارس من قبل جمعيات أو منظمات دولية، من: أجبان، روتي، لحوم معلبة… الخ. بمعنى أن هناك ظروفا اقتصادية متردية، وربما كانت هناك قلاقل واستنزاف بيننا، كشمال وجنوب، وصراع سياسي داخلي في الشمال، كما عرفت بعد ذلك. بمعنى أن البلد كان يعيش اضطرابات سياسية، واقتصاداً متدهوراً.
في مثل تلك الظروف، وظروف العتمة والتدهور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي نعيشه وتعيشه بلادنا الآن، تظهر مثل تلك الجماعات، أكانت جماعة من مليشيات العسكر والأمن الوطني التي اقتادت جارنا الحالم، وحكمت على شابات بالموت معنوياً، وربما جسدياً، لأنهن استرقن رعشة حب بعيداً عن الأعين المتلصصة؛ أم كانت جماعات من الميليشيات الدينية، التي ظهرت الآن، أم تلك الجماعات الرابضة في كتب التاريخ في أي مكان وزمان.
هي جماعات، لا تنبت كما الفطر، لنقول بسذاجة: من أين انشقت وأتت؟ فهي جماعات أُعدت في “مصانع الرجال”/ السلطة، جُنّدت، وغُذّيت، وغُرزت، وحفظت الدرس تماماً، لتبدأ شغلها “الشريف” و”الفضيل” و”الأخلاقي” جداً: البطش والفتك بأي نهدة تشق الضلوع، فتهمس بـ: الجوع كافر، الفقر قاتل، اللا أمان وحش مجنون.
لا يمكن أن نقارن ما حدث بالأمس في مدينتي (تعز)، وأن المسألة مسألة خنفسة وخلافه، وبين ما يحدث اليوم من تفشي المنكرات والدعارة، وتجسده المرأة.
الفكرة التي نخلص إليها، أن الأنظمة الاستبدادية، عندما تختنق وتشل تستنجد بمن ربتهم وسمّنتهم، إنهم “الريح الأحمر” أو “رياح الفالج”، هذا المرض الذي قتل ويقتل الكثير من اليمنيين بحجة حماية الأخلاق، والتصدي للرذيلة، والدفاع عن الوهم، ومقاومة الشيطان، وحراسة الباب المغلق، والتفتيش تحت المخدات، والقلوب والضمائر والنفوس للبحث عن خنفسة الرذيلة، ودودة المنكر. إنهم الوجوه نفسها، وغلظة القلب، وقسوة الفؤاد، الباطشون بخفقة الحب، المعادون للغناء والفن، والرقص والثقافة، والمسرح والسينما، والضحك، والحديقة، و”غاب القمر ولا عادوا”. الآلة الجهنمية على مدى عهود التاريخ العربي والإسلامي المأزوم، الذي يلجأ إلى مصانع رجال “الفضيلة”، و”التصدي للمنكرات” في كل “زنقة”.
مُبيد الفضيلة، هو نفسه مبيد القات، المبيد الحشري للقوارض والحشرات، مبيد “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، كلها لتطيل أمد الحاكم، والشيخ، والتاجر، والداعية، وكل المستنفعين من دمنا وعرقنا وحياتنا.
مبيد “الفضيلة” سيحولنا إلى خنافس، حتى لو انتهى عهدها، سيصنع فزّاعات من خنافس جدد، سيخرجونهم من القبر، سيصنع نساء عاهرات، فاجرات، متعريات، سيرسمون مشاهد الفتنة والإغراء، والفنادق، ويخوت البحر، ورقصات المايوه والبكيني، سيخترعون وسيخترعون… لأنهم ببساطة يريدون أن يملسوا وجه الحاكم، لينقضوا عليه، ويحكمون، لنصبح “تورا بورا” اليمن لصاحبها عبد المجيد الزنداني وصديقه الفاضل جداً جداً حمود الذرحاني، وصبيانهم داؤد الجني وأم صبياني، هكذا تستقرئ تاريخ “الفضائل” في بلادنا، وهكذا خبرتنا قصص التاريخ في أكثر من بلد.
إنه الموت المتربص بنا، خصوصاً نحن النساء، حتى لا يظهر أي وجه لأية امرأة، أية طفلة، أية زهرة وخضرة، أية جديلة شعر، وأية ضحكة، أية “مشقُر”، أي حناء ونقش، أي مناجاة للقمر، وأية قصيدة تحتفي بالندى وبزغة شعاع الشمس، في المدينة أو الريف، أو أي بقعة في البلاد.
عندما يختفي الخبز، يخصبون “دعاة الفضيلة والشرف”. إنه الموت القادم لنساء اليمن، باعتماد جمهوري حكومي ، شوروي ، “ديمقراطي” لهيئة “الدفاع والتصدي للمنكرات”، أو هيئة “الفضيلة”، أو “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”!!
فكيف تشوفوووووووووووووا ؟؟؟
arwaothman@yahoo.com
* صنعاء
الموت القادم من الفضيلةالمشكلة الاساسية هي نحن لان القابلية للاستعمار موجودة من جهل وفقر ونظم شمولية ومليشيات طائفية وعرقية ومافيات مخابراتية تنهب الشعوب وايضا باسم الاسلام حاربنا العقل ودمرناه. ان الديمقراطية واحترام الانسان هي الحل لان الديمقراطية اي العدل اي السواء(=) هي التي وصل اليها الانسان لفك عبوديته من الانسان الاخر وتوحد على اساس العقل وليس على اساس الاكراه (مثال السوق الاوروبية ) ونعلم ان توحيد الله ان لا يكون هناك اله بشرية فوق القانون ولما نقبل ان هناك اناس متفرعنين فسيكون هناك ظلم اي شرك بالله اي بدون مساواة وبدون عدل فان المجتمع محتوم علية الدمار والانهيار كما نلاحظ… قراءة المزيد ..
الموت القادم من الفضيلة
نس
نعم صدقت :
كنت منزويا مع عشيقتي في الظلام لقراءة رياض الصالحين وتدارس القرآن وكنا نلعب ببراءة ، وإذا بدعاة أو مدعي الفضيلة يهجمون علينا 🙂 ويسرقون ذهب عشيقتي ، ولو لم يكن معها ذهب لأحالونا إلى مركز الشرطة 🙂
الموت القادم من الفضيلة
لنا نحن الرجال بيضتان، وللخنساء ثلاث، ولأروى أربعة ، وللأستاذ بيار عقل خمسة على الجرأة في نشرة مقالا من هذا العيار.
لا بدّ من تنقية ثقافتنا اليومية السائدة من قاذورات التقاليد البالية المعادية لكرامة الأنسان ..
ولكن كيف؟ وكم أروى نحتاج لأنجاز ذلك؟ وكم قرن من الزمان؟
آآآآآه ……
الموت القادم من الفضيلة
ويلك يا بنت الأقيال!!!!!أتتحدثين بلساني وتبوحين بمكنوني ؟إذا أنت أشجع مني !!!!!!!
أنت أرجل مني.