تُضاف “ال” التعريف لحصر المقاومة في حزب الله دون سواه. هكذا تم تحويل مصطلح “مقاومة حزب الله” الى “المقاومة”، كما في معادلة “الشعب والجيش والمقاومة”، في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة منذ العام 2005.
مسؤولو حزب الله يحتكرون، نظرياً وعملياً، المقاومة في حزبهم وأشخاصهم. هذا ما أكده لنا النائب في كتلة الوفاء للمقاومة علي المقداد أمس الأول: “مغشوش من يفكر بأي حكومة مقبلة لا تتمثل فيها المقاومة وتكون في صلبها”. لم يتحدث عن تمثيل حزب الله. قال “المقاومة”، لكنه يعلم، كما غيره، ان المقاومة تعني حزب الله حصراً.
يفتح هذا الكلام، وفي عشايا عيد التحرير في 25 ايار، اسئلة حول “المقاومة” او “ثقافة المقاومة”، التي طالما ترددت وتتردد اليوم في مواقف وخطب قيادات حزب الله.
فالمقاومة التي يروج لها في ادبيات الحزب واعلامه تنطوي على متناقضات ضخمة. يكفي ان تنظر الى بنية حزب الله وايديولوجيته وتركيبته لترى انه لم يسع الى انتاج ثقافة مقاومة تنسجم مع ما تلتزمه بديهيات اي مقاومة ضد الاحتلال. ففكرة المقاومة لا يمكن ان تكون طائفية، بل يمكن ان ينتمي إليها أي مواطن أياً كانت عقيدته الدينية او انتماؤه المذهبي، ما دام مؤمناً بتحرير الوطن من الاحتلال.
لكنّها شروط غير كافية لينتسب اللبناني إلى “المقاومة”. لا بد أن يكون شيعياً اولاً. ولا تكفي الشيعية وحدها. فغير المؤمنين، من الشيعة، بولاية الفقيه وبالعلاقة العضوية بين هذه المقاومة والقيادة في ايران، لا يمكن ان ينتسب الى “المقاومة” مهما بلغ ايمانه ونضاله.
يمكن لولاية الفقيه وايران ان تتقاطعا مع ارادة المقاومة وثقافتها في لبنان او فلسطين او في الجولان ضد الاحتلال، ولكن لا يجوز ان تكونا مدخل هذه المقاومة وشرطها. فأي مقاومة تذهب، بالضرورة، الى المشترك والجامع بين افراد المجتمع ومكوناته، وتسعى الى بناء وعي وطني او قومي. لكنّ مشروع المقاومة لدى حزب الله من هذه الناحية يذهب الى التعبئة وتحريك المشاعر الدينية والمذهبية اكثر مما يحاول ان يؤسس لوعي وطني او قومي.
وتحويل المقاومة الى حزب يعني خصخصتها، ومذهبتها لا يجوز ولا يصحّ، وتحويلها إلى مشروع فئوي يفقدها عمقها الوطني والقومي.
لذا عند اول اختبار موضوعي، في 7 أيّار 2008، سقط العمق الوطني بالكامل. وفي انخراط “المقاومة” داخل وحول الازمة السورية سقط عمقها العربي، او ما تبقى من حاضنة عربية خارج المذهبية.
ليس ما تقدم تدليلاً على خطأ غير مقصود في ثقافة المقاومة وتركيبتها. بل هو يبدو مقصودا ومشغولا بحرفة ودقة. ذلك ان اي مشروع مقاومة حقيقي لا يمكن ان يكون تابعا لأي دولة أجنبية، لأنّه ينبع من الولاء لحدود الوطن الذي نقاوم لتحريره. ولا يمكن حصرها في انتماء ايديولوجي او مذهبي او طائفي للسبب نفسه. قد يتقاطع مع دولة او منظومة اقليمية لكنه محكوم بشروط النهوض الوطني والقومي. من هنا يمكن تفسير كيف ان “المقاومة” ايدت مشروع “اللقاء الارثوذوكسي” من دون ان تشعر بأي ذنب او خيانة لمنطق المقاومة وثقافتها.
ألم يسأل مثقفو هذه المقاومة وقادتها انفسهم كيف يمكن لهم ان يؤيدوا مشروعا يعيد انتاج عقد اجتماعي جديد قائم على فيدرالية الطوائف والمذاهب؟
وكيف يوظف هذا المشروع الذي يفصل بين المواطنين على اساس طائفي ومذهبي في مشروع المقاومة؟ كيف يوظف في مشروع تحرير فلسطين والجولان؟ الذي استفاق النظام السوري والمقاومة على تحريريه بعد عقود من الصمت.
ولسائل ان يسأل: من يقبل بالمشروع الارثوذكسي لا يحقّ له رفض القول التالي: “ما دخل الشيعة او المسيحيين بالقضية الفلسطينية، فهي شأن السنة”.
لم نسمع احد من قادة “المقاومة” يفلسف لجمهورها كيف يدعم مشروع “اللقاء الارثوذكسي”؟
العماد ميشال عون كان واضحا في موقفه ومنسجما مع نفسه عندما قال: “هدفي تحسين التمثيل المسيحي”. لم يقل لنا: “سأحرر فلسطين أو القدس أو الجولان”.
احدهم سيقول ان المقاومة في موقفها كانت تمارس حقها في التكتيك السياسي. لكن من حق المراقب – وفق التكتيك السياسي اياه – أن يجيب: من جعل المقاومة محصورة في مذهب واحتكر تعريفها بحزب وفرضه على المجتمع والدولة، وربط قرارها بمنظومة خارجية ايديولوجية، سيصل منطقيا الى تبني المشروع الارثوذكسي، والآتي، الفئوي والمذهبي، أعظم. وما بعد بعد حيفا ارثوذكسيا ليس سوى القصَيْر.
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد